ضبابية التوحيد القديم وصفائيته في الإسلام

بالواضح – عبدالحي كريط

أول ما يلفت نظر الباحث المتفهم والموضوعي للاسلام أنه دين توحيد، وقد يستغرب أحدنا اذا سمع أن التوحيد الذي جاء به الاسلام ليس التوحيد الذي يذكر عند الامم والحضارات القديمة منذ فجر التاريخ الى بزوغ نور الاسلام واشراقه على العالم.

فالشعوب التي انتسبت الى التوحيد قبل الاسلام فهمت التوحيد فهما جزئيا ناقصا، لما اكتفت منه ان الله واحد بالعدد، ولاشك أن الوحدانية بالعدد جانب مهم من جوانب التوحيد ولكنها ليست التوحيد كله من أجل ذلك، يجب علينا ألا نعجب اذا علمنا من التاريخ نفسه ومن شواهده، ان اتباع الديانات التوحيدية قبل الاسلام لم يكونوا موحدين أصلا وان التوحيد القديم لم يعش مدة طويلة لأنه لم يكن توحيدا صحيحا على اسس متينة او واضحة لاسباب سياسية وثقافية.

وهذا ماسنحاول تناوله في هذا المقال من خلال مقارنة تاريخية بين التوحيد عند المصرييين الاقدمين مرورا باليهود وانتهاءا بالاسلام.

التوحيد عند  قدماء المصريين أمحونتب

لعل من اقدم ماحفظه لنا التاريخ من اخبار التوحيد الحركة التي قام بها فرعون مصر أمحونتب الرابع الذي جاء الى عرش مصر نحو عام 1375 قبل الميلاد ولقد كان أمحونتب هذا من أقدم الموحدين أو أقدم من دعا الى مفهوم التوحيد على الاصح حسب الدراسات والبحوث التاريخية ولكن توحيده كان بعيدا جدا عن التوحيد الذي جاء به الاسلام في عدة أمور منها

لقد كان عمل أمحونتب عملا سياسيا في الدرجة الاولى حيث رفض أمحونتب عبادة امون اله طيبة في مصر العليا واعتاض عنها بعبادة اتون اله الشمس ثم اتخد عاصمة في مصر الوسطى سماها آخيت اتون وهي المعروفة اليوم باسم تل العمارنة وغير أمحونتب اسمه الى اخناتون.

لما دعا أخناتون الى عبادة آتون كان كل مافعله انه اختار الها قديما من آلهة المصريين القدماء وفرض على الشعب عبادته من جديد وهذا يدل على أن أخناتون قد أقر بوجود آلهة متعددة ولكنه تعبد لواحد منها فقط فبقي بهذا المعنى وثنيا.

جعل أخناتون قرص الشمس رمزا للاله اتون وكان اذا دخل الهيكل للعبادة قدم للاله آتون الطعام والشراب ويسكب عليه العطور ويحرق له البخور وهذا كله سلوك وثني في العبادة

 عبدالحي كريط: كاتب وباحث مستقل

التوحيد عند اليهود

الكثير من المؤرخين الغربيين يزعمون أن اليهود جاؤوا بالتوحيد، لاشك أن اليهود كانوا موحدين أكثر من السومريين والبابليين والحثيين والفينقيين, ولكن توحيدهم كان متأثرا بتوحيد أخناتون تأثرا عظيما

ويخبرنا القران الكريم أن الله أوحى الى كليمه موسى عليه السلام  بالتوحيد ولكن قومه اليهود لم يستطيعوا ان يكونوا موحدين توحيدا صحيحا وذلك لعدة اسباب منها

إن اليهود ظلوا يرون الاههم الها قوميا فهو عندهم اله اسرائيل وقد جاء هذا التعبير اله اسرائيل سبعا وعشرين مرة في التوراة مثلا في سفر الملوك الاول  الايات 15 17 22 25 ووقف سليمان امام مذبح الرب وقال ايها الرب اله اسرائيل ليس اله مثلك في السماء من فوق ولاعلى الارض من اسفل والان ايها الرب اله اسرائيل احفظ لعبدك داوود ابي ماكلمته به والان يااله اسرائيل فلتحقق كلامك.

ان اله اليهود ظل عندهم واحدا من الالهة ولكنه أكبر منها كلها جاء في التثنية الايات  10 و 17 لان الرب الهكم هو اله الالهة ورب الارباب الاله العظيم الجبار المهيب.

وفي سفر الخروج الاية  11 و 18 الان علمت ان الرب الهكم أعظم من جميع الالهة

من مثلك بين الالهة يارب سفر الخروج 15 11

فمثل هذه التعابير الكثيرة الورود وفي صيغ متعددة بالعهد القديم وبمختلف أسفاره يدل على أن اليهود يرون الههم واحدا من الالهة القديمة.

رجوع اليهود الى عبادة العجل بعد ان جاءهم نبي الله موسى بالتوحيد أمر مشهور في التوراة والقران وهو يدل على ان اليهود لم يفهموا التوحيد فهم صحيحا.

