البوليساريو تستعطف تونس بعد بوادر تخلي الجزائر عن احتضانها للجبهة

بالواضح – سعد ناصر

بفعل الواقع المغاربي الجديد، وظهور قيادات جديدة وواعية بكل من موريتانيا وتونس، وبخاصة ما يقع بالجزائر، منذ سقوط نظام بوتفليقة، قبل ثمانية أشهر، من حراك يطالب من خلاله الشعب الجزائري باستبعاد رموز النظام السابق من الحكم، وإرجاء الانتخابات حتى تحقيق التوافقات الوطنية المطلوبة، بات قلق كبير ينتاب قيادات مخيم الرابوني في البحث جديا عن ملاذ جديد وبديل عن الجزائر، يمكن من خلاله تمديد الصراع المفتعل لأطول فترة ممكنة، وبالتالي الاستفادة من ريع المساعدات الدولية.

فبعد ظهور مطالب شعبية جزائرية بلافتات واضحة تطالب بإخلاء تندوف من مخيمات البوليساريو، وبتخلي نظام بلادهم عن احتضان هذه الجبهة الانفصالية، انخرط اصحاب القرار ووجهاء السياسة ممن كانوا إلى وقت قريب رموزا ومنظرين لـ”فكرة البوليساريو”، انخرطوا إلى جانب الشعب مطالبين بالعزوف عن دعم الجبهة الانفصالية.

وها هو عمار سعداني الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني الذي صرح بالواضح الفصيح بأن الصحراء مغربية، وألا داعي لاستمرار هذ الملف، وبضرورة طيه، داعيا كلا من الجزائر والمغرب بفتح حدودهما وإعادة مياه العلاقات إلى مجاريها، كاشفا موقفه بالقول: “أنا في الحقيقة، أعتبر أن الصحراء مغربية وليست شيئا آخر”.

ولعل موقف السعداني وطريقة تعبيره الجازمة والصريحة من هذه القضية، تبرز بجلاء حقيقة الضمير الجزائري الذي يؤمن بما لا يداخله أدنى شك بأن الصحراء أرض مغربية، وبألا داعي لصناعة حقيقة مزيفة لكيان وهمي عبر الدعم والاحتضان المتواصلين على مدى أزيد من أربعة عقود من الزمن، كلفت بسببها الجزائر خسائر كبرى أولها توقيف عجلة القطار المغاربي الذي كان مرشحا لأن يكون أحد أقوى التحالفات الإقليمية، نظرا لكون المنطقة تكمل عناصر التنمية والثروة، بعضها ببعض، على مختلف أنواعها مما هو فلاحي ومعدني وطاقي.

سعد ناصر مدير نشر موقع “بالواضح”

وما يؤكد حقيقة الضمير الجزائري المؤمن بمغربية الصحراء وأن الأمر لا يعدو أن يكون قضية مفتعلة من قبل طغمة جزائرية حاكمة جثمت على  ثروات أرض المليون شهيد على مدى أزيد من خمسة عقود من الزمن، ما يؤكد ذلك هو موقف سابق من قبل السياسي الجزائري الراحل، إبن الثورة الجزائرية، محفوظ نحناح الذي اعتبر بأن الصحراء مغربية وأن المشكلة في حرف “الميم” الذي سرعان ما يتعنت النظام الجزائري، ويفرض اجتزاء هذا الحرف، عبر مخيلته الواهمة، من القاموس اللغوي والتاريخي لكلمة الصحراء المغربية.

وإزاء هذا الواقع الجزائري الراهن انبرت “الطغمة الوهمية” للبوليساريو إلى توجيه دعوة صريحة لتونس ولرئيسها الجديد قيس سعيد، تستعطفه من أجل دعمها والوقوف إلى جانبها، والانخراط في لعب دور إيجابي لإيجاد حل لقضية الصحراء المغربية، مُضْفِية على رسالة تهنئتها لقيس، بمناسبة نجاحه في الرئاسيات الأخيرة، (مُضْفِية عليها) بكثير من توابل المدح والتودد، طمعا في إيجاد موطئ مغاربي جديد يدعم أطروحتها ويقتسم معها غنيمتها.

إذن وأمام هذا الواقع المغاربي الجديد باتت قيادة البوليساريو، إزاء مأزق حقيقي تتوضح معالمه مع مرور الوقت أكثر فأكثر، وعيا منها بأن الدعم الجزائري يشارف نهايته، وفقا لمؤشرات اليوم التي تسير بوضوح في هذا الاتجاه، أما تونس اليوم، فليس بذلك الكيان المغاربي الذي يمكن أن تنطلي عليه تلك الممارسات الشاذة، خاصة مع الصفعة التونسية المؤلمة، التي وجهتها رئاسة قرطاج بعد عدم الرد ولا الالتفات إلى برقية تافهة من كيان فاقد للشرعية، إذ لم يصدر من الرئاسة أي تعليق أو ترحيب رسميين  حول هذه الرسالة الملغومة.

إذن فعلى غرار التطورات الجزائرية الراهنة والمتزايدة، وبعد القيادة الموريتانية الجديدة التي أظهرت كثيرا من الوعي والواقعية والبراغماتية المغاربية، بعد الاتفاق مع المغرب بحماية المعبر الحدودي الكركارات من كل تجاوز أو خرق وبالتالي قطع الطريق أمام البوليساريو واستفزازاتها، وكذا تجنب الحديث عن الجبهة الانفصالية في الكلمة الموريتانية الرسمية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا في سابقة من نوعها، وبعد تونس التي لا تعترف أصلا بكيان يقود مخيمات الرابوني، وليبيا التي بينها وبين البوليساريو حسابات تاريخية، لانخراط الأخيرة في مؤامرات تخريب البلاد تأييدا للرئيس الراحل والمخلوع معمر القذافي في بداية ما كان يسمى الربيع العربي، يبقى القول بأن البوليساريو باتت في عزلة وحصار غير مسبوقين، قد ينتهي بحلها أو بأي صيغة “تحفظ ماء وجهها”.

اترك رد