(الـبـعـيـدون) قـراءة مـخـتـلفـة أو درجـة الـغـفـلـة فـي الـقـراءة

بقلم: أحـمـد الـطَّـوْد

الـفـصـل الـثـانـي: الـــراوي

سأل عبد الرحيم العلام (رئيسُ اتحاد كتاب المغرب) صاحبَ (البعيدون) :
_ هذه الرواية تذكرنا برواية ” موسم الهجرة إلى الشمال ” للطيب صالح في استيحائهما معا لأجواء تتميز بنقط التقاء …. هل تسمح لنا أن نصف روايتك (البعيدون) بأنها رواية ” موسم الهجرة إلى الشمال ” ؟ (1)

………….

لايحتاج قارئ (البعيدون) إلى جهد كبير ليدرك الأثر القوي الذي تركته فيها روايةُ الطيب صالح ، كما لا يحتاج إلى جهد لإدراك الفارق الضخم الهائل بين ” موسم الهجرة إلى الشمال ” كرواية شامخة باذخة متكاملة العناصر مقنعة وممتعة ، وبين (البعيدون) كمحاولة ساذجة في التقليد الأعمى من كاتب مبتدئ . وإذا كنا لا نرغب في عقد مقارنة بين العملين لما بينهما من بون شاسع ، فإننا سنستدل من حين لآخر على ما أسميناه بالتقليد الأعمى في ثنايا قراءتنا هذه التي
خصصنا فصلها الأول لاضطراب الزمن وفلتان زمامه من يد الكاتب ، ونقوم في هذا الفصل بتسليط الضوء على شخصية الراوي .

الراوي هو أول شخص يصادفه قارئ (البعيدون) .
شغل الفصلين الأولين ، ثم اختفى تاركا المجال للبطل إدريس ليتولى من خلال (مذكراته) الحديث عن نفسه ، مستخدما هو الآخر ضمير المتكلم .
وإذا كان راوي ” موسم الهجرة إلى الشمال ” عضوا رئيسا في جسد رواية الطيب صالح ، وقوَّةً فاعلة مساهمة في ديناميتها وتـنامي أحداثها ، حتى إننا من خلال حضوره القوي وتشابك علاقاته مع بقية شخوص الرواية ، ومن خلال آرائه ونظرته الخاصة للحياة والمجتمع ومن خلال مواقفه ورمزيته ، يمكننا أن نعتبره بطلا آخر لها إلى جانب بطلها الرئيس مصطفى سعيد ؛ فإن راوي (البعيدون) يختلف عنه اختلافا كليا ، إذ لم تكن له علاقة إلا بإدريس ، ولم يتحدث إلا عن إدريس ، فإنْ ذكر غيره فلصلته بإدريس ، ولم تكن له من قضية إلا تـتبع شؤون إدريس وتسقط أخباره . مهمته الأساس في النص تنحصر أولا في النسيان ، و ثانيا في الإعجاب الأبله بإدريس ، والثناء على ذوقه والانبهار بأفعاله وأقواله ، دون أن يكون قادرا على مجادلته أو مناقشته أو الاختلاف معه ؛ وهي مهمة أثقلت كاهله وأربكت خطواته وصغَّرت شأنه حتى بدا دمية لم يحسن صاحب (البعيدون) تحريكها بجهاز التحكم عن بعد ، وتركها تصطدم مع ذاتها ، وتـتخبط تخبط قزم ساذج لحد الغباء ، متطفل ثقيل الظل ضعيف الشخصية فقيرها ، إن لم نقل جعلها زائدة دودية لو استُؤصلت لكان ذلك خيرا .
ونحن لم نصدر في حقه تلك الأحكام اعتباطا ، ولم نسقطها عليه تعسفا وتجنيا ، ولكنها نتيجة ملاحظةِ ما غفلتْ عن ملاحظته عيون القراءات ( العاشقة ) والقراءات المنافقة لـ (البعيدون) . تلك القراءات التي مرت بهذا الكائن المدسوس في النص والمفروض عليه قسرا ، دون أن تفطن إلى أنه لا يعدو أن يكون نسخة مشوهة عن الراوي في ” موسم الهجرة إلى الشمال ” .
