مرسي يغادر مصر الزنزانة

بقلم: رشيد السليم

إنما يبتلى الناس على قدر إيمانهم، وما أشد ابتلاءَ هذا الرجل، إذا كانت الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فإن الراحل محمد مرسي قد عانق الحرية بعد سجنين، وويل يومئذ للسجانين وويل لهم مما يكسبون.

ولعله لا حاجة لأي كان أن يبدي حزنا على فراقٍ من هذا النوع؛ بل الحزن على الباقين أولى، هؤلاء القابعين في برزخ العبودية الصهيونية، حيث لا عيش فسيح ولا موت مريح، ولا ردة فعل تصُدّ أذى الأيادي المستأجرة. إخضاع الشعب المصري وكسر إرادته؛ سيوفر على الحاكم الفعلي تكلفة بناء معتقل يسع قرابة مائة مليون شخص، كما يعد تحقيقا لأهم الغايات التي سطرتها القوى العظمى لتطويع العرب، ولو ابتليت مصر بجور السلطان، أو بحكم جبري أو بديكتاتور لهانت المصيبة، ولكن أقل من عاقل سيدرك بأن مصر الآن أصبحت بالملموس في قبضة الاحتلال الصهيوني.

وبدل فتح ملفات حول ظروف وفاة الحاكم الشرعي، يجب التفكير بشكل عاجل في آليات لإزاحة المجرم وعقابه، وحتى لو أثبت التحقيق ـ بغض النظر عن سذاجة الفكرة ـ وفاة طبيعية لمحمد مرسي، فلن يعفي ذلك المصريين من الثأر لدمه، من يقودون مصر حاليا هم خطر على أم الدنيا كما يصفونها، خطر على أرض الحضارة والنضارة كما نراها، خطر سيسعى إلى الزيادة في تشظي العروبة والإسلام، وتأجيج نيران العداوة والبغضاء بين شعوبنا، وستضرب مصر مثلا للبلد الخوّار، وأنموذجا للاستعمار بالواسطة، بل سيكون جيشها ذخيرة لصالح الصهاينة تستباح به دماء المسلمين، وليعلم المصريون أن الشعوب العربية واحدة ولن يفسد أواصر العقيدة والدم بينها سوى إعلام مشبوه يعكس إملاءات لا تخدم سوى مصلحة العدو، وإنا ليحزننا ما يضرهم ويسرنا ما يسرهم، ونأمل أن تعود مصر بلدا آمنا مطمئنا، تقام فيه الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ولن يتأتى ذلك والحكم في يد غيرهم.

أحسن الله عزاءنا جميعا في شهيد المسلمين؛ لقد سبقنا مرسي الحاكم إلى الله الحكم، ولا يجب أن نكترث لما سيفعله التاريخ فيما بعد، فتلك سترة العاجز يواري بها خيبته، بل الأجدر أن يتقد الوفاء في النفوس لينير طريق مشروعه الطاهر، النابع من صميم القيم الإسلامية، أما النعي وإظهار الذلة، ثم الركون إلى عدم الاستطاعة فلن يثير شفقة الظالم أبدا، بل لن يزيده ذلك إلا إرضاء لساديته المحمومة، وفكا لعقدة نفسية أزلية مسماها

“عبيد بني إسرائيل”.

وليست الشعوب العربية في منأى عن تبعات هذا الحدث الأليم، فهو رسالة تهديد شديدة اللهجة توضح مصير كل الحركات الاجتماعية الطامعة في التغيير باسم الإسلام، وتوصية تأمر كل الأنظمة باستئصال الصحوة الإسلامية، وشرذمة الوعي الجماعي العربي عموما تحث الشعار المبتذل: “محاربة الإرهاب”، شعار تجاوزت دلالته محاربة الإسلام إلى إبادة الإنسان والإنسانية.

قد يقول قائل: “هذا قدر أبناء الزمان، فالصبر الصبر ولنحقن دماء الناس، فلا طاقة لنا…” فهل يوجد معنى لحقن دماء شعوب تعاني فقر دم مزمن، بسبب سياسات التجويع المفروضة عليها؟ ما هذه القدرية العمياء؟ أليس المرء دون ماله وأهله فهو شهيد؟
يجوز أن تكون هذه ويلات آخر الزمان، ولكن ذلك لا يبرر سلوك الخنوع والانبطاح، لابد من إقامة سنة التدافع، وتسديد التفكير بسلاح الأمل، ولنتذكر قوله عليه الصلاة والسلام: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها.”

اترك رد