كان اليهود يقربون القرابين والذبائح للالههم ويعودون له ثم يخرجون الى العراء ليروه , ثم ان الملك وجميع اسرائيل معه ذبحوا ذبائح أمام الرب في ذلك اليوم قدس الملك وسط الدار التي أمام بيت الرب لانه قرب هناك المحروقات والتقدمات وشحم ذبائح السلامة وحيد سليمان العيد في ذلك الوقت وجميع اسرائيل معه سفر الملوك  الاول 8

ثم صعد موسى وهارون وناداب وابيهو وسبعون من شيوخ اسرائيل ورأو اله اسرائيل تحت رجليه شبه صنعة من العقيق الازرق الشفاف ولكنه لم يمد يده الى اشراف بني اسرائيل فرأوا الله وأكلوا وشربوا سفر الخروج 9 11

التوحيد في الاسلام 

الاسلام نظر الى ا لتوحيد نظرة أعمق واوضح واشمل فالتوحيد هو روح الاسلام و  لقد اقام   التوحيد على الوحدانية في العدد وعلى تنزيه الله عن صفات البشر مصداقا لقوله تعالى ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير  الشورى)) الاية 11

فالله في الاسلام ليس اله مخصوص للعرب ولا اله قريش ولا اله مكة ولاهو اله من الالهة ولكنه الله الذي لااله الا غيره  ثم ان الله في الاسلام منزه عن جميع صفات البشر فالاسلام نزه الله عن صفات المخلوقين ثم جعل تشبه الله بالناس كفرا.

وقد تمثل التوحيد في الاسلام من خلال سورة الاخلاص وهي تماثل ربع القران الكريم بالرغم من انها من الصور القصيرة في القرآن , ولاريب في أن العرب وغير العرب من الذين دخلوا في الاسلام قد سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله وصفته من أجل هؤلاء نزلت الاية الكريمة في سورة النور  الاية 35(( الله نور السماوات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كانها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة لاشرقية ولاغربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم)). 

فالوحدانية بالعدد وحدها اذن غير كافية لتمثيل التوحيد بل لابد من تنزيه الله عن صفات البشر حتى يكون التوحيد تاما ومكتملا مثل البدر  عكس الديانات  التوحيدية قبل الاسلام التي ترتكز حول تضمين صفات البشر على صفات الله  يقول احمد بن علي المصري  المتوفى  845 ه في كتابه الخطاط  الجزء الثاني ص 356 ((من أمعن النظر في دواوين الحديث النبوية ووقف عن الاثار السلفية علم أنه لم يرد قط عن طريق صحيح ولاسقيم عن أحد من الصحابة على أختلاف طبقاتهم وكثرة عددهم أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم  عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه نفسه في القرآن الكريم وعلى لسان النبي صلى الله عليه وسلم بل كلهم فهموا معنى ذلك ومكثوا عن الكلام في الصفات الازلية من العلم والقدرة والحياة والارادة والسمع والكلام والجلال والاكرام والوجود والانعام والعزة والعظمة.))

اما الشعوب التي تعجز فطرتها وايمانها وخيالها عن ادراك كنه الالوهية مجردة من الصور الحسية والمادية فليست موحدة ولو كانت تدعي أنها تنظر الى الله أنه واحد بالعدد مثل مفهوم الاقانيم في المسيحية وهذا الموضوع سنفرد له مقالا مستقلا في وقت لاحق , فاءذا قبلنا هذه الدعوة أصبحت جميع الامم موحدة حتى اليونان القدماء الذين ملئوا معابدهم وهياكلهم بمئات الالهة , فأبولو ونبتون لم يكونا عند اليونانيين القدماء الهين مساويين في القوة ولكنها كانت في الحقيقة تمثيلين لمظهرين معينين من مظاهر الالوهية ومثل ذلك يمكن أن يقال في سائر آلهة اليونان وفي آلهة سائر الامم فالهنود مثلا يرون أن الله له ثلاث صفات يسمونها براهما ( الخالق ) وفشنا ( الحافظ ) وسيفا ( المهلك) وهذه الصفات الثلاثة لايمكن أن تنفصل أو تتفكك بل تظل دائما موحدة والهنود يصورون الههم أنسانا له جسد واحد وثلاث رؤوس وهذا يحيلنا الى مفهوم التجسيم الذي تأثرت به  بعض الفرق الاسلامية.

أما اتباع الاديان الابراهيمية قبل الاسلام قفد جاءت بنوع من التوفيق لم تستطيع أن تحمل الناس على التوحيد ذلك لانهم يفرغون آلهتم في قوالب بشرية وينسبون اليها عواطف وحاجات بشرية محضة , عكس الاسلام الذي استطاع أن يجمع الناس من مختلف الاجناس والثقافات على التوحيد نظريا وعمليا فهو ارقى أنواع التوحيد واوضحها فهما ومنطقا وصفاءا.

 المصادر:

– القران الكريم

– أسفار العهد القديم سفر الملوك سفر الخروج سفر التثنية

– تفسير الصابوني  

– التوحيد في مصر القديمة وفي الهند والصين وايران السيد نصار منشاة المعارف الطبعة الاولى

– قدماء المصريين أول الموحدين نديم نصار

– موسى والتوحيد سيغموند فرويد ترجمة جورج طرابيشي الطبعة الربعة

– موسوعة الاديان  اعداد مهدي حسين البصري الطبعة الاولى

– الخطاط أحمد بن علي المصري الطبعة الثانية

– مقارنة الاديان محمد احمد الخطيب

تعليق 1
  1. امين خرازي اليوسفية الرباط يقول

    مقال في المستوى جميل جدا شكرا للكاتب على هذا التحليل التاريخي والمقارنة بين الكت

اترك رد