المشبوه والمحقق فلان

بقلم: رشيد السليم
إما أن المشتبه بهم في المغرب قد خُلقوا على هيأتي أو أنني خلقت على هيأتهم، أو ربما هناك نموذج وحيد للشخص المشبوه يلقن للشرطة أثناء فترة التدريب يحمل كل خصائصي ومواصفاتي، في كل مرة يتم فيها التحقيق في هويتي من قبل أفراد الشرطة أعود إلى المرآة وأمعن النظر إلى تقاسيم وجهي فلا أجد ما يجدون، ليس لأنني أعرفني، ولكن لأن قواعد الفراسة تصنفني ضمن الأشخاص الذين سُلّط عليهم الشر لا من الأشخاص الذين يسلطون الشر على غيرهم، والواقع أن التمييز بين النموذجين ليس بسيطا، ولست أدعي خبرة في ذلك وإنما هي سابقة تطفل على المجال وحسب، إذ يسهل على غير المتخصص الانزلاق وإساءة الظن بالغير أو تبرئة مجرم، والأمر جلل ولا سيما في قضايا تتعلق بالعدالة وأحكام القضاء، حيث لا يكفي اختزال الفراسة باعتبارها استدلالا بالأحوال الظاهرة على الأخلاق الباطنة، أو استدلالا بهيئات الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله على أخلاقه وفضائله ورذائله، بل ينبغي تطعيم ذلك بعوالم النفس وقدراتها المجردة…

 من بين عشرات المواطنين الذين يتجولون في شوارع الدار البيضاء، وقع الاختيار علي، وتم اقتيادي إلى الكمين للقيام بإجرءات التحقيق.
س: بطاقتك الوطنية من فضلك
ج: لحظة
س: هل أنت مستعجل أم نشيط بطبعك؟
ج: بينهما، إليك رخصة القيادة، ريثما أعثر على البطاقة الوطنية.
س: إلى أين أنت ذاهب؟
ج: إلى فندق بالمدينة.
س: من أين جئت؟
ج: من مدينة فاس
س: أصابعك لأخذ صورة للبصمات.
ج: هاهي البطاقة، وهذه أصابعي.

لم تستغرق العملية أكثر من خمس دقائق، وعندما أعاد إلي الشرطي وثائقي؛ قدم اعتذارا وأخبرني بأن هذا الإجراء روتين يومي، قاومت رغبتي في الضحك لسبب ما، ثم سألته مبتسما: هل أبدو شخصا مثيرا للشبهة؟ كيف وقع اختياركم علي من بين كل هؤلاء؟
أجابني مستعجلا: تخيل شخصا يضع قبعة ويحمل حقيبة ظهر تبدو ثقيلة وحذاء رياضيا، ويتقدم مندفعا بخطوات ثابتة، عليك تقدير مهمتنا وتقبل الأمر.
بالتأكيد سيدي، وربما علي تغيير هيأتي كذلك.
ابتسم قائلا: بل تبدو جيدا وجديدا هكذا.
الله المستعان.
مع السلامة.
كان هذا ألطف تحقيق مررت به، يلتزم بقدر لائق من الموضوعية والمهنية والاحترام، ويتجنب خلق أي توتر في العلاقة بين المواطن ومؤسسة الأمن الوطني، ولكن المهم في الحدث هو المعيار الذي تم به انتقائي، إذ يمكن أن يصدق على الجندي والكشاف والمسافر… غير أنه لا يخفى عليكم سيدي القارئ بأن بعض المهن لا تسمح لأصحابها بقول التفاصيل، ولذلك لا يمكن الاقتناع بما قاله المحقق فلان، وعلى حد تقديري؛ هناك سر آخر وراء استنفار أرواح الشرطة إلي واستفزاز مشاعرهم للبحث في هويتي، وهو قانون الجذب، إذ بات من الواضح ما خلفته المرحلة التي قضيتها في الرباط ضمن حركة المعطلين من أثر سيئ على نفسيتي، فكلما رأيت سيارات الشرطة أو سمعت منبهاتها أو رأيت أشخاصا بزي الشرطة… شعرت بالاضطهاد وبرغبة ملحة في مغادرة المكان والبلاد بأكملها، وربما هذا الإحساس العميق بعدم الاطمئنان هو ما ينعكس روحيا على المحققين فيهرعون إلي، وبما أنني لا أحمل أي ضغينة على الشخص الذي يقوم بوظيفته؛ فإن كل تحقيق معي وسمته الغرابة والغموض، فغالبا ما كان يبدأ بالهجوم والاستفزاز ثم ينتهي مع البعض بالخجل والاعتذار، ومع آخرين  بخيبة أفق الانتظار، وكنت ألحظ في الوجوه حيرة النعمان بن المنذر وهو يقول لضمرة بن ضمرة مزدريا: “تسمع بالمعيدي، خير من أن تراه”
البارحة فقط وقفت أمام المرآه، تأملت كالعادة، وقلت في صدري: مادمت لا تشعر بالأمن عندما تلج ولاية الأمن؛ فأنت شخص مشبوه أيها المشبوه.

اترك رد