يمكننا تأكيد تلك الأحكام بتتبعنا شخصية الراوي في بعض المواقف التي أقحمه فيها صاحب النص :
كان الخطاب الذي ألقاه إدريس في تجمع طلابي بالبيت الإسباني العربي في مدريد هو ما أثار إعجاب الراوي به ، فما إن رآه ذات مساء في مطعم كلينيكو الجامعي [ وحيدا منزويا في ركن (داكن) ] حتى قصده حاملا صينية عشائه ، متوقعا أن جلوسه قبالته على المائدة [ سيكون مغريا (لـ) أحاديث ممتعة ] (ص5) . ورغم أن الراوي طالب بكلية الطب ، إلا أنه يفتقر – كما أريد له – إلى حدة الذاكرة وقوة الملاحظة اللتين يتميز بهما عموما طلبة الطب ، فهو لا يتذكر اسم صاحب الخطاب [ المدوي الذي اهتز له وجدان الطلبة ] وقد كان هو أحدَهم : [ تسمرتُ في مكاني محاولا أن أتذكر اسمه ] (ص5) . وحتى حين فرض عليه نفسه بالجلوس قبالته على المائدة ، بل وحتى لحظة توديعه بعد العشاء في محطة الميترو لم يستطع تذكر اسمه : [ الغريب أنني لم أكن قد تذكرت بعد أن اسمه إدريس ] (ص6) . فما دلالة هذا النسيان ؟ . لا نملك من جواب سوى اعتباره خطة انتهجها صاحب (البعيدون) حتى يدرأ عن الراوي – وعن نفسه ضمنا – التورط في ما لا قبل له به ، فحينما توقعنا أن يكون خطاب إدريس موضوعا لتلك [ الأحاديث الممتعة ] بينه وبين الراوي ، قطع صاحب (البعيدون) الشريط ، وفضل للراوي أن يكون مع إدريس [ مجاملا بشوشا ثرثارا ] دون أن يتوفق في أن يحرك منه ساكنا، حتى إذا شعر أخيرا بأنه ضيف متطفل -حِشَري – ثقيل عليه وهمّ بالابتعاد ، خرج إدريس عن صمته مبررا عبوسه وكآبته وحزنه بـ : [ توفيت والدتي ] ، تاركا الراوي في موقف حرج يقول [ بحكم الغريزة أو العادة ما يقال في تلك المناسبات الحزينة ] ، ويجد – وهو يرافق إدريس بعد تـناول العشاء – [ أن المسافة التي قطعناها في ذلك البرد القارس من مطعم كلينيكو إلى محطة ميترو مونكلووا قد امتدت إلى أطول من مسافتها (كذا) ] (ص6) ، لا عن ضيقه وتبرمه بسبب (انحشاره) وتطفله على شخص ليست له به أية علاقة ، ولا تربطه به أية صلة ، بل عن [ رهبة وخشوع ] (ص7) . كما ادعى ، أو كما أُريد له أن يدعي ، رغم أن الصداقة التي تستدعي مشاركة وجدانية في حجم الرهبة والخشوع لم تكن قد تحققت بينهما بعد .
ومع ذلك النسيان الذي سيتكرر في مواقف كثيرة ، شاء صاحب (البعيدون) أن يضفي على الراوي صفات أخرى من حيث لم يحتسب :
فحين اعتذر له إدريس – عند وداعه في محطة الميترو بعد لقائهما الأول ذاك – عن مرافقته إلى المقهى مفضلا الذهاب لسماع موسيقى ألمانية في دار الأوبرا ، نطق الراوي بما يدل على سوء تقديره وقصور تفكيره ، فتساءل في اندهاش الأبله واستغرابه : [ رجل تعشى باثنتي عشرة بسيطة(2) سيذهب لسماع الموسيقى بألف بسيطة ، إن لم يكن أحمق فهو عبقري ] (ص7). مع أن إدريس لم يأت ما يستوجب اعتباره أحمق أو عبقريا ، وحضوره حفلا موسيقيا ليس جنونا ولا عبقرية ، فالجنون هو فقدان السيطرة على العقل يؤدي إلى انتهاك المعايير الاجتماعية بسلوك شاذ يقوم به المجنون دون وعي وإدراك ، أما العبقرية فهي تمتع الشخص بقدر من الذكاء يتمكن به من تحقيق منجزات عملية باهرة في حقل من الحقول ؛ فأين هو الجنون أو العبقرية في أن يحضر إدريس حفلا موسيقيا ؟ أم الأمر لا يعدو أن يكون سوء تقدير من الراوي نتج عن بلاهة لا تتناسب مع كونه طالبا في كلية الطب ؟ . إن حضورإدريس حفلا موسيقيا بثمن باهظ جدا يوم بلغه نعي والدته ، إنْ كان أمرا لافتا ومثيرا للتساؤل عن علاقته بأمه من جهة ، وعن موارده المالية باعتباره طالبا يتقاضى من دولته منحة شهرية هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع ، من جهة أخرى ، فذاك الحضور لا يجعله أحمق أو عبقريا إلا عند من يتمتع بسوء التقدير الناتج عن ضعف التفكير كهذا الراوي الذي لا نلومه على بلاهته المثيرة للشفقة ، كما أننا لا نجد داعيا لمؤاخذته على عدم اعتبار نفسه أحمق أو عبقريا وهو يخبرنا أن إدريس – بعد أن توطدت علاقتهما – أدخله إلى [ تلك الأجواء المخملية ] في دار الأوبرا ليجد نفسه [ منغمسا متذوقا للموسيقى الكلاسيكية ] (ص10) . لا حاجة بنا إلى لومه أو مؤاخذته ونحن نعلم أن قصور تفكيره ونسيانه وسذاجته وبلاهته ما هي إلا تدبير سيئ نتج عن تخطيط غير واع من صاحب (البعيدون) محاولا به إعلاء قدر بطله إدريس ، وإيهام القارئ بتميزه وأهميته وعظمته .

