المغرب بين صفة المضيف ومنطق مباراة بمباراة… رؤية القريب قبل الحديث عن اللقب

مع انطلاق منافسات كأس أمم أفريقيا اليوم الأحد، وافتتاح المنتخب المغربي مشواره بمواجهة جزر القمر، يرتفع منسوب الحديث عن اللقب إلى أقصاه. خطاب عام يختزل البطولة في نتيجة نهائية واحدة، ويُحمّل المنتخب منذ صافرة البداية عبء “الكأس التي لا ينبغي أن تُفلت”، بدعوى أن المغرب هو البلد المضيف، وبحكم ما راكمه من حضور قوي في السنوات الأخيرة. حتى ندوة وليد الركراكي رفقة أشرف حكيمي لم تخلُ من استحضار هدف التتويج، وكأن الطريق بات معبّدًا سلفًا نحو المنصة.

غير أن الحديث عن اللقب في بداية الطريق يظل، في جوهره، طرحًا غير صحي، بل قد يكون مُضلِّلًا. فالبطولات الكبرى، خصوصًا في السياق الأفريقي، لا تُحسم بالنوايا ولا بالشعارات، بل بتدبير التفاصيل الصغيرة، ومراكمة الانتصارات الجزئية، ومواجهة كل مباراة بوصفها اختبارًا مستقلًا بذاته. من ينظر بعيدًا أكثر مما ينبغي، قد يُخطئ الرؤية ويصطدم بما هو قريب.

المنتخب المغربي، وهو يدخل هذه النسخة بصفته مضيفًا، لا يحتاج إلى ضغط إضافي بقدر ما يحتاج إلى هدوء ذهني وانضباط تكتيكي. فمباراة الافتتاح، مهما بدا اسم الخصم أقل بريقًا، تظل من أعقد المحطات: ضغط الجمهور، رهبة البداية، وتوقعات الفوز السريع كلها عناصر قد تنقلب إلى عبء إن لم تُدار بعقل بارد. والتاريخ القريب للبطولة مليء بأمثلة منتخبات كبيرة تعثرت لأنها دخلت المنافسة وهي ترى الكأس قبل أن ترى الخصم.

الواقعية لا تعني التخلّي عن الطموح، بل تعني ترتيب الأولويات. الهدف النهائي مشروع، لكن الطريق إليه يمر عبر مقاربة “مباراة بمباراة”. الفوز في الافتتاح، تثبيت الثقة، قراءة المنافسين تدريجيًا، وتدبير المجهود البدني والنفسي… هذه هي مفاتيح البطولات، لا الاكتفاء برفع سقف الخطاب منذ اليوم الأول.

ثم إن أفريقيا، اليوم، لم تعد تقبل بمنطق “المضيف المرشح الطبيعي”. الفوارق تضيق، والمباريات تُكسب في التفاصيل، والمنتخبات التي تصل بعيدًا هي تلك التي تُحسن إدارة المسار لا تلك التي تُفرط في الحديث عن نهايته. لذلك، فإن الرهان الحقيقي للمنتخب المغربي لا يكمن في تكرار عبارة “نلعب على اللقب”، بل في ترجمة ذلك إلى أداء متوازن، واحترام لكل خصم، ووعي بأن كل خطوة لها ثمنها.

أمم أفريقيا تبدأ اليوم، ولا تُحسم اليوم. وبين ضجيج اللقب وهدوء الطريق، يبقى الخيار الأذكى هو أن يرى المنتخب المغربي ما هو قريب بوضوح، قبل أن يحدّق طويلاً في البعيد.

اترك رد