مابعد “صيحة” المراجعات السلفية في المغرب، محاولة لاستكمال الحوار

بقلم: نعيم بوسلهام

بعد تعثر أغلب المبادرات السياسية والحقوقية التي توالت منذ ما ينيف عن عقد من الزمن تقريبا، والتي حاولت تلمس المقاربات والبحث عن مخارج توافقية للملف السلفي في المغرب أو ماعرف بمشاريع التسويات لملف السلفية الجهادية الذي انفجر بعد أحداث 16 ماي 2003، مع أولى المحطات التي تجسدت من خلال تأسيس جمعية “النصير” المستقلة، وتأسيس لجنة للدفاع عن حسن الكتاني من قبل الراحل عبد الكريم الخطيب وأصدقائه، وبعدها تأسيس “منتدى الكرامة” الذي أصبح ملحقة حقوقية تابعة لحزب العدالة والتنمية. وما تلى ذلك من تأسيس مايسمى ب “اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين” وصولا إلى مايعرف ب “تنسيقية المعتقلين الإسلاميين السابقين من أجل الإدماج والإنصاف”

على صعيد آخر، عاين كل متتبع راصد لمسار مشروع “المراجعات” السلفية في المغرب بشقيها النظري والسلوكي، أنه على الرغم من بروز آثارها العملية لدى بعض “مشايخ” السلفية تنظيرا وممارسة، فإنها لم تستطع بعد تغيير طبيعة العلاقة المعقدة بين الدولة المغربية والسلفية الحركية، أو حسب رأي البعض لم تغري الجهات الرسمية بالتجاوب معها، وكأن النظام المغربي يستمرىء حالة المواجهة المحدودة التي يريدها على هذا الشكل وبهذا الحجم، حتى يتسنى له ضبط حساباته بشكل كاف وعملي، ويسير باتجاه فرض رؤيته للواقع التي غالبا ما يحكمها المنطق الأمني على أساس الضبط والمراقبة بغية تجنب المفاجآت أو بالأحرى لأن له فيها مآرب أخرى.. وهذا الأمر ظهر واضحا وجليا فيما سمي “مشروع المصالحة” الذي طرحته الدولة المغربية عبر مؤسساتها بشكل متعسف، دون أي اكتراث بخصوص المخارج العملية لتسوية ملفهم الحقوقي، في أفق تفعيل ما قد نصطلح عليه بـ”الإدماج الآمن” .

ويبذو ظاهريا أن إخراج مشروع المصالحة هو بمثابة تجاوب للسلطة في المغرب مع الأصوات التي ذهبت في اتجاه أنه ينبغي على الدولة المغربية أن تقوم بالتعاطي السياسي مع خطوة المراجعات ولا تكتفي بالتعاطي الأمني وحده، لكن إذا تاملنا في مشروع مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف الذي انخرط فيه المغرب منذ مدة بل ويعتبر من الدول الرائدة فيه، مما يؤشر على أن السلفيين المغاربة يدخلون كحسابات مضمرة في سياسة الدولة، باعتبار أن تحديد طبيعة العلاقة بين النظام والسلفيين تتحكم فيها عدة مؤشرات، منها ما يتعلق بالتوازنات السياسية القائمة في البلاد، ومنها ما يرتبط بالوضع الإقليمي والدولي على وجه الخصوص، حيث أصبح المغرب يقطف ثمار هذا الإنخراط المبكر في محاربة الإرهاب بنيله إشادة دولية باعتباره رائدا في هذا المجال، وبالتالي تحول الإرهاب بالنسبة ل”كواليس الحكم” في المغرب من نقمة إلى نعمة أو بالتعبير الشائع الدجاجة التي تبيض ذهبا.

وهذا مايفسر ركون الجهات الرسمية في المغرب إلى التأني وعدم العجلة حيال إغلاق هذا الملف الشائك والملتبس، حيث بدا من الواضح عدم تجاوب الدولة والأجهزة الرسمية مع تلك المراجعات حتى وإن وصلت إلى حد ما سماه البعض تراجعات وفي بعض الحالات وصل الأمر إلى حد النقيض، حين جهر البعض ممن كان يحسب على التيار السلفي بالإلحاد أو كاد، ذلك أنه منذ مراجعة أبي حفص (عبد الوهاب رفيقي) في وثيقة “أنصفونا”، إلى مراجعة حسن الخطاب “المصالحة الوطنية هي طريق المواطنة” وأيضا ماسمي “مشروع المناصحة والمصالحة” وعلي العلام “لا تجهضوا المراجعات الفكرية” إلى مقالات الشيخ محمد الفيزازي، ورأيه في الدستور وإمارة المؤمنين في المغرب، واختياره العمل من داخل المؤسسات، إلى بيانات وحوارات حسن الكتاني الداعية للسلم الاجتماعي والاعتراف بالملكية، وصولا الى انقلاب أبي حفص جملة وتفصيلا على المنهج والخطاب السلفيين،حيث يمكن اعتبارها أهم وثائق المراجعات الفكرية لرموز السلفية الجهادية من داخل السجن، على الرغم من كون البعض اعتبرها آنذاك، تكتيكا تفرضه طبيعة المرحلة و رغبة في معانقة الحرية فيما اعتبره آخرون نضجا و تصالحا مع الدولة والمجتمع، ومع ذلك واصلت الدولة تعاطيها مع هذه الجماعات بالقبضة الأمنية متكأة على سياسة تجفيف المنابع وكل أنواع الإقصاء السياسي والإقتصادي وحتى الإجتماعي، مع ترك المبادرة لبعض الفاعلين السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، لجس نبض تيار المراجعات بغية إيراد وطرح مجموعة من الخيارات الممكنة ومحاولة مقارنتها وموازنتها مع الأجندات العالمية أي مع ما هو مطلوب دوليا.

هذا النزوع البراغماتي من قبل الدولة المغربية بدا جليا أيضا، حين سوق المغرب مشروعه “التفكيكي” الذي انبرت له “الرابطة المحمدية للعلماء” فيما عرف ب ” سلسلة جديدة من دفاتر تفكيك خطاب التطرف” بغية مواجهة التطرف العنيف، هذه المواجهة ارتكزت على محورين اثنين: المحور الأول يتعلق بمحاولة خلخلة مايسمي ب “أزمة النص” عبر الإستنجاد بتأويلات فقهية (معتدلة ـ وسطية) لتدشين حوارها مع المخالف في محاولة لما تعتبره أملا في توبة الجهاديين السابقين وإنقاذا للشباب المغربي من السقوط في مهاوي الغلو والتطرف، ومحور آخر يستند إلى القراءات السيكوسيولوجية للظاهرة والتي تكفل بها الخبير المغربي مصطفى الرزرازي الذي حاول تفكيك ظاهرة «الارهاب»، من منطلق الدراسات الفيمونولوجية، متكئا على الخلفيات الدينية والسياسية والاجتماعية لبيئات التطرف.. الأهم من ذلك كله هو استغلال قدرة الرزرازي على تسويق خطاب التفكيك هذا خارجيا والترويج له في المنتديات العالمية، حيث بالإضافة إلى نشره عددا كبيرا من الدراسات حول التطرف والإرهاب بعدة لغات، فقد كان ضيفا ذات مرة على مجلس العموم البريطاني، حيث قدم كتابه الصادر في لندن باللغة الإنكليزية المعنون ب “حرب المغرب حول الإرهاب: دروس في التعاون الأمني”.

اترك رد