في لقطة أخرى :
عندما كذب إدريس على الصحفية الفرنسية لاستدراجها إلى مسكنه مدعيا لها أنه يحتفظ في غرفته بالرسائل الغرامية التي توصلت بها جَدته من الرسام ماتيس ، لم يتردد الراوي أن يحكم على تلك الصحفية بالبلاهة جراء تصديقها إدريس (ص9) ، لكنه نسي فلم يفطن إلى أن حجم بلاهته سيكون أكبر وأضخم وهو يعترف مباشرة في السطر الموالي قائلا : [ الحقيقة أنا أيضا كنت قد صدقت هذه الرواية ] مبررا تصديقه الأبله لمزاعم إدريس بقوله : [ ذلك أنني لم أكن أفرق بين جديته ومزاحه مما كان يدعوني أحيانا لاستفساره وكأنني تلميذ أمام أستاذه ] (ص9) تاركا لنا تخمين مادة اختصاص هذا (الأستاذ) وتسميتها .
سيلتقي الراوي صدفة بإدريس رفقة بيلار المدريدية زميلته في كلية الآداب
وسيلتقي به صدفة أخرى مع ماري كارمِنْ المشهورة في مسبح الجامعة بعزفها على القيثار ، والتي ما إن قدمها له إدريس حتى تذكر أنه حاول الاقتراب منها ذات يوم ، لكنها كما قال : [ عزفت عني عزوف فأر عن قط شرس ] (ص8) . ولن نحرجه بالسؤال عن دلالة كلمة ” عزوف ” ، ولا عن وجه الشبه بين ماري كارمن الفاتنة الواثقة من جمالها لحد الغرور والفأر ، ولا كيف يمكن للفأر أن يعزف عن قط شرس ؛ فنحن نعرف أن المسكين وهو ينطق هذه العبارات الركيكة إنما كان يردد كالببغاء كلام الدور الذي أكرهه صاحب (البعيدون) على أدائه ، خاصة ونحن نلاحظ أن هذا الدور البائس لم يحرمه من ماري كارمن فحسب ، بل حرمه في (البعيدون) من إقامة علاقة بينه وبين أي شخص آخر عدا أستاذه إدريس .
ستتوطد صداقتهما، وسيكتشف الراوي في إدريس معينا لا ينضب من [ الأساطير والحكايا العجيبة التي لا تصدر إلا عن فنان موهوب أو عبقري مجنون ] (ص8) . ومثلما نسي أن يخبرنا بمضمون خطاب إدريس ، فقد نسي أيضا أن يتحفنا بأسطورة واحدة من أساطيره ، أو حكاية من حكاياه ، كما نسي أن يعرض علينا عملا إبداعيا واحدا ليقنعنا بـ [ عبقرية ] إدريس . وهو بالتأكيد لم ينس إلا لأن صاحب (البعيدون) شاء له ذلك النسيان اطمئنانا منه إلى أن قراء الغفلة لا يختلفون في سذاجتهم عن هذا الراوي ، وسيسلمون بكل ما ينطق به دون أن يسألوه على ما قال برهانا ، لتبقى عبقرية إدريس صفة بدون إثبات ألصقها به راو بليد .
سيقفز بنا الراوي سريعا إلى بدايات فصل الصيف ليحدثنا عن لقاءاته الليلية بإدريس
وجماعته المكونة من عرب وإسبان ، والتي كانت [ كالخفافيش لا تلتقي إلا بعد أن تحتجب الشمس ] (ص9) . و [ تواظب على السهر في المغارات أكثر من مواظبتها على الدراسة ] (ص13) . وطبعا كان إدريس وحده نجمَ تلك السهرات ، فهو دون غيره مَنْ [ ( يبهر آذاننا) وينتزع منا إعجابنا ودهشتنا ] (ص8) .. بماذا ؟ ربما بتلك الأساطير والحكايا التي لا نظن أن صاحب (البعيدون) نفسه يعرفها . فأي نوع من الطلبة ينفتح عليه هذا النص ويبشر به ؟.
