الدلالات السياسية للتوحيد والاصلاح في عدم التصويت لبنكيران

بالواضح – سعد ناصر

 عند الوهلة الأولى، يتساءل البعض، كيف برجل من طينة عبدالإله بن كيران الذي يتمتع بشعبية منقطعة النظير لدى عدد كبير من أعضاء حركة التوحيد والإصلاح، وهو لم يتمكن من حصد أصوات “تحفظ ماء وجهه”، بل وتذيل ترتيب الأسماء الخمسة التي وصلت إلى المرحلة النهائية من التصويت التي توج على إثرها عبدالرحيم شيخي رئيسا للحركة لولاية ثانية على التوالي.

لكن عند قراءة لغة الأرقام والتصويت، فإن الترتيب الأخير لابن كيران لدى حركته الأم التي تجشمت عناء تكوينه تربويا وسياسيا، لم يكن برئيا، بل كان ذا حمولة سياسية عميقة.

فحركة التوحيد والإصلاح التي تعتمد التمايز وليس الفصل بين ما هو سياسي ودعوي، كتجربة توافق إسلامي غير مسبوق عربيا أو ما يسمى الإسلام السياسي، قررت الإحتفاظ بأحد أكثر أبنائها نجاحا في الحقل السياسي، وعيا منها بأن بنكيران، ثروة سياسية لا يمكن تضييعها أو إخمادها وطمسها، بحصر اشتغاله في السياسة، التي يتقنها، في ملعب الحركة الضيق الذي لا يُسمح له فيها بالتدخل إلا في شؤون عامة.

حركة التوحيد والإصلاح الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، لازالت إذن مقتنعة بأن الحزب بحاجة إلى خدمات بنكيران ونضالاته السياسية، لاسيما بالنظر إلى الخسائر الثقيلة التي جناها حزب الخطيب من جراء عدد من المراحل السياسية العصيبة التي مرت على المصباح، ابتداء بـ”البلوكاج” السياسي، مرورا بموجات الحراك والاحتقان الاجتماعي، ووصولا بحملات المقاطعة من جراء ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية.

حركة التوحيد والإصلاح التي تشتغل بنفَس سياسي عميق، وبلغة الصمت والحكمة التي تتقنها أكثر من غيرها، أرسلت بذلك إشارات سياسية إلى الأحزاب والتي مفادها بأن احتمال عودة بنكيران إلى ميدان التباري لازال قائما، وهذا ما يزكيه بنكيران نفسه، خاصة بعدما رفض عودة التخندق في صفوف حركة التوحيد والاصلاح، لاسيما عندما امتنع عن الادلاء بأي تصريح للصحافة لحظة دخوله الجلسة الافتتاحية لمؤتمرها الوطني الأخير، هذا فضلا عن تصريحاته السابقة التي أكد من خلالها على أن الشعب لو أراده فإنه سيعود ولو من القبر.

بنكيران يرفض بدوره إذن التقاعد السياسي وعيا منه بأن الجلوس على كرسي قيادة الحركة، هو بحد ذاته نهاية لمساره السياسي على الأقل في الوقت الراهن.

بنكيران يعي جيدا بأن الحركة والحزب معا على قلب رجل واحد، وعلى وعي راسخ بضرورة فتح المجال أمامه من أجل العودة إلى قيادة الحزب بعد مرحلة العثماني، بغية استرجاع وهج الحزب المفقود الذي لم يظهر لحد الآن من هو الأكفأ والأقدر على ركوب هذا التحدي غيره.

 

اترك رد