شنغهاي تستعيد نبضها والحياة تدب في شرايينها من جديد

بالواضح - وكالات

 بدأت شنغهاي تستعيد نبضها تدريجيا والحياة تدب في شرايينها من جديد بعد ثلاثة أشهر من الضوابط الصارمة المفروضة على حركة تنقل الأفراد عقب تفشي وباء “كورونا”، والتي غيرت وجه العاصمة المالية للصين، وحولتها إلى مدينة تكاد تكون أشبه بمدن أشباح.

حين تدب الحياة في شرايين مدينة كشنغهاي، المعروفة بصخبها وبكثافتها السكانية التي تقارب 30 مليون نسمة، لا يعني ذلك بالضرورة استرجاع حركة الأسواق لزحمة زبائنها ولا الشوارع لاكتظاظ المارة ولا الطرق لضجيج السيارات، بقدر ما تعني عودة الإنسان إلى حراكه اليومي، إلى ألفته مع المكان.

توالت البيانات الرسمية حول الوضع الوبائي في البلاد، حاملة معها البشائر. خلو الصين من حالات إصابة جديدة محلية المصدر لخمسة أيام متتالية. سارعت المطاعم والمقاهي والمتاجر الكبرى إلى إعادة فتح أبوابها لعلها تنقذ ما تبقى من موسم تجاري خانق، فيما شهدت حركة مرور السيارات ارتفاعا طفيفا لكنها لا تزال بعيدة عن الاختناقات المرورية المعتادة.

جادة “بوند” الشهيرة تنبض بالحياة، تعج بالزوار الذين يأتون لتأمل برج لؤلؤة الشرق الواقع في قلب المركز المالي في شنغهاي، في حين بدت عربات المترو، في فترات، شبه مزدحمة بالركاب.

على غرار مدن عديدة في جميع أنحاء الصين، اتخذت شنغهاي تدابير احترازية في مسعى لاحتواء تفشي المرض، ومنها إغلاق المدارس والجامعات والأعمال التجارية، والمؤسسات. كانت الأضرار الاقتصادية وخيمة، ولكن المدينة بدأت تتعافى تدريجيا من تدابير الحجر الصحي.

لازالت سلطات المدينة تواصل فرض الإجراءات الوقائية في المجمعات السكنية والتجارية، وتطبق نظاما صارما للتسجيل لرصد التحركات بالمدينة، بالإضافة إلى تنظيم دوريات يشرف عليها متطوعون لتنفيذ الإجراءات المشددة وإقامة نقاط دخول وخروج. أما في المؤسسات العمومية والخاصة، فقد أوصى مجلس المدينة بتجنب تجمعات الموظفين من خلال اعتماد جداول زمنية متداخلة.

يرى العديد من سكان شنغهاي أنهم محظوظون مقارنة بقاطني مدن صينية أخرى. فووهان، مركز تفشي الوباء، والمدن المجاورة لها لا تبعد بكثير عن المركز المالي والاقتصادي للصين. وقد سارعت سلطات هذه الأخيرة، منذ ظهور حالات الإصابة الأولى في البلاد، إلى إغلاق المعابر والمنافذ البرية المؤدية للمدينة. وساهمت هذه الاجراءات الوقائية في تسجيل شنغهاي لعدد ضئيل من الإصابات والوفيات بكورونا مقارنة بباقي مدن ومقاطعات البلاد.

الصينيون يميلون بطبعهم إلى الانضباط والامتثال للقيود الصارمة ولا يحيدون عنه أبدا في أعمالهم. يعتكفون في منازلهم عندما يطلب منهم ذلك. فهم لازالوا يفرضون حجرا صحيا ذاتيا رغم تخفيف السلطات تدريجيا بعض إجراءات الحجر الصحي. ارتداء الكمامات متواصل في الأماكن العامة وأضحى جزءا من الحياة اليومية للمواطن الصيني. وعدم ارتدائه في عربات المترو قد يؤدي إلى استهجان فوري. إنه سلوك ثقافي ومجتمعي وحضاري قاد الصين إلى احتواء المرض.

الأكيد أن جهود الصين في مكافحة الوباء القاتل قد أثمرت نتائج مرضية حتى الآن، ولكن التأثير الاقتصادي للقيود الصارمة على السفر والإنتاج أدى ببعض القطاعات والمهن الحرة إلى حافة الانهيار. فنادق فارغة ومراكز تجارية وترفيهية مهجورة، ووظائف مفقودة ومهن حرة لم تقو على مقاومة الصدمات.

أدى الصينيون ثمنا اقتصاديا باهظا، فتداعيات “كورونا” شملت جميع الطبقات الاجتماعية، لكن بدرجات متفاوتة، وخاصة الأسر ذات الدخل المحدود، والعمالة المؤقتة التي توقفت أجورها بفعل تعليق أنشطة الانتاج.

توقع تقرير اقتصادي حديث أن تصل القيمة الإجمالية للأجور المفقودة للعمالة الصينية في يناير وفبراير الماضيين، جراء التدابير الإحترازية، إلى 800 مليار يوان (حوالي 114 مليار دولار)، وقد يصل هذا الرقم، في حال إدراج أصحاب المهن الحرة، إلى 1.5 تريليون يوان (214 مليار دولار)، وهو ما يمثل 3 إلى 4 في المائة من حجم الدخل المعيشي للأسر.

لقد رسمت البيانات الاقتصادية الرسمية الصادرة بداية الأسبوع الحالي، صورة قاتمة عن الوضع الاقتصادي في البلاد جراء تداعيات تفشي الفيروس، حيث تراجع الإنتاج الصناعي بأكبر وتيرة له في ثلاثة عقود في أول شهرين من العام بنسبة 13.5 في المائة، فيما انخفضت مبيعات التجزئة بواقع 20.5 في المائة عن العام السابق.

تكاد الابتسامة تغيب عن محيا الصينيين ولاسيما المسنين منهم، فقد أنهكم التعب ونال منهم العياء وثقلت خطواتهم جراء أشهر من الاعتكاف في المنازل امتثالا لضوابط الحجر الصحي. لكنهم لا يشتكون. ومن يرصد تعابير ملامحهم يدرك عمق الانتماء لديهم والاعتزاز بهويتهم.

اترك رد