فجأة اختفى إدريس .. – سنتأمل هذا الاختفاء في فصل لاحق – وسيثير اختفاؤه زوبعة من أسئلة بلا أجوبة ، أو بأجوبة غير يقينية . يقول الراوي : [ انتظرنا ثلاثة أشهر .. انتظرنا عاما . ثلاثة أعوام ، لكنه لم يعد أبدا ] (ص15) . تفرقت الجماعة ، وغادر معظم أفرادها مدريد بعد انتهاء سنوات الدراسة ، بمن فيهم الراوي ، ومرت [ ثلاثون عاما وليس ثلاثة أشهر ] (ص15) كما أكد الراوي دون أن يعرف شيئا عن مصير إدريس .

وذات يوم ..
[ عثرت في مكتبة بيتي – يقول الراوي – على رزمة من رسائل تعود إلى ذلك الزمن المدريدي المتقد ، رسائل كنت أحسبها مفقودة ، لكنني هللت وأنا أقول في نفسي إن قراءتها قد تسافر بي إلى تلك الأيام المخملية اللذيذة …] . نفض عنها الغبار وعثر على صديقه [ طريا معزولا في ركن من ذاكرته كأنه كتاب عن ملحمة أبهره جزؤها الأول ، فبات لا يطيق الصبر عن جزئها الثاني ] (ص16) . ولا تعني ” ملحمة ” في عقلية الراوي إلا [ أيام حماقتنا الطلابية ، أيام كان إدريس يخطط لسهراتنا الجنونية فيدهشنا ] (ص17) .
وهنا لابد أن نفتح قوسا لنسأل صاحب (البعيدون) وقراء الغفلة :
هذه الرسائل والصور أحقاً كان إدريس هو من بعث بها إلى الراوي ؟.. إذاً كيف يُعقل أن يتبادل الصديقان رسائل بينهما وهما يقيمان معا في مدينة واحدة (مدريد) ، ويلتقيان فيها مع بقية الأصدقاء كل ليلة ؟ علما بأن صداقتهما لم تُعمَّر إلا أشهرا قليلة بدأت بمدة بعد تطفل الراوي على إدريس في مطعم كلينيكو الجامعي أيام البرد القارس (يناير أو فبراير) ، وانتهت منتصف يوليوز في صيف السنة ذاتها بالاختفاء المفاجئ لإدريس وانقطاع أخباره ثلاثين عاما ؟؟ .
لنغلق القوس معلقين السؤال حيث تعلق الأسئلة التي لا جواب عنها ، ولنطرح هذا السؤال : ما معنى إصرار الراوي على معرفة الجزء الثاني من تلك (الملحمة) بعد أكثر من ثلاثين سنة ؟ .. أما كانت له بسبب تقدمه في السن وانشغالاته الحياتية اهتمامات غير التي كانت له أيام الدراسة ؟ أم أن الراوي بتخطيط من صاحب (البعيدون) قد تجمدت شخصيته فكرا وعاطفة وطموحا طيلة الثلاثين سنة فلم تكن له في حياته من قضية سوى البحث عن رجل [ لا أعرف عنه أكثر من ترهات عن أيامنا الطلابية البعيدة؟ ] (ص18) . فكيف تحولت (الملحمة) إلى ترهات كما اعترف بلسان بلادته ؟
وببلادته أيضا وجد نفسه لا يفكر إلا [ في ما قد يكون عليه إدريس في الجزء الثاني من الكتاب الملحمي الذي هو موجود الآن في مكان ما ] ، فلم يتردد في كتابة رسائل إلى بعض أصدقاء تلك الفترة البعيدة سائلا عن مصيره . ووحده خوصي عباد مَن أخبره أن إدريس يعمل محررا في مجلة إنجليزية تعنى بالاستشراق تصدر من لندن وتدعى (فواصل) .
بحث عن المجلة ووجد في عدد منها اسم إدريس بارزا بين أسماء المحررين . حلم [ بلقائه أشهرا طويلة] (ص18)، وأخيرا .. بدلا من الكتابة إليه قرر الطيران من مدينة طنجة حيث يعمل طبيبا للتوليد ، ليداهمه بمقر عمله في لندن .
[ لم أنس أن أبتسم لأخفي ارتباكي وأنا أحـيـيه ] (ص18) . هذا ما فعله الراوي وهو يرى إدريس في مكتبه بمجلة (فواصل) ، وكأن الابتسامة تحتاج إلى تذكر ، كأنها نظارة توضع على العينين ، أو شارب اصطناعي يلصق فوق الشفتين لأداء دور في مسرحية ، ولذا لم ينس أن يصطنعها على وجهه قبل أن يعانق إدريس .
وجده [ غير إدريس المحنط منذ أيام الأحلام الوردية] في ذاكرته . (ص19)، كان الشيب قد غطى رأسه ، وفقدت عيناه بريقهما ، ومع ذلك [ بدت على هيئته مسحة من هيبة خفية .. هيبة المثقف المتمكن ] (ص19) .. المتمكن ؟!! .. من ماذا ؟ الجواب عند صاحب (البعيدون) ، فهو الذي جعل الراوي يرى ذلك التمكن من نظرته الأولى إلى إدريس بعد فراق بينهما دام [ ثلاثين سنة وأشهرا طويلة ] .
