هيا بنا نلحد

بقلم: رشيد السليم

حسب ما بلغني أيها القارئ؛ أن العلماء الملحدين أقل بكثير من العلماء المؤلهين عبر التاريخ، وأن القليل من الفلسفة يؤدي إلى الإلحاد والكثير منها يؤدي إلى التوحيد، وفي هذا تبرئة للمعرفة من تهمة ربطها بالإلحاد، وتعزيز لما جاء في القرآن: “إنّما يَخشَى اللهَ مِن عِبادِهِ العُلَمَاءُ”، لنعتبر الأمر محل خلاف، لكن المؤكد ـ ولك أن تختبر ذلك بنفسك ـ أن موجة الإلحاد لم يكن سببها المعرفة أو الجهل؛ بل هو خازوق الظلم الذي يخترق جسد الإنسان بلا رأفة، في عالم لم يعد فيه للحق شبح أو ظِلّ، حيث يمارس السيد ساديته لا سيادته على مغلوبه بكل وحشية واستمتاع، حيث أنين الضعفاء دليل على صحتهم، حيث الدمع علامة على سلامة عيونهم وإتمامها عملية البكاء، حيث العقل يفكك عقلة عقلة في اتجاه الجنون، حيث النخوة والأنفة والمروءة عبء على صاحبها، حيث تقشعر جلود الحزانى في عز الصيف من لسعات برد قلوب المستبدين، لا عزاء لهؤلاء البؤساء غير انتهاء الأجل، فإذا تأخر عنهم عجلوا إليه بالانتحار، وأكثرهم تشبثا بالحياة لا بد أن يطلي سواد أيامه بألوان التمرد إن استطاع إلى ذلك سبيلا، بعد أن فشل الدعاء في قطع دابر المفسدين، وعدم تدخل العدالة الإلهية لإعتاق أسرى الديكتاتورية المتفرعنة، لا سبيل لإراحة البال من عذاب الضمير ـ على الأقل ـ سوى نزع صفة التكليف الديني عن النفس؛ فالإلحاد هو الحل المثالي للتحرر من القيد العقدي ثم إعطاء المشروعية لتجاوز بعض حدود الممنوع، إنه فرصة لتعويض الحرمان الذي فرضته محنة الحلال والحرام، فبمجرد إسقاط حرف الاستثناء وما يليه من كلمة التوحيد؛ يخرج الفقير من ضيق إلى سعة؛ المتاجرة بما كان يسمى حراما تصبح مباحة، والسرقة مهارة، والنصب ذكاء وأكل مال الناس بالباطل قوة، ثم إن القانون لا يحمي المغفلين. ما أرحب مفاهيم حياة الإلحاد وما أرحمها لروح مزقها القهر والاضطهاد، فجأة يتخلص الأعزب من عسر الزواج بيسر الزنا، بل لم يعد لكلمة الزنا أي معنى أمام بهجة الحرية الشخصية…
لا تؤذي نفسك أيها المتعلم بالنبش في الأسباب لتصل إلى أن المجتمع يعيش أزمة أخلاق أو فسادا سياسيا، أو تخلفا معرفيا…، ثم تشرع في التحليل واقتراح حلول للخروج من مآسي المجتمع…، فأصحاب القرار يعرفون ما يمُوج في ذهنك أكثر منك، وغايتهم إقحام كل من له قدرة على التفكير في دهليز من هذا النوع، وبالتالي إهدار طاقته، واستهلاك أو تعطيل العمر الافتراضي لجيل معين.
إن ذوي السيادة والنفوذ مهرة في العبث بالبنية المعرفية للمواطن؛ لأن في سلامتها زوالهم، ولذلك لا يفترون عن تفريخ المتناقضات، وإصدار قوانين ضد قوانين العقل، واتخاذ قرارات تهتك بقايا الإنسانية في النفوس، بالقانون من جهة وبالدين من جهة أخرى يتم خنق الإرادة العامة للشعوب، إننا في زمن نشعر فيه بالسعادة عندما نعثر على شخص يتفق معنا على تاريخ اليوم، لأننا في ذروة الشك المرضي، وكلما تأملنا الواقع وتألمنا به؛ سمعنا صوتا خفيا يهمس بداخلنا: هنا وادي الحسرات، هنا جهنم بالزفرات، هنا السلاسل والأغلال، هنا السعير، هنا المقامع من نار، هنا الزقوم الطازج، لم يعد في الآخرة ما يخيف؛ فهيا بنا نلحد.

اترك رد