بنكيران: إما أنا أو الطوفان

بقلم: لحسن الجيت                                           

الجدل السياسي في المغرب لم تعد تحكمه ضوابط ولا تلك القواعد المبنية على حوار بناء واحترام متبادل بيننا كأفراد وكمؤسسات اليوم نعيش مرحلة انزلاق خطيرة وجارفة قد لا تبقي ولا تدر ، من يؤثثون المشهد الإعلامي من رجال السياسة هم الذين يجروننا إلى الهاوية لاعتبارات تخصهم ولحسابات ضيقة لا دخل للشعب المغربي فيها- المنحدر الذي تدحرج فيه هذا الجدل ازدادا ميوعة كما ازداد تعقيدا وخطورة- واصبحنا أمام مشهد لا يطاق اختلط فيه الحابل بالنابل ما بين السب والشتم وإهانة المغاربة إلى ما هو أخطر من ذلك بعد أن تجاوز الخطوط الحمراء بالتطاول على المقدسات-

الإسلامويون والقومجيون وزمرة من اليساريين هم الذين يقفون من وراء هذا المشهد الكارثي- مرجعياتهم رغم تباينها من الناحية العقائدية والأيديولوجية تلتقي على منكر مشترك وهو التطلع إلى يوم يرون فيه هذا الوطن وهو غارق في أوحال تهز أمنه واستقراره، وهم في ذلك لا يهمهم أن يعاني المغاربة في النهاية أسوأ مصير مني فيه من قبل منظروهم بالفشل الذريع في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي-

اليوم نجد كائنات بشرية، التي هي من مخلفات تلك العهود البائدة، وهي تحاول أن تتموقع على الساحة وأن تجد لنفسها موطئ قدم ليس بغرض البناء ولكن بهدف التشويش على الطفرة النوعية التي يعرفها المغرب في كل المجالات لأن تلك الطفرة تبعد المناوئين أكثر عن تحقيق مخططاتهم الجهنمية التي يحتفظون بها للمغرب كنظام وللمغاربة كحماة لملكيتهم التي هي ملك للشعب عبر التاريخ وعبر مختلف الأزمنة-

عبدالإله بنكيران واحد من تلك الوجوه التي تدلو بدلوها في مياه تمتص وتجر نحو الأسفل- على مدى أشهر لم يتوقف الرجل الحرباء عن القفز على الحبال ذات اليمين وذات الشمال لقضاء مآربه الشخصية بالضحك على الذقون ولو كان الأمر على حساب المقدسات-

في هذه الأيام يخرج علينا بتصريحات لا يخرج بها إلا من هو عدو للمغرب، واغلب الظن أنها تصريحات كيدية ومعادية تقاس في خطورتها بخطورة ما يضمره الإخوان المسلمون للملكيات في العالم العربي- ولأنه بكل جيناته من رٍاسه إلى أخمص قدميه مهووس بنفاق وتقية، يتعمد أن يمرر رسائله  إلى من يهمه الأمر في المغرب عبر تعويمها وتعميمها على ملوك وأمراء ورؤساء العالم العربي بنية التمويه حتى لا يقال عنه أنه يقصد المغرب-

ما جاء في تصريحه الأخير خير ما يمكن أن يستدل به في ما يحتفظ به من خبث تجاه المغرب- ورسالته واضحة في هذا الشأن مهما حاول أن يختفي من وراء أصبعه- كما جاء في قوله على أن إسرائيل بعد استهدافها لقطر لم يعد هناك بلد آمن في العالم العربي- وبكل وقاحة سمح لنفسه بأن يخاطب القادة العرب ويدعوهم إلى حماية شعوبهم- ولأنه يقصد المغرب في ذلك،  أوحى لنا بأن إسرائيل قد تستهدفه أو تستهدف مقر حزبه– وانتقل بالحديث عن ذلك بكل استهجان أنه ما لم يقم القادة العرب بحماية شعوبهم فالميثاق الذي يربطهم بالشعوب قد ينتهي وهي دعوة صريحة إلى التحريض والتمرد على الأنظمة العربية

الميثاق الذي تحدث عنه عبدالإله بنكيران هو نظام البيعة أي النظام الذي يتميز به المغرب عن بقية الأقطار العربية- ومن هنا يتضح أن رسالته قصد بها المغرب دون غيره وهو ما قصده أيضا بخصوص قطع العلاقات مع إسرائيل-

وللرد على هذه الرسائل التي يعتقد أنها مبطنة، نقول له نرجسيتك جعلتك تهيم في متاهاتك منها أنك بدأت ترى في نفسك وكأنك مركز هذا الكون الذي بنيته لنفسك- ولي اليقين أنك لا تساوي جناح بعوظة وإن كنت تخشى أن تغتالك إسرائيل فدعني أن أبدد ما تدعيه من مخاوف للاعتبارات التالية:

