“عطل في سلام”.. فضيحة تجارة الأطفال في مخيمات تندوف
تحوّل برنامج “عطل في سلام”، الموجه لأطفال مخيمات تندوف، إلى فضيحة مكتملة الأركان، بعدما كشفت وقائع سنة 2025 عن حجم الانهيار الأخلاقي والتنظيمي والمالي الذي بات يطبع تدبير المشروع من طرف جبهة البوليساريو، وسط اتهامات بالمتاجرة بالبشر واستغلال الأطفال وتصفية الحسابات الداخلية.
بداية مرتبكة وبيانات متضاربة
ووفق منتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي بمخيمات تندوف، المعروف اختصارا باسم منتدى “فورساتين”، فقد انطلقت دورة البرنامج لهذا العام بارتباك غير مسبوق، عقب صدور بيان عن مكتب البوليساريو في إسبانيا يعلن تأجيل رحلات الأطفال بسبب “تأخر جوازات السفر الجماعية”، وهي الرواية التي سرعان ما كذبها واقع الفوضى والصراع الداخلي بين مكاتب الجبهة، حيث تبين أن الخلافات بشأن الأموال الضخمة المحولة للبرنامج شكلت السبب الرئيسي للشلل.
فقد استغل ممثلو الجبهة في بعض الأقاليم البرنامج الموسمي لتحويله إلى تجارة مربحة، عبر المتاجرة في تأشيرات السفر واستبعاد الفاعلين الحقيقيين في مجال الطفولة، في ظل غياب أي آليات للمراقبة أو المحاسبة المالية.
طائرة أقلعت بدون أطفال من تندوف
واحدة من أكثر اللحظات التي كشفت عن حجم العبث، سجلت حين أقلعت طائرة متجهة إلى فرنسا، دون أن يصعد على متنها أطفال ولاية أوسرد، رغم تسجيل أسمائهم ضمن قائمة الرحلة. وقد أظهرت صور مرفقة بالبيان الوضع الكارثي الذي عاشه هؤلاء الأطفال الذين قضوا ليلتهم في مطار تندوف باكين ومنهارين، بعدما تم بيع مقاعدهم لمسافرين آخرين، في ما اعتبر دليلا إضافيا على التلاعب والفوضى وغياب الحد الأدنى من الإنسانية في تنظيم البرنامج.
فبركة بريطانية وكذب رسمي
في بريطانيا، أخذت الفضيحة بعدا إعلاميا محرجا لجبهة البوليساريو، بعد أن حاول مكتبها هناك الترويج لرحلة لا علاقة لها بالبرنامج الرسمي، وادعى أنها تندرج ضمن استئناف برنامج “عطل في سلام” بعد انقطاع دام 20 سنة. لكن سرعان ما خرجت منظمات بريطانية ومصادر صحراوية داخل المخيمات لتكذب هذه الرواية، وتؤكد أن الرحلة نظمت ضمن مشروع “ديزرت فويس” بتعاون مع جمعية “ساند بلاست”، ولا علاقة لها بمبادرات الجبهة، مما جعل بيان مكتب لندن مادة للسخرية والازدراء.
اتهامات بالتنصير والاستغلال الجنسي
أخطر ما فضحه تقرير منتدى فورساتين، هو التحول المفزع في نظرة العائلات إلى البرنامج، حيث أصبح كثير من الآباء يرفضون إرسال أطفالهم خوفا من التنصير أو الاستغلال الجنسي أو حتى البيع القسري لعائلات أجنبية. وهي وقائع أكد التقرير أنها موثقة، بل إن بعضها تسبب في ضياع أطفال لم يُعرف مصيرهم بعد، في وقت غضت فيه بعض الأسر الطرف عن هذه المخاطر مقابل الحصول على علاج أو غذاء، وهو ما استغلته شبكات فاسدة داخل الجبهة لتمرير المزيد من التأشيرات مقابل مبالغ مالية.
سوق سوداء للفيزات وغياب كامل للمحاسبة
لم يعد برنامج “عطل في سلام” سوى واجهة لفساد واسع النطاق، تستفيد منه شبكات منظمة تتلاعب بمشاعر الأسر الصحراوية وبراءة الأطفال، وتستثمر حاجة المخيمات إلى الغذاء والعلاج. وبينما تُقصى الكفاءات والفاعلون الحقيقيون في رعاية الطفولة، يُفتح المجال أمام تجار التأشيرات ومهندسي المحسوبية، في غياب تام لأي محاسبة أو تقييم شفاف.
البرنامج، الذي انطلق في الأصل لأهداف إنسانية نبيلة، تحول إلى نموذج لما يسميه المنتدى بـ”الخراب الأخلاقي والسياسي داخل مؤسسات البوليساريو”، في وقت تنأى فيه جمعيات تضامنية عن الاستمرار في التعاون مع الجبهة بعد تكرار الفضائح والانتهاكات.