كوكب الجزائر !

بقلم: عبدالله بوكابـوس

هب أن ملك المغرب ارتـــأى أن يقوم بمحاولة أخرى لدى الأخ والشقيق.. الجار، بهدف لفت نظره إلى خطورة العناد وركوب قارب الحقد، ودعوته له للاحتكام إلى العقل والمنطق وإلى القواسم المشتركة المتمثلة في كل شيء من تاريخ وجغرافيا ودين ورحم وثقافة قبل فوات الأوان، واستيعاب الدروس مما قرأنا جميعا عبر تاريخ الإنسانية عموماً، لا بل مما نعيشه اليوم ونحياه..، فلمن يا ترى سيتوجه بمد اليد وبالخطـــاب..؟!

فالمشكل الأكبر لدى الإخوة الأعزاء حقيقة بالنسبة للمغاربة – وبالنسبة لملك المغرب ممثلهم – في الوقت الراهن على وجه الخصوص (وإن كان مشكلا بنيويا في الحقيقة طال لعقود…) هو غيـــاب مخاطَب واضح يمثل القيادة الشرعية والضمير الحي الذي له الصلاحية الحقة في الإنصات والقدرة على اتخاذ القرار باسم الشعب وباسم الدولة الحية بكل مسؤولية.

لقد فهمنـــا، وفهم الجميع بلا شك، أن “الجماعة” التي طالما تحكمت في الحكم وفي القرار بالجزائر من خلال تحكمها في كل شيء حي يتحرك من إعلام، وتربية وتعليم، وسياسة، ودبلوماسية، وجيش، وشرطة،  وأموال طائلة قبلا وبعدا (…)، واستعلامات استطاعت أن “تغرس” في البشر لديها وبين الحجر عقيدة انطلقت بكذبة وبـ نزوة شخصية مرضية وتبناها البعض إما من منطلق الحقد أو المجاملة أو المحاباة أو النفاق سمتها “جبهة شعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”، ثم “شعبا صحراويا”، ثم “جمهورية عربية صحراوية ديمقراطية” فانتفخت الكذبة ككرة وكبرت شيئا فشيئا، ثم بسرعة بحكم  المال “الرخيص” وما يدره النفط وما جاوره، فاستفادت شخصيات سياسية دولية نافذة – ببلدانها و بمنظمات مختلفة – عديدة بالقارة الإفريقية وأوربا وأمريكا وغيرها من العطايا من أموال وخيرات شعب اسْتُغْفِلَ من خلال إعلام ضال مضل ومن خلال مناهج تربوية مزيفة بتوجيه من “قادة” منحرفين لصوص، وسرت الكذبة بين الأحداث والمناسبات المختلفة من أعياد وطنية ومباريات كروية وإنجازات “رخامية” وتظاهرات ثقافية أو مؤتمرات ومعارض مختلفة لإشاعة الجرعة المسكنة أن “الجزائر بلد الحرية والأحرار و نصرة المظلوم …”، وأن “الجزائر (قارة).. إلخ”، لكن بماذا ؟ بالكذب والتمادي في الكذب.. ! أين هي إذن عائدات النفط والغاز ؟ ! وأين تتجلى استفادة الشعب من ثرواته ؟ !  أتراها استثمرت في تعليم جيد أم في صحة أم في بنية تحتية أم في تنمية بشرية أم في تطور الإنسان ؟؟؟ ثم إلى متى يستمر الإعلام موجهـــا هكذا في المغالطـــات ؟ هذا الإعلام غير المؤسس على بِنىً سليمة أو تعددية حقيقية أو ثوابت مهنية أو حتى نصوص متصلة بالقانون.. !

أعتقد أن السبب الرئيسي في رفض حكام الجزائر لليد المغربية الممدودة في فتح الحدود هو خشيتهم من اكتشاف الموطنين لديهم من النهضة المغربية على مستويات عدة، بل يخشون من الكارثة العظمى حين يكتشف الجزائريون حقيقة الوضع في الجنوب المغربي الذي طالما سمعوا و “اقتنعوا” بأن هناك شعبا “محتلا” “مضطهداً يعاني..”!  فما العمل حينها ؟ !

