الخلاف المغربي السعودي ومسألة الشرعية

بقلم: د. المصطفى كرين 

بعيدا عن محاولات التوفيق التي قد يريد البعض ، سواء عن حسن نية أو حفاظا على مصالح معينة ، خوضها لإصلاح ذات البين بين المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية ، فإن الموضوعية تقتضي منا الإعتراف بأن الخلاف بين المغرب والسعودية ليس خلافا عابرا ، بل هو خلاف بنيوي عميق جدا وضارب في أعماق التاريخ ، رغم الهدنة التي فرضتها ظروف تاريخية وسياسية واقتصادية كانت سارية لحد الآن ولكنها انتهت اليوم .

إن أمر الخلاف المغربي-السعودي يتعلق بمسألة جوهرية جدا وهي مسألة الشرعية ، شرعية الدولة القائمة على الدين الإسلامي المبني على المرجعية السنية ، خلاف نابع من منظورين مختلفين إلى حد التناقض ، وهذا المفهوم هو ما أسميه شخصيا “الثنائية القطبية للعالم السني ” والتي كانت قائمة لحد الآن بين منظور منفتح مغربي هنا ومنظور متزمت سعودي هناك .

إن عمق الخلاف يعود إلى زمن الأدارسة والعباسيين، فمنذ ذلك الحين وبينما انبنت حضارة المشرق على البشاعة والدم والتنكيل والقتل والإكراه الذي تشهد عليه كل كتب التاريخ ، انبتت حضارة الغرب الإسلامي هنا على ميثاق البيعة الطوعية الرضائية وعلى التوافق السياسي وعلى العقل والجمال والتصوف السني . والذي كان عماد حضارة الأندلس التي أعتبرها شخصيا سنام الحضارة الإنسانية بكل أبعادها ،وليست قرطبة التي شكلت أروع نموذج للتعايش بين مختلف الأديان سوى واحداً من تلك الأبعاد . ويستمر هذا الأمر في زمننا الحاضر ، فبينما اختار المغرب ، منهجا منفتحا في تعاطيه مع التدين بمختلف أشكاله ومرجعياته ، اختارت السعودية منهجا متزمتا منغلقا وإقصائيا كان وبالا على العالم .

واليوم حين قررت السعودية ، في بضعة أشهر ، القفز في الهواء ومحاولة تعديل بنيتها الفكرية والمؤسساتية والارتقاء بنظرتها للتدين ، وقررت تجريب الانفتاح والتسامح الديني وجدت أن هذه المساحة يملأها المغرب الذي بناها خلال أربعة عشر قرنا، بل قام بتحصينها من خلال اجتهاد عبقري يتعلق بإمارة المؤمنين وهو ما جعله نموذجا عالميا في هذا المجال مما يحتم عليها الإقرار بريادة المغرب للعالم الإسلامي السني من الآن فصاعدا . وحيث أن السعودية التي زجت من جهة بعلماء التطرف والكراهية الذين كانت تقيم عليهم شرعيتها ، كما زجت بمعارضيها ، في السجون عوض خوض عمليات مراجعة فكرية متأنية وحكيمة لضمان تحول هاديء وفعال نحو مجتمع حر ومتسامح ، وهو ما أدى لقطع حبل الوصال والمودة معهم بلا رجعة ، كما أدركت من جهة أخرى أن ما تطمح إليه قد استطاع النموذج المغربي أن يتجاوزها فيه بمئات بل بآلاف السنين عبر تثبيت روح الانفتاح والتعايش والتوفيق بين المسؤولية الروحية والمسؤولية الدنيوية في النظام السياسي، حينها عرفت السعودية أنها أصبحت نظاما سياسيا شبه لقيط في التاريخ بشكل عام والتاريخ الإسلامي بشكل خاص، لأنه أصبح بدون شرعية ولا مشروعية ولا مرجعية، فلا هي تشبثت بنموذجها الذي انتهت مدة صلاحيته على كل حال ، ولا هي تستطيع إدعاء تأسيس نموذج يملك المغرب براءة اختراعه ومفاتيح تشغيله، ولهذا أصيبت بحالة هلع وانفصام ستؤدي حتما إلى نهايتها ، لأن مرجعيتها بالنسبة للعالم الإسلامي السني أصبحت لاغية ، وخصوصا بعد انتهاء الحاجة إليها في النظام العالمي الجديد . السعودية إذا ذاهبة نحو الإضمحلال حتما .

بقي أن أوجه تنبيها متواضعا لبعض من لازال يدور في فلكها ، أفرادا ومؤسسات ودولا، سواء بإرادته أو تحت الإجبار أو الحاجة، أن يفك ارتباطه بهذه الأخيرة لتفادي الانهيار معها، وأن يعمل على التقرب من النموذج الوحيد الذي يشكل معبره نحو الاندماج في سيرورة وصيرورة عالم الغد، النموذج المغربي.

اترك رد