العداء العربي لجماعة الإخوان المسلمين… بين هواجس الداخل وإملاءات الخارج

بقلم: نعيم بوسلهام

منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 على يد حسن البنا، شكّلت الجماعة رقماً صعباً في المعادلة السياسية والفكرية للعالم العربي. فبينما رفعت شعار الإصلاح الشامل والدعوة إلى إحياء الهوية الإسلامية، وجدت نفسها في مواجهة متصاعدة مع الأنظمة الحاكمة، وصلت في كثير من الأحيان إلى حد القطيعة الكاملة والحظر القانوني وصولا إلى الملاحقات القضائية. السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا هذا العداء المستحكم الذي لم تخف حدته رغم تغير الأنظمة والحكومات عبر العقود؟

في سياق تداعيات نبذ الأنظمة العربية للجماعة، يذهب البعض إلى القول إن الإخوان مثّلوا تحدياً وجودياً لهذه الأنظمة، ليس فقط على الصعيد السياسي، بل على مستوى المرجعية الفكرية والمشروع المجتمعي. فالجماعة، رغم ما تضمنته أدبياتها من تأكيد متكرر على نبذ العنف واعتماد العمل الدعوي والاجتماعي والسياسي السلمي، لم تحظَ بمهادنة طويلة الأمد مع أي نظام عربي، الأمر الذي يفتح باب التساؤل حول ما إذا كانت الضغوط والإملاءات الخارجية – وعلى رأسها ما يُعرف بالحركة الصهيوأمريكية – قد لعبت دوراً في صياغة هذا الموقف العدائي، في إطار سياسة أوسع ترمي إلى تحييد أو إقصاء كل ما يمت بصلة إلى الصحوة الإسلامية.

لكن التفسير لا يمكن أن يقف عند حدود المؤامرة الخارجية وحدها. فالأسباب الأمنية تظل حاضرة بقوة، إذ رأت الأنظمة في التنظيم الهرمي للجماعة، وانتشارها الواسع في المجتمع، بنية قادرة على المنافسة وربما الحلول محل الدولة في حال تهيأت الظروف. أما على الصعيد الأيديولوجي، فقد بدا التباين صارخاً بين خطاب الإخوان القائم على مرجعية الشريعة، وخطاب الدولة القُطرية الحديثة ذات الطابع العلماني أو البراغماتي، وهو ما جعل نقاط التلاقي شبه منعدمة.

سياسياً، مثّلت تجربة الإخوان في السلطة – كما في مصر بعد 2011 – اختباراً كشف عن عمق الفجوة بين مشروعهم ورؤية الدولة العميقة، فضلاً عن قلق قوى إقليمية ودولية من امتداد نفوذهم إلى خارج الحدود. وهكذا، اجتمع البُعد الأمني، مع الصراع الأيديولوجي، وتقاطعات المصالح الدولية، ليشكل حزاماً من العداء المستمر، ظل يخنق محاولات الجماعة لإعادة التموقع.

وفي السياق المغربي، تكشف تجربة الإسلاميين المغاربة، ممثلين في حزب العدالة والتنمية بقيادة عبدالإله بنكيران، عن شكل مختلف من الإشكاليات التي تواجه تيارات الإخوان. فانتقال الحزب من رهان الإصلاح السياسي في إطار المشاركة إلى أزمة تنظيمية وفكرية، عزاه كثير من المراقبين إلى التضخم السياسي على حساب الحس الحركي والدعوي، مما أفقده جزءاً من رصيده النضالي. كما أن بنية نظام الحكم في المغرب، القائم على الملكية المطلقة وتوزيع محدود للسلطات، لم تمنح الحزب مساحة كافية للمناورة أو إحداث تغييرات بنيوية، وهو ما جعل تجربته في الحكم تتآكل تدريجياً حتى انتهت بهزيمة انتخابية قاسية سنة 2021.

إن استمرار هذا النبذ ليست له تداعيات على الجماعة وحدها، بل ينعكس على المشهد السياسي والاجتماعي برمته. فالاستبعاد الممنهج لتيار ذي امتداد شعبي واسع يُفقد الحياة السياسية جزءاً من حيويتها وتوازنها، ويدفع نحو مزيد من الاستقطاب الذي يهدد الاستقرار في المنطقة. في النهاية، يبقى السؤال الأعمق: هل ستبقى العلاقة بين الأنظمة العربية والإخوان محكومة بالعداء التاريخي ذاته، أم أن تحولات الداخل والخارج قد تفتح باباً لمعادلة جديدة؟

اترك رد