وفي [ تلك الحانة الإنجليزية العتيقة ، تقلصت السنوات الثلاثون لتصبح ثلاث ساعات ] و [ سقط السور الزمني واختفى ] (ص19) . فإذا بإدريس يتفهَّق على تلميذه القديم مجيبا عن سؤال :
[ الزمن مجرد وهم من صنع الإنسان ، الإنسان هو الذي أبدعه ففصله إلى ساعات وأيام وسنوات وقرون .. فقبل أن يعثر الإنسان على نفسه في الأرض لم يكن هناك زمن .. إنه أكذوبة مثل أكاذيب كثيرة أصبحت حقيقة … ] (ص20) .
هذا أول كلام نطق به إدريس .. ولن نسأل هذا ( المثقف المتمكن .. العبقري .. الفنان الموهوب) :
هل كانت الكرة الأرضية متوقفة عن الدوران حول نفسها وحول الشمس قبل أن يعثر الإنسان على نفسه فيها ؟ ..
ومن أية مادة صنع الإنسان الزمن عندما عثر على نفسه فيها ؟ ..
وعلى أية صورة أبدعه ؟ ..
وكيف تحول الزمن من منتوج صناعي إلى وهم ؟ .. وإلى أكذوبة ؟ ..
وهل الأكذوبة هي الأخرى وهم ؟ ..
وإذا كانت وهما ، فكيف تحولت إلى حقيقة ؟ .
لن نسأله أيضا : هل كان العالم الفيزيائي أينشتاين يبني على الوهم نظرية النسبية العامة عندما غير مفهوم الزمن من كونه مطلقا ويسير إلى الأمام دائما ، إلى كونه نسبيا ، وجعله بعدا رابعا يُدمج مع الأبعاد الثلاثة للكون : الطول – العرض – الارتفاع ؟
لن نضايقه بتلك الأسئلة ونحن نعلم أنه دائخ بما تجرعه في تلك الحانة اللندنية .. ولن نسأل الراوي فهو قبل أن يدوخ في الحانة كان أصلا دائخا بالسذاجة وقصور التفكير والبلاهة ، فلا عجب أن نجده الآن دائخا أيضا بتفاهة ما تفوه به أستاذه [ المثقف .. المتمكن .. العبقري] ، معلقا على ما (بهر به أذنيه) بقوله : [ لم تفاجئني أفكاره ، فذاك هو إدريس كما عرفته في مدريد ، يطلق العنان لتخيلاته فيحلق في سماء لا أرض لها ] (ص20). وهو طبعا لا يقصد إهانة أستاذه بقوله عنه إنه [ يطلق العنان لتخيلاته … ] .. لن نسألهما ، كما أننا لن نسأل قراء الغفلة حتى لا نفسد عليهم انتشاءهم ودوختهم بذلك الهراء .
ولنتابع الدكـتور الراوي بعد انتقاله من الفندق ليقيم مع إدريس في شقته بلندن :
رأى كـتبا مكدسة وزربية وبابور شاي ومرآة وصورا … فعلق قائلا : [ جميل هذا الزواج بين الأنا والآخر ] (ص21) . هكذا أفرغ صاحب (البعيدون) مفهوم (الأنا والآخر) من ثنائيته الضدية ، ودسه دسا على لسان الراوي ليجعله عنوانا يختزل ما يزيد عن ثلاثين سنة قضاها إدريس في لندن ، ويمهد به لهدفه المضمر الذي سنسلط الضوء عليه في فصل لاحق .
