الفكر المادي وقضية الاسراء والمعراج. الانجري نموذجا (الجزء الأول)

بقلم: جلال مودن

ما هذا يا صديقي و أنت الرجل الصوفي الذي ينبغي أن يستحضر نور البصيرة في كل ما يقول و يرى و يسمع ،لماذا هذا التحامل على النصوص كي توافق العلم الحديث حينا و حقوق النساء حينا لماذا هذا البحث المستميت لإيجاد المخارج و التأويلات؟؟؟؟؟؟ لا شك أنك تعمل بحسن نية و أنت تنافح عن الشرع الحكيم و تحاول تقريب وجهات النظر و الكشف عن مواطن الخلل ،لكن هذا الطريق يفقد الدين قيمته و نوره و بهاءه و استقلاله،فلم يأت لموافقة الأهواء و المذاهب و الافكار، و إنما جاء لأخراج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد .
و لعل مرد هذا الامر الذي لمسته في كلام الكثير من الفقهاء و الأطباء الذين تحاورت معهم هو طغيان الفكر المادي النيوتوني الديكارتي على معظم المجالات المعرفية ردحا من الزمن مما جعل الكثير ينجر وراءه دون شعور، ظنا منهم أنه هو العلم الصحيح ،و لهذا لابد من بيان مفهوم العلم عند الغرب و مفهوم الانسان .
_العلم عند الغرب مرادف لأمرين :المادة و التجربة .فكل ما ليس ماديا ليس علميا، كل ما لا يمكن تجربته ليس علميا .
“الوجود مادي في طبيعته و لا شيء في الوجود لغير المادة،فما ليس ماديا فهو غير موجود، أي مبحث علمي لابد أن يلتزم بالتفسير المادي و إلا عد مبحثا غيبيا غير علمي إذ المادية مرادفة للتفكير العلمي”.
و هذا يحيلنا إلى إنكار الغيبيات مطلقا أو بعضها كما وقع للمدعو أو حفص أو محاولة التفسير المادي لها، و هذا مستحيل إذ كيف يمكن إخضاع اللامعقول للمعقول كيف يمكن إخضاع الغيب للعالم الشهادة ، و نحن لا نملك أدوات معرفة الغيب إلا عن طريق الوحي .
فرق شاسع بين من يقول العلم هو المادة و التجربة و بين من يقول العلم هو الوحي سواء وافق المادة و التجربة أم لم يوافقها ،فأنا أعتقد أن مصدر العلم الأول هو الوحي و ما دونه معارف و تجارب و نظريات و أفكار كلها تصب في المنبع الاول أو قريبا منه أو بعيدا ، حسب قربها أو بعدها من الحق و الصواب .
أما مفهوم الانسان عندهم فهو مفهوم مادي صرف في معزل عن النوازع النفسية و الروحية و لهذا يقولون:
-“أن الفارق بين عالم الأحياء و عالم الجمادات هو فارق في التركيب الكميائي بين مواد عضوية و أخرى غير عضوية إذ الحياة مادة هيدروكاربونية
-الفارق بين عالم الاحياء و عالم الجمادات إنما هو فارق بين مركبات عضوية و أخرى غير عضوية،و من ثم فإنه في الدرجة لا في الطبيعة،و الكون كله وحدة واحدة الجماد فيه أدناه و الإنسان فيه أعلاه.
و من ثم فإن جميع العمليات العليا للانسان كالتذكر و التفكر ليست إلا عمليات آلية،فجسم الإنسان آلة حية، وجميع أعضائه تؤدي وظائفها كما تؤدي الآلات عملها وفقا لقوانين الميكانيكا.”
فالانسان لا يعدو أن يكون آلة حية ما يميزها عن الجماد مادة هييدروكاربونية تعطيه صبغة الحياة.
قد تجيب يا صديقي أنك لا تقول بهذه الترهات و أنك تؤمن بالغيب و بأن الانسان روح و جسد و عقل ،لكنك في الوقت نفسه لا يمكن أن تقبل بما لا يقبله العقل و العلم، فأجيبك أن العقل أعجز من أن يستوعب تفاصيل الكون الفسيح والخلق العظيم إلا في حدود إدراكه،العقل العلمي المادي عاجز أن يفسر بعض الظواهر التي تصدر عن ذاته كالأحلام التنبؤية والتخاطر والاستبصار ….العلم الحديث أعجز مما نظن عن إدراك الكائن البشري إدراكا دقيقا و في كل يوم يطلعنا الطب عن كشف مادة أو عضو دقيق جديد مؤثر في الصحة بشكل كبير ناهيك أن يدرك أسرار الكون و حقائق الغيب “فمن الجهل أن نعتقد أن العلم يسيطر على كل الاحتمالات، بل العلم في كثير من قضاياه لم يعد قادرا على إثبات مقولة أو حتى نفيها، فكيف نجيز لهذه الأغلوطة المؤدلجة أن تحكمنا من اليقين الذي نبحث عنه وهي لا تملكه، وأن تملي علينا القرارات والاستنتاجات داخل سيول من المفارقات؟”.
العلم ليس وحيا العلم ليس يقينيا العلم ليس معيارا للحكم على الغيب لأنه خاضع لقانون المادة ،و المادة لا تدرك الغيب و لا يمكن أن تستوعب مفهوم الغيب .
العلم الذي تتحدث عنه قد تهاوى في مجمل المجالالت المعرفية بعد ظهور النظرية النسبية و الفيزياء الكمية،
فبعد أن سيطرت النظرية النيوتونية على المعرفة الحديثة جاء الدور على الفيزياء الكمية كي تهدم صرح المادة و مفهوم المكان و الزمان و الحركة .
يتبع

اترك رد