التسول: من الحاجة إلى الإمتهان، بين القانون والواقع

بقلم: عمر المصادي

تعد ظاهرة التسول من المظاهر الإجتماعية التي أخذت أبعادا مقلقة خلال السنوات الأخيرة، حيث لم تعد مرتبطة فقط بالحاجة أو الفقر، بل تحولت في كثير من الحالات إلى حرفة منظمة ووسيلة احتيال مقنعة، تمارس بأساليب مدروسة، وأحيانا في إطار شبكات إجرامية تستغل الهشاشة الإجتماعية أو تستعمل الأطفال والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لتحقيق أرباح سريعة.

من الطبيعي أن تفرز الأوضاع الإقتصادية الصعبة حالات فردية من التسول بدافع الجوع أو الفقر، لكن المقلق اليوم هو بروز فئة من الأشخاص الذين يمتهنون التسول بشكل دائم، ويعتبرونه مصدر عيش، دون نية في البحث عن بدائل أو اندماج مهني، هؤلاء يلجؤون إلى أساليب تثير الشفقة، مثل إظهار العاهات، اصطحاب أطفال، ارتداء ملابس ممزقة، أو التمركز في أماكن مختارة بعناية (أمام المساجد، الأسواق، إشارات المرور…).

وقد جرم المشرّع المغربي التسول، وخاصة عندما يصبح ممنهجا أو يستغل فيه الغير، فقد خصص الفصول من 326 إلى 333 من القانون الجنائي لمكافحة هذه الظاهرة، مميزا بين التسول العرضي والتسول المحترف، ويشدد القانون العقوبة في حال وجود استغلال لقاصر، أو استعمال وسائل تدليسية، أو انتماء المتسول لشبكة منظمة.
لكن في الواقع، غالبا ما تصطدم الإجراءات الزجرية بواقع اجتماعي هش، ما يجعل من الصعب تطبيق القانون دون معالجة الأسباب العميقة التي أدت إلى حدوث الظاهرة من جذوها وتحليل العوامل المختلفة التي قد تكون مرتبطة بها.

إن ظاهرة التسول أصبحت تشوه جمالية المدن المغربية، وتفسد الفضاءات العامة، خاصة في المراكز الحضرية الكبرى والسياحية. فالتواجد المكثف للمتسولين، بأساليبهم المتنوعة، يسيء لصورة المغرب كبلد سياحي حديث، ويؤثر أيضا على شعور المواطنين بالأمن والراحة في الأماكن العامة، خاصة وأن المغرب مقبل على تنظيم تظاهرات دولية.
إضافة إلى ذلك، يسبب التسول المحترف خلطا في الوعي الجماعي بين المحتاج الحقيقي والمحتال، ما يؤدي إلى تراجع التضامن الإجتماعي الحقيقي، ويضعف ثقة الناس في قيم التكافل والمساعدة.

وهنا يبرز دور وأهمية الإعلام في المساهمة في محاربة الظاهرة، ليس فقط من خلال تغطية أخبارها، بل عبر حملات تحسيسية توعوية توضح مخاطر تشجيع التسول العشوائي، وتشجع المواطنين على دعم المبادرات الإجتماعية المؤسساتية عوض تقديم المال مباشرة للمتسولين، كما أن للإعلام دورا حاسما في تغيير العقليات التي تعتبر التسول “حقا مكتسبا” لبعض الفئات.

ولمعالجة الظاهرة بشكل فعال، يمكن اعتماد مقاربة شمولية تتجاوز منطق الردع العقابي، وتشمل:
– إدماج القادرين على العمل في مشاريع تكوين وتشغيل.
– تقوية دور الجمعيات الجادة في الإيواء والرعاية.
– فرض رقابة مشددة على الشبكات التي تستغل المتسولين.
– تحفيز الإعلام والمجتمع المدني على نشر ثقافة بدائل إنسانية تحترم الكرامة.

وفي الأخير يجب التأكيد على أن ظاهرة امتهان التسول في المغرب ليست مجرد جنحة قانونية، بل هي مؤشر على أزمة اجتماعية مركبة تتطلب علاجا جذريا، ووحده التعاون بين الدولة، الإعلام، جمعيات المجتمع المدني والمجتمع يمكن أن ينتج حلولا متوازنة تحفظ كرامة الإنسان، وتعيد للمدينة المغربية رونقها الحضري، بعيدا عن صور البؤس المصطنع والإحتيال المقنع.

تعليقات (0)
اضافة تعليق