أثارته أيضا صورة جمعت إدريس وبجانبه سيدة جميلة خالها بيلار مع ثلاثة أعضاء من فرقة البيتلز ، لكن إدريس فاجأه : [ إنها إيستر وعمر الصورة قرابة خمس سنوات ] (ص20) . – وهذا – كما أوضحنا في الفصل الذي خصصناه للزمن في (البعيدون) يعني أن الصورة التُقطت سنة 1994 ، ولا نعرف إن كانت الصورة مزحة من صاحب (البعيدون) أم هي أكذوبة من أكاذيب إدريس ، إذ كيف أمكنه العثور على أولئك الأعضاءالثلاثة مجتمعين في تلك السنة التي أشار إليها ، وقد تفرق شمل فرقة البيتلز سنة 1970 ، ولم تبق منها سوى ذكرياتها ؟ –
جذبته لوحة قديمة ، فأخبره إدريس أنها هدية من صديقة يهودية ، وبأنها للرسام اليهودي أماديو موديكليان (ص23). وهنا لم ينس .. نعم لم ينس الراوي بل تذكر أن إدريس [ كان يجهر أمام أصدقائنا الإسبان بأنه لا يفرق بين اليهودية والصهيونية، فما دامت الصهيونية تخدم اليهود ، فكل اليهود صهاينة , كان يصر على هذا الدمج مستندا إلى وقائع تاريخية وحديثة سيكولوجية وثقافية لا يمكنك سوى التسليم بنتائجها واليوم يعتز بلوحة ليهودي كما يفتخر بأنها مهداة له من صديقة يهودية ] (ص23) . ودون أن يخبر إدريسُ ضيفَه الراوي بأن الصديقة اليهودية التي أهدته لوحة موديكليان اليهودي هي نفسها إستر التي رآها في الصورة مع أعضاء فرقة البيتلز ، وبدلا من أن يكون ذلك التغيُّر الخطير في موقف إدريس من اليهود موضوعَ نقاش بينهما ، أرسل صاحبُ (البعيدون) إدريسَ إلى المطبخ لإعداد الشاي ( الشاي بعد الخمر!؟! ) ، وفضل للراوي أن يهمس بينه وبين نفسه : [ شغلني هذا (التغيير) في موقف إدريس من اليهود حتى كاد يطغى على تفكيري ، لكنني ارتأيت أن أرجئ الحديث عنه إلى وقت مناسب ] (ص24) ، وبذلك قطع صاحب (البعيدون) الشريط كعادته ، فهرَّب (الوقت المناسب) خارج زمن (الرواية) ، ودفن مناقشة (التغيير) في نسيان الراوي ، أي في لا مبالاة قراء الغفلة ، وأراح نفسه فاستراح .
أجال الراوي بصره بين محتويات غرفة النوم ، فرأى [ ألبسة نسائية داخلية على مشجب بجانب المكتبة ]. فتذكر بيلار وإذا به يشتعل شوقا لمعرفة مصير علاقة إدريس بها ، أي لمعرفة الجزء الثاني من (الملحمة) التي أبهره جزؤها الأول ، فهذه هي قضية القضايا التي تؤرق هذا الراوي الدكتور ، والتي تجشم مشقة السفر من طنجة إلى لندن للإحاطة بتفاصيلها وتطوراتها .
ولإثارة هذه القضية الهامة جدا والخطيرة جدا ، فاجأ إدريسَ بقوله :
[ أتدري أني مؤخرا شاهدت بيلار ؟ … كان ذلك منذ حوالي ثمان (كذا) سنوات … فخطر لي أن أقوم بفسحة داخل حدائق ريتيرو … أثناء سيْري في الممر المحاذي للبحيرة ، لفت انتباهي سيدة جميلة تلاعب طفلا صغيرا … من خلال حركاتها تبين لي أنها بيلار … إذا برجل يتقدم نحو الطفل الصغير ، فرفعه ووضعه فوق كتفيه وانسحبوا جميعا …] (ص24 – 25 ) ، لكنه لم يتمكن من محادثتها ( ما الذي منعه؟ وكيف به وقد دنا من بيلار بطلة الملحمة التي أبهره جزؤها الأول ، وسمع صوتها عن كثب لم يتذكر أستاذه إدريس بعد ثلاث وعشرين سنة آنذاك من فراقهما ، ولم يتشوق لمعرفة الجزء الثاني من تلك ” الملحمة ” ؟ … ) . فإذا بإدريس يخبره بأن ذلك الطفل توفي في تلك السنة ، وكانت وفاته صدمة لأمه فانفصلت عن زوجها (ص24) . وأنه كاد يقابلها حين زار مدريد قبل تلك الفاجعة ، لكن الخروف انتصر فيه على الذئب ، فرفض مقابلتها – يا لصحوة الضمير – مفضلا مغادرة مدريد ، إذ لو قابلها وهي متزوجة لجعلها تفارق زوجها ليتزوجها ، وبذلك كان سيجني على زوجها وعلى ابنها الصغير وعلى نفسه . والسبب ..؟ لأنه لا يعرف إن كان (لا) يزال يحبها … (ص28).
