الريسوني والتجديد والزوابع

بقلم:  د. عبد الله الجباري

ألقى أستاذنا العلامة الشريف أحمد الريسوني عرضا في ندوة حول التراث. وقال كما نقلت عنه وسائل الإعلام إن 90 بالمائة من التراث يحتاج إلى تجديد. ومنه تراث الأصلين: أصول الفقه وأصول الدين.
لم يكن هذا الكلام ليمر دون إحداث زوابع في صفوف عبيد الباراديغمات المحنطة الرافضين لأي جديد أو تجديد.
فادعى أحدهم – في سياق ذم الريسوني- أنه من رواد الحداثة وليس ممن يقاومها. وهذا مدح وليس ذما. فالرجل يمارس الفقه أو يعمل على تفقيه الممارسة اليومية بعقل حديث وليس بعقل أبناء القرن السادس والتاسع.
أما أحد أتباع حزب التحرير. فاستورد لسان الحطيئة وقاء ما في جوفه. فجعل العالم المحاضر من السفهاء الذين أجرموا في حق الأمة والذين سووا بين الإسلام والأديان باسم المصلحة. هكذا بجرة قلم. صار الريسوني مُسوّيا بين الأديان. وغداً. سيقولون إنه عضو في الماسونية العالمية. وسبحان قاسم العقول.
أما أحد مريدي المغراوي المراكشي جسداً السعوديِّ عقلاً. فحشر الريسوني ضمن عملاء بريطانيا التي نصبته رئيسا لاتحاد العملاء. هكذا القوم يفجرون في الخصومة.
ولكن الله سلم. فحمدتُ الله تعالى أن صنّفه عميلا لبريطانيا ولم يجعله عميلا للسعودية. فهذا إكرام غير مقصود منه وإنعام.

وكتبت الصحفية آيات عرابي عن (الضال) الريسوني الذي يدعو إلى تجديد 90 بالمائة من الفقه، ووصفته بالأراجوز والمهرج ، وأنه والغنوشي و(ابن العلقمي) أردوغان يخدعون الناس بما يسمى (الإسلام المقاصدي)، ويلتقون مع طرح عبد الفتاح السيسي، لأن مشَغّل هؤلاء الأفاعي واحد، يمهدون لمرحلة علمنة الإسلام التي كتب عنها دينيس روس.
هذه عينة من مهاترات وسائط التواصل الاجتماعي. مع العلم أن الريسوني عالم، وكان حريا بالعلماء أن يعلقوا وأن يكتبوا، لكن جفَّ قلمهم، فتركوا الساحة للرعاع.
وبما أنني درست عند الشريف الريسوني. تعلمت منه قاعدة مقاصدية. وهي أن المفسدة المحضة غير موجودة. فشرعت في البحث عن شريط الريسوني طلبا للسند العالي. فكانت مفسدة التوقح والتهجم عليه سببا للتعرف على الشريط. وهذه مصلحة تستبطن مصالح. منها النهل من علم الرجل. واستمرار التتلمذ له والاستمداد منه، وربط الصلة به، وتوثيقها
أما تجديد التسعين بالمائة فلا أجدني إلا موافقا له.
أستغفر الله. كيف أوافقه. وهل يحتاج الأستاذ إلى موافقة تلميذ؟
شخصيا. لو كنت حُروفِياً جُمُودِيّاً كالمغراويين ومن على شاكلتهم. لعارضتُ الرجل في نسبة التسعين. ولحاججته بمنطق الإحصاء والعينة والحصيص وكيف اختار العينة ليستخرج النسبة.
والحمد لله أنني لست ممن يسكن مراكش واليوسفية والشماعية بعقول مستوردة من القصيم والدرعية والعيينة. لذا لن أناقش الأمر من هذه الزاوية.
فما المقصود بالتسعين؟
المقصود هو أن نسبة كبيرة من التراث تحتاج إلى تجديد.
والرجل مصيب في الأمر. وتراثنا محتاج جدا جدا إلى ذلك التجديد.
مثلا. في أصول الدين:
وجوب النظر من عدمه في العقيدة.
هل الأسماء عين الصفات أم زائدة على العين.
الملائكة لا تدخل الجنة
النساء لا يرون الله تعالى في الجنة
الجن لا يدخلون الجنة
التعلق الصلوحي والتعلق التنجيزي
تقسيم التوحيد إلى ربوبية وألوهية
إخراج التوسل من مباحث العقيدة وإرجاعه إلى مبحث الفقه وهو مبحثه الأصلي
كل هذا وغيره محتاج إلى تجديد
وفي أصول الفقه
هل نقبل المصادر المختلف حولها أم نرفضها
حجية الإجماع. وكيف نطبقه في عصرنا.
وكيف نقول بحجيته وعلماء مالي لا يعرفون علماء أفغانستان. وعلماء إندونيسيا لا يعرفون علماء نيجيريا. فكيف يعرفون أقوالهم؟ وكيف يحكون حولها الإجماع أو خلافه؟
كل هذا وغيره يحتاج إلى تجديد.
وفي الفقه
حدِّث عن التجديد ولا حرج
التيمم من تراب ولا يجوز بغيره
صلاة الفريضة تبطل طهارة التيمم
وجوب التيمم بعد دخول الوقت
الدلك في الغسل
المسح على الجبيرة
عدم التيمم بعذر السفر
84 كلم مسافة القصر
عدم صلاة أهل الفضل على العصاة
وجوب القصر ولو خلف مؤتم مقيم
وجوب الوتر
صلاة الجنازة بدون فاتحة
التسليمة الواحدة
التركيز والتشديد على السدل في الصلاة

كراهة الاستعاذة والبسملة في صلاة الفريضة
وجوب إخراج زكاة الفطر عينا
عدم وجوب زكاة التجارة وزكوات أخرى
تعدد المطالع
كراهة صيام ست من شوال
قبول إمارة المتغلب ولو كان فاسقا وغير عادل
عدم إثبات نسب ولد الزنا
عدم توريثه
الغراوان
المشتركة
عدم توريث ذوي الأرحام
عدم قتل المسلم بكافر
اعتبار الحلف بالطلاق تطليقا
الطلاق المعلق
كراهة غسل اليدين قبل الأكل
تحريم شد الرحال إلى زيارة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بدعية إرسال التحية والسلام إلى حضرته النبوية.
هذه أقوال فقهية وغيرها كثير كثير، لا يحتاج الفقه إلى التجديد إلا بإزالتها وإلغائها وإهمالها وإقبارها وألا تُذكَر إلا على سبيل الحكاية المصحوبة بالإبطال.
كما أن من التجديد إضافة أحكام فقهية جديدة بعد حذف الأخرى
مثل
وجوب مراقبة المال العام
تحريم الجمع بين الإمارة والتجارة
وجوب تحديد مدة ممارسة الحكم والسلطة في أعلى هرم الدُّوَل
وجوب كفالة المجتمع للشيوخ الضعفة وذوي الاحتياجات الخاصة
تحريم التطبيع مع الكيان الصهيوني ووجوب دعم مناوئيه وأعدائه
هذه نماذج فقط.
فبالإلغاء والإضافة المذكورين. وبتعديل وتقويم ما يحتاج إلى تعديل. نكون ممارسين للتجديد. تجديد التراث.
وبهذا المنطق قد نصل إلى إحداث ثورة وقد نصل إلى التسعين بالمائة التي قالها العلامة الشريف الريسوني بارك الله فيه.

اترك رد