بقلم: عمر المصادي
في سياق التحولات السياسية والإجتماعية التي يعرفها المغرب، أضحت الحاجة ملحة إلى إعادة تقييم دور الأحزاب السياسية في الحياة العامة، خاصة مع تراجع منسوب الثقة بين المواطنين وهذه الكيانات التي يفترض أن تعبر عن همومهم وتدافع عن مصالحهم.
لقد أصبح من الواضح أن العمل السياسي القائم على الشعارات والمزايدات لم يعد يقنع المواطن المغربي، الذي بات يطالب ببرامج حقيقية، واقعية، وقابلة للتنفيذ، تحدث تغييرا ملموسا في حياته اليومية.
فالتحديات التي تواجه البلاد على مستويات متعددة، من التعليم والصحة إلى التشغيل والعدالة الإجتماعية…، لا يمكن مواجهتها بالخطابات الرنانة أو الوعود الموسمية، بل تحتاج إلى مشاريع واضحة، ذات أهداف محددة، ومبنية على التشخيص الدقيق للواقع.
الأحزاب المغربية، وهي ركيزة من ركائز النظام الديمقراطي، مطالبة اليوم بأن ترتقي بخطابها السياسي، وأن تخرج من منطق الشعبوية وردود الفعل، نحو مأسسة العمل السياسي وربطه بالتخطيط والتنمية. فالحزب الذي لا يمتلك رؤية، ولا يتوفر على مشروع مجتمعي، يبقى مجرد آلة انتخابية لا أكثر.
من جهة أخرى، فإن تجديد الثقة في العمل الحزبي يمر بالضرورة عبر فتح المجال للنقاش الداخلي، وتثمين الكفاءات الشابة، والإستماع إلى مختلف الآراء والأفكار داخل الحزب الواحد، بدلا من فرض الرأي الواحد أو الإنغلاق على قواعد قديمة تجاوزها الزمن.
لقد أظهرت نسبة المشاركة في الإنتخابات الأخيرة، ونبرة الخطاب العام، أن هناك أزمة ثقة حقيقية بين فئات واسعة من المجتمع والأحزاب السياسية، وهو ما يستوجب وقفة حقيقية من داخل هذه الأحزاب لمراجعة طرق اشتغالها وآليات تواصلها مع المواطنين.
إن المغرب اليوم، وهو يعيش دينامية إصلاحات على عدة مستويات، في حاجة إلى أحزاب مسؤولة، تنتج الحلول لا الأزمات، وتواكب التحولات لا أن تظل أسيرة ماض لم يعد يلائم متطلبات المرحلة. والمواطن المغربي، بوعيه المتزايد، لم يعد يقبل بأن تختزل السياسة في الصراعات أو التعيينات أو الولاءات، بل يريد من يمثله بكفاءة ومصداقية، ويساهم في بناء مغرب العدالة والتنمية والتقدم، ومواكبة الإستراتيجية التنموية التي يقودها قائد مسيرة التنمية صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله.
في الأخير يجب التأكيد على أن مستقبل الحياة السياسية في المغرب مرهون بقدرة الأحزاب على التحول من منابر للخطاب، إلى ورشات دائمة لبناء البرامج القابلة للتنفيذ، وتطوير السياسات العمومية، وإشراك المواطن في اتخاذ القرار.
فإما أن تتغير الأحزاب، أو أن يتجاوزها الواقع والعصر.