لعبة “ترويض” الصحافة في المغرب

بقلم: نعيم بوسلهام

إذا كان الفيلسوف الفرنسي الشهير جون بول سارتر قد اعتبر أن مهمة المثقف هي بالضبط إزعاج السلطات باعتباره يمثل وعي الأمة وضميرها الحي، فإن السلطات عندنا في المغرب -شأنها شأن باقي الأنظمة الشمولية- تعتبرالمثقف العضوي والصحفي الملتزم (دون حاجة للدخول في جدل هل الصحفي مثقف بالضرورة) شخصان مزعجان، ليس بالمعنى السارتري قطعا فهي قد تعتبره في أحسن الأحوال إبنا عاقا أو صعلوكا خارجا عن إجماع القبيلة.

في إحدى مقالاته عن محنة الصحافة بالمغرب يقول الباحث المغربي يحيي اليحياوي : لو تأتى للمرء أن يقيم حال الصحافة المكتوبة بمغرب الملك محمد السادس لاحتار بين خطاب يدعي الانفتاح ويراهن على الإصلاح وبين سلوكات وممارسات مضمرة للنكوس والإ نتكاس، لدرجة يتراجع الخطاب معها ويغدو وكأنه معطى موجها للإستهلاك الجماهيري العام ليس إلا. (إنتهى كلام الباحث المغربي)

بمجرد إطلالة سريعة على مايعتمل في الساحة الإعلامية المغربية سرعان ماتختفي هذه الحيرة ويزول ذلك الغبش ومن تمة تذهب تلك الجرعات في حرية التعبير التي لطالما صاحب تباشير العهد الجديد، أدراج الرياح ويغدو واضحا تماما هيمنة المقدس وتجدر الخطوط الحمر وبالتالي تكريس صحافة على المقاس تمارس نشاطها تحت أسقف محسومة سلفا ولسنا في حاجة الى استعراض مختلف حالات التجريم التي تنوعت بين الزج في غياهب السجون وفرض غرامات باهضة ناهيك عن التوقيفات والمضايقات المستمرة التي اعتاد عليها أصحاب مهنة المتاعب بالاضافة الى استعمال وسائل مضمرة تتعلق بالتحكم في سوق الاعلانات التي تحجب بقدرة قادر على الصحيفة التي تنوي السباحة ضد التيار, وهذا أدى من بين ما أدى إليه تكريس الروادع الذتية في صيغة المقولة المتداولة في المجال التداولي الاعلامي المغربي دع عنك الملك و زبانيته وتحدث عما شئت، مما أدى الى تعطيل ملكة الفكرالحر المستقل وأوجد حالة من الشلل لاشك أنها أثرت ولازالت تؤثر في المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية حتى… وطبيعي أن تجد هذه الرقابة القبلية بدائل, خاصة مع الفورة الاعلامية والتواصلية التي أصبحت تتيحها الشبكة العنكبوتية من تدفق هائل للمعلومات التي يستغلها فضاؤنا الإعلامي المغربي بشكل فج وركيك، موغل في التركيز على الإثارة الجوفاء عبرالمشاغبات والسجالات الصحفية السطحية، والتركيز على الصحافة الفضائحية التشهيرية مما ساهم في تحويل الفكر إلى دعاية وتقديم صحافة لاتحترم عقل القارئ  ولا تراعي قيمه الثقافية والمجتمعية ولاتستحت تفكيره ومن تمة إختلطت المصطلحات في القاموس الإعلامي المغربي مع تحول الجهل إلى صناعة وتحولت الصحافة إلى سخافة و الثقافة إلى تجارة والإبداع الحقيقي إلى تهمة، لقد وضع المثقفون ومهنيو الصحافة في المغرب أمام خيارين: إما ركوب سفينة الإحتواء والرسو فوق بر السلطة الآمن ومن تمة تظل مهنة المتاعب مرتعا خصبا للمتصيحفين والرويبضة والمتزلفين ومهنة من لا مهنة لهم، الذين يلجون ساحة الإعلام والثقافة والمعرفة عموما،  صدفة أو عن طريق علاقاتهم المشبوهة مع “السلطة ” التي تحتكرالمنح والمنع، حيث يتبؤون المناصب المرموقة ويتصدرون المانشيطات العريضة.. وإما الركون إلى الرقابة القبلية والبعدية أمام توسع دائرة المقدس مع الملك الذي هو بمنطوق الدستور السابق كان يعتبر شخص مقدس لاتنتهك حرمته فتم تهذيب العبارة إلى شخص محترم له واجب الإحترام والتوقير، لكن بمنطق (دار المخزن) فأن ذات (التوقير) ينسحب بالتبعية أيضا إلى محيطه المدني والعسكري ومن والاهم.. في إحدى الحوارات الشيقة التي أجريت مع الصحفي البريطاني المخضوم روبيرت فيسك أجاب في أحدى تعاليقه بأن مهمة الصحفي هي اتهام السلطات..

اترك رد