بالواضح
للمملكة المغربية أكثر من 120 حرفة تقليدية، مما يجعلها من بين أولى الدول التي تتميز بصناعتها التقليدية، والتي تمتلك إمكانات واعدة لم يتم استغلالها بعد على النحو الامثل، رغم كونها ثاني أكبر مشغل في المغرب بعد القطاع الزراعي، ويحقق القطاع حالياً رقم معاملات داخلي في غاية الأهمية، لكنه ما زال يسجل أرقاما متواضعة على مستوى التصدير، بسبب الاعتماد على أسواق تقليدية، مما يتطلب انفتاحا اكبر على أسواق جديدة، وكذا ضرورة تجاوز إشكالات التنظيم والتسويق في أفق رفع الصادرات المغربية من هذه المنتجات وزيادة مساهمة القطاع في الناتج الداخلي الخام.
✓ ضعف التسويق وهيمنة الوسطاء.. أبرز التحديات
من أبرز التحديات التي يواجهها راهنا الصناع التقليديون، ضعف التسويق وهيمنة الوسطاء الذين يستغلون ضعف التنظيم المهني. ومن هنا تأتي وجاهة المبادرات الهامة التي أقدم عليها صناع وحرفيي بعض المدن المغربية كجمعية طنجة للصناع التقليديين التي تقدم نموذجا ناجحا للتنظيم الذاتي لهذه الشريحة المهنية وبالتالي قطع الطريق أمام الوسطاء والتجار الذين يبحثون عن شراء المنتجات بثمن زهيد لإعادة بيعها بأسعار مضاعفة، فالصناعة التقليدية المغربية أكبر من مجرد قطاع اقتصادي بل تمثل تراثا ثقافيا جاذبا للسياح الباحثين عن منتجات غنية بهوية وثقافة وتاريخ المملكة المغربية، لا مجرد سلع تجارية، وهو ما يتطلب الحرص على مشاركة الصناع التقليديين في المعارض الوطنية والدولية، لابراز الجانب الثقافي والهوياتي في المنتجات التقليدية المغربية، هذا إضافة إلى ضرورة مواكبة متطلبات السوق الحديثة، وتطوير آليات الترويج ورفع تحديات الانتقال الرقمي من خلال تمكين الصناع التقليديين من إنشاء متاجر إلكترونية لبيع منتجاتهم مباشرة للمستهلكين حول العالم، مع الاستفادة من وسائل الأداء الرقمي المتوفرة.
✓ جمعية طنجة للصناع التقليديين والأدوار الطلائعية للمجتمع المدني
استطاعت جمعية طنجة للصناع التقليديين منذ ساعة تأسيسها الوفاء بالتزاماتها المهنية والثقافية والاجتماعية ورد الاعتبار لحرف الصناعة التقليدية حسب معظم المتابعين والمهتمين بهذا القطاع الحيوي، وكذا المساهمة القيمة في تعزيز بنياته التحتية بشراكة مع غرفة الصناعة التقليدية لجهة طنجة تطوان الحسيمة. ومن بين أهم مبادرات ومشاريع الجمعية
الهادفة إلى تشجيع الاستثمار والمساهمة في التنمية الاقتصادية الى جانب مختلف الفاعلين، نذكر مشروع “إحداث منطقة لممارسة حرف الصناعة التقليدية” وتمكين كل عضو من اعضاء الجمعية بالجزء المفرز المخصص له وتسيير باقي الاجزاء المشتركة وفق ما تقضي به النظم والقوانين الجاري بها العمل في هذا المجال، كما استطاعت الجمعية خلال السنوات العشر الماضية الوفاء بتعهداتها في الحفاظ على التجهيزات والمنشآت وصيانتها كلما دعت الضرورة الى ذلك، والتزامها المبدئي بضمان استمرارية المشروع.
