انتهت فقاعة المونديال وعاد البسطاء من الناس لفقرهم ومعاناتهم اليومية في ظل عجز حكومي غير مسبوق وصمت رهيب للطبقة السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. فماذا بعد..!!؟ فرغم تصاعد الاحتجاجات الوطنية والقطاعية من تقهقر القدرة الشرائية وسقوط الملايين من المواطنين تحت عتبة الفقر المدقع واستفحال مؤشرات البطالة والفساد والاتجار في البشر والحجر.. فإن الأحزاب المغربية تكتفي بموقع المتفرج، شاهدة على تراجع مكانتها في تمثيل المواطنين الذين يلوذون بالشارع لفرض التفاوض والحوار المباشر مع ممثلي السلطة الفعليين الذين يحملون ظهائر التعيين فهل انتهى زمن الديموقراطية النيابية ونفدت صلاحية المنتخبين والمجالس الدستورية المنتخبة..!!!
لقد أظهرت الأزمة الحالية المرتبطة في جزء منها بارتفاع أسعار المواد الطاقية والغدائية، ارتباك وضعف الأحزاب السياسية في مواكبة الأوضاع، وقصورهم عن التدخل كوسطاء لنزع فتيل التوترات الاجتماعية والتي قد تتطور لثورات وانتفاضات لا تبقي ولا تذر، وإلى مواجهات مباشرة بين المحتجين والدولة.. وتكرار سيناريوهات أليمة شبيهة بما عرفه المغرب خلال سنوات الرصاص الشهيرة..
وحسب فعاليات مدنية وحقوقية عدة فإن نقطة التشابه بين الاحزاب السياسية سواء المشاركة في التحالف الحكومي او الممثلة لدور المعارضة البرلمانية، تكمن في ضعف وجودها ودورها الدستوري المفترض أن يظهر في مثل هذه الأوضاع، باعتبار أن دستور 2011 ارتقى بأدوار ووظائف الأحزاب، حيث ينص الفصل السابع من الدستور المغربي على أن الأحزاب السياسية تساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، لكنها اليوم كما الأمس نجدها متأخرة كثيراً عن واقع الأوضاع وانتظارات الناخبين أي “خارج التغطية” على حد قول الكثيرين فالجميع ينتظر القدرة الإلهية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه..
آن الآوان للتفكير جديا في خلق واعتماد وسائط اجتماعية أكثر نجاعة وقربا للمواطنين وأكثر إسهاما في طرح البدائل التنموية الممكنة وإحالة مجموع الأحزاب المتآكلة إلى التقاعد المبكر..!! وحل الهيئات السياسية الفاقدة للشرعية والمشروعية.. هذا بدل انتظار الأمطار وقروض المؤسسات المالية وهبات الجهات المانحة..
إن تعاظم الخلافات بين الأحزاب السياسية وداخلها، لم تكن يوما قائمة على اختلاف الرؤى والتوجهات وإنما بناءً على تضارب المصالح الشخصية الضيقة، فالأحزاب تشابهت على المواطنين من حيث الوجوه والبرامج والخطابات، في ظل غياب واضح لمعايير الإنتماء والتزكية، وسيادة منطق المال في اختيار الممثلين والقيادات، وبالتالي فإن الأحزاب السياسية مسؤولة عن تدني الأخلاق السياسية وعن جانب كبير في الأزمات السياسة والاجتماعية التي يعرفها المغرب وعزوف شرائح شعبية واسعة عن المشاركة في العمليات الانتخابية وفي الحياة السياسية ككل. فالأحزاب السياسية المغربية على حد قول الأكاديمي الأميركي “واتر بوري” ليست سوى مجموعة من الأندية التي تجتمع على صديق واحد.. همها الوحيد هو الحفاظ على امتيازاتها.. فيما يرى المؤرخ عبدالله العروي النخبة السياسية الحالية “جاهلة وأقل وطنية من التي سبقتها” فهل من مزيد!!! وللحديث بقية.