هنا يبدو جليا أن الدوخة التي كان عليها الراوي وإدريس وهما يتحدثان ، ليست سوى انعكاس للدوخة الكبرى التي كان عليها صاحب (البعيدون) ، وإلا : فما معنى الزيارة المفتعلة التي قام بها إدريس لمدريد تلك السنة أي بعد ثلاث وعشرين سنة من مغادرته مدريد ؟ ولماذا أغفل تلك الزيارة فلم يذكرها ولو بإشارة في (مذكراته) ؟ وما معنى قبول بيلار أن تلتقي به في بيت صديقه الإسباني ؟ وهل كانت وهي زوجة وأم مستعدة لمنحه جسدها بسهولة ؟ وكيف خطر بباله أنها بمجرد لقائهما ستفارق زوجها لتتزوجه ؟ وما معنى أن يتزوجها وهو لا يعرف إن كان (لا) يزال يحبها ؟ وهل كان يحبها أصلا ؟ فإن زعم أنه كان يحبها ، لماذا تركها معلقة وغادر مدريد ؟ .. ثم أحقا أنه أولاها ظهره حفاظا على روح مسرحية حبهما كما زعم للراوي في (ص28)؟ أم نسي أنه قد سجل على نفسه في مذكراته أن [ هوس ارتواء جديد وحده يحرك همتي ] (ص60) لأن [ مهمتي انتهت في مدريد] (ص61) كما سنرى. ولو صدقنا أنه كان يحبها .. أكان حبه لها حبَّ إنسان لإنسانة ؟ أم حب ذئب لفريسة ؟ وبما أن انتصار الخروف فيه على الذئب جعله يرفض مقابلتها ويغادر مدريد ، فمتى يا صاحب (البعيدون) تمت تلك المغادرة؟ أكانت في اليوم المحدد للقائهما كما أخبرنا في (ص27 . س4)؟ أم أنه غادر إسبانيا قبل الموعد المحدد للقائهما بيوم واحد كما أخبرنا في (ص29 س4)؟ دون أن ينتبه هو – إدريس – أو الراوي أو أحد من قراء الغفلة إلى هذا الاضطراب الذي ليس سوى انعكاس لدوخة صاحب (البعيدون) .
ثم..
وعلى غير انتظار ..
خاطب إدريس الراوي قائلا :
[ أتعرف فيم أفكر ؟… أن أهديك مذكراتي ، وستجد بها أجوبة كافية عن كل ما يراودك من أسئلة ] (ص29) .
وحين سأله الراوي :
[ لماذا تهديني مذكراتك ، لم أسمع عن أحد أهدى مذكراته لغيره؟ ] .
أجابه :
[ لن أكون صادقا مع نفسي إن قلت بأني لا أعرف السبب ، فتصرفاتي الاعتباطية واردة لكنها قليلة .. و(هذه) – يقصد هذا التصرف – ليست إحداها … ربما لأني فكرت ذات يوم في إحراقها .. قد يكون – السبب – أيضا لأني لم أجد بها شيئا ذا أهمية ] .
يبدو هذا المبرر أقرب إلى المنطق ، فهو لم يجد وعاء قمامة يلقي فيه تلك المذكرات التافهة أحسن من هذا الراوي الأكثر تفاهة منها .. لكن الذي لا علاقة له بالمنطق هو المبرر الثاني الذي قدمه للراوي في ليلة المفاجآت الغريبة تلك :
[ أتذكر صديقنا عدنان الأردني ؟ (3) ..التقيت به منذ عشر سنوات أو أكثر في الحي اللاتيني بباريس بالصدفة ، لكن الرجل بدا أشد برودة من الثلج … وودعني دون أن يبدي أية رغبة في أن نلتقي مرة ثانية … ]
فسأله الراوي :
[ وما محل هذه الواقعة من الإعراب؟ ].
وهنا يكون الاضطراب قد بلغ منتهاه في ذهن صاحب (البعيدون) وهو يُنطق بطله إدريس بالجواب التالي :
[ لأعطيك أهم أسباب إهدائك مذكراتي ] (ص31).
وإذا كان قارئ (البعيدون) يحمل في جمجمته دماغا بشريا ولم يضحك ، فحسابه على الله .
بعد تلك الليلة التي سهراها متحدثيْن عن قضية القضايا الكونية (!!) بيلار . غادر الراوي لندن ، ولم تكن تشغله سوى مذكرات إدريس المختفية داخل حقيبته ، وقد وعَده وعْدَ التلميذ السميع والمريد المطيـع لأستاذه ألا يقرأها إلا بعد مرور أسبوعين من وصوله إلى طنجة.
وكذلك كان ..
التزم الراوي بوعده المضحك – والرجل هو الكلمة – ، و [ هكذا أمضيت أسبوعين كاملين أحصي الأيام وأترقب اليوم الذي أفتض فيه ذلك الغلاف لأعانق إدريس وأجواءه الإسبانية التي كنت ذات يوم جزءً منها ].
مساء اليوم الأخير مزق الغلاف وشرع في قراءة (المذكرات) .
إلى هنا يكون الراوي خلال الفصلين الأولين قد أدى دوره ، فقدم للقراء صديقه إدريس على الصورة التي لفقها له صاحب (البعيدون) ، ثم انسحب تاركا القراء مع (مذكرات إدريس) التي استغرقت ما تبقى من الفصول عدا الفصل الأخير .