✓ تشجيع الشراكة الفعالة والتضامن البناء و تدعيم سياسة القرب
وتأتي هذه الشراكة المتميزة عملا بالتوجيهات الملكية السامية المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية لعمالات وأقاليم الشمال بالمملكة وتفعيلا لبرنامج طنجة الكبرى الذي أشرف الملك محمد السادس يوم 26 شتنبر 2013م على انطلاقته من أجل تنمية مندمجة ومتوازنة وشاملة لمدينة البوغاز من خلال تشجيع الشراكة الفعالة والتضامن البناء و تدعيم سياسة القرب، واعتبارا لأهمية المقاربة التشاركية كوسيلة لدعم وانجاح المسلسل التنموي المحلي والجهوي في إطار تفاعل مجهودات مختلف المتدخلين القطاعيين والمحليين واعتبارا للدور الذي يضطلع به المجتمع المدني وتحقيقا للمقاربة التشاركية والحكامة الجيدة. وتهدف اتفاقية الشراكة القائمة بين كل من (وزارة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني/ ولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة/ وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لعمالات وأقاليم الشمال بالمملكة/ جماعة طنجة/ غرفة الصناعة التقليدية لجهة طنجة تطوان الحسيمة/ جمعية طنجة للصناع التقليديين) الى إحداث منطقة مخصصة لإحتواء حرف الصناعة التقليدية بمدينة طنجة عن طريق التمويل المشترك وذلك بهدف إيجاد فضاءات منظمة وملائمة للحرفيين تحترم الشروط والمعايير المعمول بها في هذا المجال. ويتكون المشروع من محلات حرفية ومرافق إدارية وصحية ومختلف التجهيزات الأساسية و يستفيد من هذا المشروع حوالي 207 حرفيا ينتمون لجمعية طنجة للصناع التقليديين.
✓ أهداف طموحة ومطالب مشروعة
وفي هذا الإطار أكد عبدالمجيد اسطيطو رئيس جمعية طنجة للصناع التقليديين أن قطاع الصناعة التقليدية قادر على خلق المزيد من الثروة الوطنية شرط الاستثمار فيه بشكل تعاوني وتشاركي وبالتالي الحفاظ على الموروث الثقافي لكل مدن وقرى المملكة وتعزيز تنافسية الصناع التقليديين.
وللإشارة فلقد تم تأسيس جمعية طنجة للصناع التقليديين شهر أكتوبر 2013م بغية تحقيق الأهداف والغايات التالية:
• المطالبة والترافع من أجل إحداث مناطق صناعية خاصة بالحرف التقليدية والمساهمة في بلورة مشاريعها وتدبير شؤونها.
• تأهيل قطاع الصناعة التقليدية على صعيد مدينة طنجة
• المحافظة على الموروث الثقافي الذي تختزنه حرف الصناعة التقليدية بمختلف تجلياتها
• التدخل لدى إدارة الضرائب لرفع أي حيف أو تعسف ضريبي على المنخرطين والدفاع عن عدالة ضريبية بما يناسب القطاع
• ربط الإتصال مع المؤسسات والإدارات ذات الارتباط المباشر والتنسيق حول القضايا ذات الاهتمام
• اعتماد منهجية جديدة في مواجهة المنافسة القادمة من خارج الحدود
• تشجيع التكوين الحرفي في قطاع حرف الصناعة التقليدية
• فتح آفاق جديدة للتكوين المستمر واستكشاف أسواق جديدة
• بحث سبل إحداث علامات تجارية خاصة بمنتجات حرف الصناعة التقليدية للمحافظة على الملكية الفكرية والتجارية للمنتسبين لحرف الصناعة التقليدية والحفاظ على الموروث الوطني
• إحداث برامج إجتماعية أبناء المنتمين للجمعية
• المساهمة في تنظيم ومحاربة كل أشكال التطفل على الصناعة التقليدية
• تنظيم شراكات مع جمعيات مماثلة واتحادات للجمعيات القطاعية داخل الصناعة التقليدية للدفاع عن الحقوق العامة للصناع التقليديين كافة.
✓ الصناعة التقليدية سفيرة للتراث والهوية المغربية عبر العالم.
