رسالة من زوجة محبطة

بقلم: نجية الشياظمي
وصلتني رسالة تقول:
لست أعلم جيدا يا حبيبي أكثر ما يزعجك مني ، و لا أكثر ما يجعلك تستشيط غضبا وحنقا علي ، لا أعلم جيدا كل هذا ،فمنذ أن تزوجنا كنت دائما أنت البطل والقائد والنجم اللامع ،عشت معك في الظل وخلف الستارة ووراء الكواليس ،طبعا لقد كان علي أن أهتم بالبيت والبنات ،بناتنا ، وكان من اولوياتك الاهتمام بالعمل و المركز الإداري الذي من الله به عليك وقد كنت تقولها مفتخرا ،كنت تقول ان اهتمامي بك وبمظهرك هو ما خولك ان تكون في ذلك الوقت أصغر رئيس مصلحة في التخصص الذي درسته .وعشت وحققت ذاتك فقد كانت الأسرة بالنسبة لك في الدرجة الثانية من كل اهتماماتك .دفنت نفسي معك وحنطتها كي لا تحس بموتي وبقيت بجانبك جثة لا روح فيها ولا حياة ،بقيت سنين وسنين ونسيت ان لي احلاما غير  أحلامك وأحلام بناتنا ، وفعلا عشت ادواركم جميعها واستمتعت باحلامكم و بطولاتكم  و اعتزلت كل شيء إلا أن ألعب دور ربة البيت والام والزوجة إلى جانب دوري كموظفة وقد كنت انت أيضا الحاكم فيها فقد كنت رئيسي المباشر ،بلعت الطعم واعجبتني القصة اندمجت معها دون أدنى اعتراض او تمرد  .فهذا كان في نظرك كاف ليجعلني سعيدة وممتنة لظروف رمتني في حضن زوج كنت أعيش في ظله واعتبر كل إنجازاته وبطولاته أكبر منحة من بها علي رب العالمين، وانا حقا أحمد الله على كل ما من به ربي علي  .
حاولت ان اختزل كل طموحاتي و اضيقها على الآخر ،حتى لا اكون طماعة فماذا ينقصني بعدما حصلت على الزوج والأبناء ،أليس هذا أقصى ما تتمناه أنثى مثلي ،أم أنني اود ان اتجرأ وأكون على نفس سلم المجد الذي تسلقته منذ نعومة أظافرك .
تستشيرني صديقتي وتقول ،هل ابعث لزوجي هذه  الرسالة ام انها ستزيد الطين بلة ،فلقد أصبحنا -تضيف صديقتي وتقول-   بعيدين عن بعضنا وكأن الزواج جمعنا من أجل الإنجاب والتربية لا غير ، كل واحدة من بناتنا مستقلة بحياتها في كنف الأسرة التي كونتها .ونحن نعيش متزوجين شكلا لا مضمونا ،كثرت الخلافات على أتفه الأسباب ، مع ان الكل يحلف بزواجنا -فهي تقول – احاول دائما  المحافظة على الصورة البراقة التي رسمها لنا المجتمع وحبسنا فيها .فلقد أصبحت لدي أحلام كثيرة مع أنني بلغت حوالي الستين من عمري  ،لكن كل ما دفنته في قلبي في الماضي وحاولت كبته وكتمه يلح علي اليوم كثيرا أكثر من اي وقت مضى.أحس بحاجة ماسة إلى تحقيق العديد مما كنت أحلم به وخصوصا بعد ان تابعت دراستي بعد التقاعد الاختياري الذي طلبناه وحلصنا عليه معا. أصبحت حياتي فارغة بلا طعم ولا معنى .
اشفقت عليها كثيرا ،أحسست فعلا بمعاناتها وتعاطفت معها ،لكنني احترت بماذا انصحها ، وبماذا اصبرها ، اكتشفت فعلا ان مشكلتها مشكلة أغلبية الأمهات اللواتي افنين اعمارهن  في التربية والسهر وفجأة تصبح حياتهن فارغة ،فلاهن عشن احلامهن قبل الزواج ولا حققن منه شيءا بعده . فعلى الأقل وحسب علمي يعيش جل  الآباء تحقيق الذات في العمل والوظيفة وحتى وان تقاعدوا فإنهم لا يحسون بمرارة الخيبة كما تحس بها أغلب  الأمهات اللواتي يعشن وهن ترين احلامهن تنتحر في كل يوم  على عتبات العمر ،على بساط الأمومة .فمتى يحين الوقت لنقدر هذه التضحية ،ونعطي نساءنا فرصا تمكنهن من تجسيد احلامهن على ارض الواقع قبل ان يعصف بها الموت .

اترك رد