سيعود الراوي للظهور مجددا في الفصل الأخير ، وهو فصل سُوِّي على عَجَل ، بدا فيه صاحب (البعيدون) في سرعته الأخيرة منهكا لاهثا خائر القوى ؛ فبعد أن أفرغت (مذكرات) إدريس كل ما في جعبة ذاكرته ، وعجز حماره خياله عن صعود العقبة ، لم يجد أمامه للتخلص من عبء (البعيدون) سوى تلفيق هذا الفصل وجعله رأسا مقطوعا بدون رقبة ، ثم كلف الراوي بمهمة إلصاقه بجثة الرواية الغريبة عنه .
أخبرنا الراوي أنه قرأ مذكرات إدريس [ متفاعلا معها بعقله وأحاسيسه ووجدانه] ، حتى إذا فرغ منها ، وجد عقله عاجزا عن إدراك [ السؤال المحير ] الذي أخبره إدريس أنها ستثيره لديه ، فما كان منه إلا أن انهال على نفسه لوما وتقريعا : [ يا لغبائي ..! لا أدري كيف غاب عني استفساره – إدريس – في تلك الجلسة الحميمية في شقته بلندن … أكيد أنني لم أفكر بطريقة سليمة ، فعوض أن أسأله عن الشيء المحير في مذكراته ، سألته عن سبب إهدائها لي ] (ص174) . ولأن الاعتراف سيد الأدلة ، ها هو الراوي في الفصل الأخير يثبت ويؤكد أننا لم نصفه بالسذاجة والبلاهة والنسيان وضعف الشخصية ظلما وعدوانا ، إذ يعترف بلسانه أنه غبي لا يفكر بطريقة سليمة ، ولو لم يكن فعلا كذلك لانتبه إلى أن صاحبه إدريس لم يذكره إطلاقا تصريحا أو تلميحا في (مذكراته) ، ولتساءل عن سر قبول أستاذه إدريس في مجلة (فواصل) بوساطة من راهب كاتوليكي .. وعن خدماته التي أهلته لاستمرار اشتغاله في هذه المجلة التي يديرها يهودي صهيوني ؟
ولتساءل أيضا أين كانت إستر اليهودية مختفية أثناء زيارته لإدريس في لندن وإقامته معه في شقته ، ولماذا حجبها عنه ، وما سر استمرار علاقته بها وحدها دون غيرها من نساء بريطانيا طيلة ربع قرن من الزمان ؟ وهي المدة نفسها التي قضاها مشتغلا في مجلة خالها ج . كورت اليهودي الصهيوني .
لكن هذا الراوي الدكتور الذي يفكر بمُـخيْـخ عصفور لم يشغل باله بعد قراءته (المذكرات) سوى رأي ج . كورت خال إستر وموقفه من علاقتها بإدريس .. فلم يجد أمامه حلا لهذه القضية المعضلة الجديدة غير الكتابة إليه :
[ من واجبي أن أكتب ، أن أستفسره عن كل صغيرة وكبيرة عن ما وصلت إليه علاقته مع إيستر وموقف خالها جاكوب كورت من علاقتهما … وكتبتُ رسالة مطولة، دعوته فيها إلى الإشفاق على حالي بأجوبة تزيح عن صدري ثقل همومه . ويقيت أنتظر . انتظرت أشهرا ، وانتظرت أعواما ، ولا جديد . ] .. ربما لأن الحمام الزاجل الذي حمل تلك الرسالة قد تاه أو ضاع أو هلك فلم يرجع إليه بجواب ، وإلا فلماذا اختار صاحب (البعيدون) للراوي أن يكتب رسالة إلى إدريس في هذه السنة (1999) التي كان سكان العالم يتواصلون بالفاكس والإيميل والهاتف المحمول والواتساب وغيرها من وسائل الاتصال ؟
يمكننا أن نستنتج:
أن الراوي شخصية أقحمها صاحب (البعيدون) في النص .
اتخذ منه بوقا للإشادة بالبطل إدريس وتلميع صورته وتفخيمه وتضخيمه ، وأنطقه بما جعله يبدو شاهدا غير مؤهل للشهادة ، أو لنقل إنه الشاهد الذي رأى دون أن يفهم شيئا مما رآه . فكان إمعةً يفتقر إلى النباهة ويتحدث في بلاهة عما لا يتناسب فكريا وثقافيا مع ما ينبغي أن يكون عليه طالب سيصير بعد إتمام دراسته طبيبا .
.. إن هذا الراوي ليس سوى مطية ركبها صاحب (البعيدون) لتوصله إلى (مذكرات) إدريس التي سنتصفحها لتسليط الضوء على شخصية هذا البطل في الفصول اللاحقة.

هوامش:

(1) مجلة ” نزوى ” العمانية .. العدد 38 أبريل 2004 .

(2) ” البِسيطة أو البيزيتة Peseta ” ويرمز لها بـ (pts) اسم العملة المتداولة في إسبانيا قبل ” الأورو ” .

(3) في مسودة (البعيدون) كان عدنان فلسطينيا …

اترك رد