بهدف تشجيع الحرفيين المغاربة على التوجه نحو التصدير، والرفع من رقم معاملات الصناعة التقليدية وتعزيز دور منتجاتها كسفيرة للتراث والهوية المغربية عبر العالم، قامت كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ومؤسسة دار الصانع، شهر أبريل المنصرم بتوقيع اتفاقية شراكة
(بميزانية ناهزت 30 مليون درهم) مع كتابة الدولة المكلفة بالتجارة الخارجية، وفي هذا الإطار أفاد لحسن السعدي، كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، إن “الاتفاقية الموقعة تُعد ثمرة تعاون وشراكة وتواصل ما بين القطاعات الحكومية المكلفة بالصناعة التقليدية والتجارة بهدف مواكبة الصناع التقليديين المغاربة والتعاونيات وكذا الشركات لتعزيز تواجدها في الأسواق الدولية”، مؤكدا أن “هذه الاتفاقية تتضمن بنوداً تتعلق بتكوين الصناع التقليديين المغاربة، ومواكبة التعاونيات والشركات العاملة في مجال الصناعة التقليدية، الذي يشغل أزيد من 2.6 مليون مغربي ومغربية، من أجل تقوية القدرات في الوصول إلى الأسواق الخارجية ودراسة احتياجات هذه الأسواق، إضافة إلى الرفع من جودة المنتج المغربي وضمان استجابته للمعايير الدولية”.
✓ وضع منصتين رقميتين رهن إشارة الصناع التقليديين.
ومن جهة أخرى، أبرز عمر حجيرة، كاتب الدولة لدى وزير الصناعة والتجارة المكلف بالتجارة الخارجية، أن “اتفاقية الشراكة جاءت من أجل الرقي بقطاع الصناعة التقليدية، وتعزيز آليات التواصل مع الأسواق العالمية عبر عدة واجهات وآليات، من ضمنها تشجيع الصانع التقليدي والشركات على التحول إلى شركات مصدّرة” وأضاف قائلا أنه في إطار هذه الاتفاقية، سيتم وضع منصتين رقميتين رهن إشارة الصناع التقليديين، الأولى هي منصة TIJARA، وتعتمد الذكاء الاصطناعي، وستمكّن الفاعلين في هذا القطاع من الحصول على المعلومات الضرورية حول الأسواق الدولية ومختلف الإجراءات الإدارية المتعلقة بالولوج إلى هذه الأسواق”. والمنصة الثانية هي منصة Trade.ma، التي تروم تعزيز تواجد منتجات الصناعة التقليدية الوطنية في منصات التجارة الإلكترونية”، مؤكداً على أن “الهدف الأساسي من كل هذه الخطوات هو تطوير صادرات الصناعة التقليدية، وتمويل الشركات والتعاونيات من أجل تحقيق إشعاع عالمي لمنتجاتها”.
✓ رؤية 2030
وعلى سبيل الختم نذكر بإستراتيجية تنمية قطاع الصناعة التقليدية في أفق 2030م والتي تهدف إلى إنشاء صناعة حرفية حديثة، ذات قيمة عالية، تنافسية ومهيكلة، من خلال تفعيل 4 تحديات استراتيجية رئيسية :
أولا: هيكلة ومواكبة الفاعلين
ثانيا: تحديث الفروع من خلال تحسين نماذج أعمالها
ثالثا: تثمين العنصر البشري
رابعاً: تعزيز وتحسين التنظيم المؤسساتي.
فلقد ظل قطاع الصناعة التقليدية لعقود طويلة حبيس رؤية اجتماعية ضيقة رغم مساهمته الكبيرة في التنمية الاقتصادية للبلاد فضلا عن حمولته الثقافية ودوره الأساسي في الحفاظ على الهوية والتراث الوطني غير المادي، واليوم تستعد الجهات المعنية لتنزيل استراتيجية جديدة مميزة ومبتكرة لتنميته وخارطة طريق جديدة هادفة وعملية تروم توجيه التدابير التحفيزية للدولة نحو القطاعات الواعدة ذات الإمكانات العالية
وللحديث عن آفاق الصناعة التقليدية بقية