أولا، نم قرير العين فأنت في  أحضان وحماية ملك، ملك فعل ما لم يفعله غيره وسهر على تمكين الفلسطينيين من المساعدات عن طريق البر من مطار بن غريون إلى قطاع غزة ، ومن فعل ذلك أليس قادرا على أن يحميك– ثانيا، لا تهلع فإسرائيل لن تغتالك لأنها ترى أنك لا تساوي كلفة “كيروزين” الطائرة التي ستستخدم لتصفيتك، فبالأحرى أن تخسر في حقك قنبلة فهي تحتفظ بها لمن يستحقها– ثالثا، إن كنت لا تثق في قدرات المغرب فعليك أن ترحل إلى إيران التي لطالما أثنيت على قدراتها، فالحماية التي وفرتها طهران لصنوك إسماعيل هنية ستوفرها لك أنت أيضا خامسا،ما تدعيه من استهداف لشخصك هو بمثابة تلميع صورة البطل الذي يريد أن يسوق نفسه عند المغاربة في أفقاستحقاقانتخابي ليس لك فيه من عدة وعتاد سوى اللعب على وتر التطبيع والحال أنك أنت وحزبك لا تملكان أجندة داخلية كبديل لمعالجة القضايا التي تهم الشأن اليومي للمواطن البسيط ما يهم المعاربة هو تحسين وضعهم المعيشي في مجمله، ولم يعد يهمك كما استشهدت به يوما ما من قول لعمر بن الخطاب إن غرغرت بطونهم أم لا  بعد أن أصبح راتبك الشهري سبعون ألف درهم-

أما عن الميثاق الذي جاء في حديثك، وكانت نيتك تتجه إلى البيعة مهددا ومحرضا على فسخها، نقول لك من خولك للحديث عنها فهذا تطاول على العلاقة التي تربط الملك برعيته- لقد تجاوزت حدودك وتجاوزت الحطوط الحمراء-

البيعة في يد الشعب وليست في يد بنكيران أو غيره- فهي رابطة دينية وقانونية ودستورية وهي أساس الحكم وشرعيته، وهي السلاح الذيواجهنا به العالم بأسره لاستكمال وحدتنا الترابية- فالبيعة رمز  للسيادة ورمز للوحدة بمفهومها الشامل الترابي والسياسي والديني والاجتماعي- فكيف لك أن تهدد بضرب هذا النسيج الذي يتجاوز الحدود الجغرافية إلى غرب إفريقيا عبر الولاء الديني للعديد من الطوائف الذين يبايعون سلطتهم الروحية المتمثلة في جلالة الملك رغم اختلاف جنسياتهم-

إن مثل هذه الخرجات المتهورة تعكس وجود سلوك أرعن ونية مبيتة لها من التبعات الخطيرة التي تؤسس لفكر هدام ومخرب للمنظومة المغربية- الرجل بزلاته لا يعي مدى تأثير ووقع تصريحاته غير المحسوبة على البسطاء من الناس من ذوي الفهم المحدود-فالتطاول على المقدسات أو المحرمات مثلما يفعل عبدالإله بنكيران قد حمل حسب بعض الظواهر الشاذة على المضي في نفس التجاوزات فبنكيران قد يتحول إلى مدرسة في العبث ونموذجا للتمرد على القيم وعلى ثوابت الأمة- وليس غريبا أن يخرج البارحة من بيننا من سمحت له نفسه بأن يتطاول على الذات الإلهية لأن بنكيران قد شرعن وشجع على أن التطاول على المقدسات لم يعد من الطابوهات المحرمة- كما هو حال تلك المرأة التي صدمتنا قبل يومين بتمزيق الأوراق النقدية التي تحمل رموز هذه المملكة- بنكيران ومن خلال حملاته وخرجاته  بصدد إعداد مدرسة دسارةتتخرج منها أفواج من المتمردين- مدرسة الإجرام بكل المقاييس في حق المغرب والمغاربة-

إلى جانب ذلك وما يوازي خطورة هذه التداعيات وهو أن الحملة الإعلامية التي يشنها أعداؤنا  من الخارج ضد المغرب قذ تجد ضالتها في هكذا تصريحات من قبيل ما يقوده بنكيران وهو لا يخجل في حملته البيسة حينما يعرف بنفسه كمواطن مغربي وكزعيم حزب سياسي وكرئيس حكومة سابق- وقبل أن نلقي باللائمة على الغير يجب أن نواجه أعداء الداخل- وكما قال المرحوم الحسن الثاني إذا كانت لدي عشر رصاصات في المسدس تسعة أخصصها للمقربين وواحدة لأعداء الخارج- فلولا الخونة لما تجرأ عليك العدو-

إن القانون واضح في هذا الباب ولا يمكن التعاطي مع هذه التجاوزات بإدارة الظهر سيما حينما يتعلق الأمر بالانتهاكات السافرة التي تريد النيل من الرموز والمقدسات- ولكي نحافظ على هيبة الدولة لابد من تقعيل القانون لردع هذا السلوك الأرعن- إن أي استخفاف بهذه التجاوزات ومن دون أن تقابلها الصرامة اللازمة ستصبح هيبة الدولة في مهب الرياح، ولذلك وجب الانتباه إلى ذلك – المحاسبة لابد منها، والمغرب دولة الحق والقانون، ومن يخرق هذا القانون يجب معاقبته لكي يكون عبرة لغيره- فالقانون يجب أن يسود وهو سيد من يحيى وسيد من يموت- ونقول لبنكيران الطوفان آت مع الاستحقاق الانتخابي فلا تستعجل نهايتك-

اترك رد