إن الكذب في زمن المعلومة لم يعد مجديا  كما هو معلوم، ومع ذلك لم يجد حكام الجزائر من حل سوى التمادي في الكذب ولم يجدوا حرجا في اعتماد الكذب وسيلة للتأطير والتواصل مع الإنسان (فيهم)، إذ لم يترددوا مؤخرا، أثناء الزيارة الملكية للجنوب المغربي حين كان الاستقبال الشعبي في منتهى الحفاوة كما عهدنا في كل جهة وفي كل مدينة مغربية، في إشاعة  أن السلطات المغربية عمدت إلى تكثيف تواجد “المستوطنين” من أجل إيهام الرأي العام ( !)، لكن أي رأي عام يقصدون ؟ أهو الرأي العام الدولي مثلا.. أم الرأي العام الوطني الداخلي ؟ فبالنسبة للرأي العام الدولي أود أن أزيح الغشاوة عن الإخوة الأشقاء – إن كان الأمر يحتاج إلى وضوح –  بأن الحدود غير مغلقة مع موريطانيا ولا مع السينغال ولا مع تونس ولا مع إسبانيا ولا مع فرنسا ولا مع البرتغال ولا مع العالم، إن المغرب أبوابه مفتوحة أمام العالم وقلبه منفتح على الدنيـــا وعلى العالم، لكن حكام الجزائر أرادوا أن تكون “قارتهم” كوكبا منغلقـــا وحتى إذا تعذر عليهم ذلك، فالمهم أن يكون “الكوكب مغلقـــا” على المغرب وفي وجه المغرب !!!

إلا أن المُطَمْئِنَ وسط هذا الضباب الذي يصر عليه بعض مرضى النفوس لدى الجار الجنب، حين يدرك المرء الوعي العالي لدى كثير من الإخوة الجزائريين الذين نلتقي بهم خارج الحدود سواء بالديار الأوربية المنفتحة المفتوحة فيما بينها (…)، أو بالبقاع المقدسة خلال موسم الحج أو العمرة، وصحوتهم المشرفة على الحقائق كما هي، ومعرفتهم المذهلة بالأشياء كما نعرفها تماما وكما نحياهـــا… لكن المؤسف من جانب آخر حين نقرأ هنا أو هناك لبعض الأقلام المأجورة أو الحاقدة خصوصا بالجرائد أو المواقع الجزائرية كثيرا من المغالطات وكثيرا من الأشياء التي لا تنطلي على الصبية فأحرى على الإنسان الراشد سواء بالمغرب أو الجزائر، ويعظم الأسف حين يتمادى بعض ممن يحبون أن يصنفوا في خانة الأكاديميين والذين لم يستسيغوا انهيار جدار برلين الذي كان “واقيا” لسوءاتهم إلى جانب الخطب الثورية الحماسية للقائد صاحب نظرية نصرة انفصال الشعوب عن الأوطان وتشريد الأسر في أسوأ عملية طرد وإهانة غابت حتى عن ذهن الجاهلية الأولى.. !

بيد أن الخطيئة التي أقدم عليها بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة مؤخرا، وهو في أحضان الجزائر، لا يمكن إلا أن تدخل في عداد الصناعة الكيدية التي لا يتقن حكام الجوار غيرها، إذا علمنا أن بعض الحكام الكاريكاتوريين ممن مضوا غير مأسوف عليهم سبق أن دفعوا ملايين الدولارات فقط لاستصدار بيان أو تصريح  أو نيل حركة ما ترضي نرجسيتهم ( !)، فأحرى حكاما يرون في الجوار المغربي عدوا أزلياً لهم، ويُنَظّرون دوماً لأجل ذلك ! وإذا علمنا ما تسرب أخيرا عن بعض الكيد الذي يضمره الإخوة في تعاونهم المكشوف مع الإرهاب الممقوت لاستهداف المغرب والنيل منه ومن استقراره، وإن كان هذا في الواقع غير مفاجئ للمغرب و المغاربة  بالنظر لما رأوه من حكام “الكوكب” الغريب.

لكن الحقيقة الثابتة هي أنه مثلما حصل ويحصل الإجماع بالمغرب على التشبث بالوحدة الترابية بلا أدنى شك أو ريب، فإن الإجماع هناك حاصل اليوم بأن الحكام ليست لهم أدنى مصداقية بعد أن أثبتت الأيام والسنون أنهم زارعو كذب لا غير، وصناع أزمة إنسانية ليس إلا.

تعليقات (0)
اضافة تعليق