تأطير المنتخبين ضرورة أساسية لنجاح مشروع التنمية الترابية المندمجة على ضوء خطاب العرش 2025..

بقلم: عمر المصادي (.)

تعتبر التنمية الترابية المندمجة إحدى أولويات الدولة المغربية في سياق تنزيل النموذج التنموي الجديد، لما لها من أهمية بالغة في تحقيق العدالة المجالية وتكافؤ الفرص بين المواطنين، سواء في المدن أو القرى والمناطق الجبلية، وفي هذا المسار، يبرز دور المنتخبين المحليين والجهويين كركيزة أساسية لإنجاح المشاريع التنموية على المستوى الترابي.
غير أن هذا الدور لا يمكن أن يمارس بنجاعة إلا إذا كان المنتخبون مؤهلين ومؤطرين بشكل جيد، وهنا يبرز دور الأحزاب السياسية في إعداد وتكوين نخبها المنتخبة، بما ينسجم مع متطلبات الحكامة الجيدة والتنمية المستدامة.
وقد جاء خطاب العرش 2025، الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس نصره الله، ليؤكد هذا التوجه من خلال دعوة صريحة إلى تحسين أداء المنتخبين وتعزيز كفاءتهم في مجال تدبير الشأن العام المحلي، باعتبارهم فاعلين مباشرين في التنمية الترابية.

لقد أكد الخطاب الملكي أن تحقيق التنمية المنشودة لا يمكن أن يتم بمعزل عن تأهيل العنصر البشري، وعلى رأسه المنتخبون المحليون، الذين ينتظر منهم ليس فقط تمثيل المواطنين، بل قيادة مشاريع تنموية تراعي خصوصيات كل مجال، وتفعل مبدأ الإلتقائية والنجاعة في التدبير.
كما شدد جلالة الملك حفظه الله، على أن المرحلة المقبلة تستوجب “تجديد العقليات والممارسات في تدبير الشأن الترابي”، وهو ما يضع المسؤولية مباشرة على الأحزاب السياسية في اختيار وتكوين مرشحيها، ودعمهم طيلة مدة انتدابهم.

إن دور الأحزاب لا يجب أن يقتصر على التزكية والترشيح خلال الإنتخابات، بل ينبغي أن يمتد إلى ما هو أهم: التأطير والتكوين والتمكين السياسي والتقني للمنتخبين.
وذلك من خلال:
– تنظيم دورات تكوينية دورية في مجالات التخطيط والمالية المحلية والقانون التنظيمي للجماعات.
– مواكبة المنتخبين في إعداد البرامج التنموية الجماعية والجهوية.
– تعزيز قيم المواطنة، والنزاهة، والشفافية في أداء المهام الإنتدابية.

غير أن واقع الممارسة يبرز أن عددا من الأحزاب تفتقر إلى آليات مهيكلة لتكوين منتخبيها، مما يؤدي إلى تدبير عشوائي للشأن المحلي، ويضعف جودة المشاريع التنموية ووقعها على المواطن.

إن التنمية الترابية المندمجة تقوم على مقاربة شاملة تراعي التكامل بين الأبعاد الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية. ولإنجاح هذه المقاربة، لا بد من وجود نخب محلية:
– واعية بخصوصيات المجال الترابي،
– قادرة على التخطيط الإستراتيجي،
– متملكة لآليات العمل الجماعي والتشاركي،
ومتمكنة من التفاعل مع مختلف المتدخلين المحليين من إدارات ومجتمع مدني وقطاع خاص.
وهذا لن يتأتى إلا بتكوين فعلي يضطلع به الفاعل الحزبي، باعتباره المدرسة الأولى للمنتخب.

ولجعل الأحزاب السياسية رافعة حقيقية للتنمية الترابية، يجب أن تتحول إلى مؤسسات قادرة على إنتاج الكفاءات، وليس فقط إلى أدوات انتخابية ظرفية، وذلك ويقتضي:
– تحويل التأطير إلى عمل دائم ضمن هيكلة الحزب،
– الإنفتاح على الخبرات الجامعية ومراكز التكوين لتأطير المنتسبين،
– تقييم أداء المنتخبين ومساءلتهم بشكل دوري،
– اختيار المرشحين على أساس الكفاءة والنزاهة والإلتزام بخدمة المصلحة العامة.

إن التوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش 2025، تبرز بوضوح الحاجة الملحة لإعادة الإعتبار للدور التأطيري للأحزاب السياسية، بما يضمن إعداد نخب منتخبة قادرة على قيادة التنمية الترابية المندمجة بكفاءة ومسؤولية.
فالأحزاب، بمقدار ما تؤهل منتخبيها وتواكبهم، تساهم فعليا في بناء مغرب الجهات، وتقوية الديمقراطية المحلية، وتحقيق العدالة المجالية.
ولذلك، فإن مستقبل التنمية بالمغرب يمر عبر مدخل أساسي هو التأطير السياسي الجاد والمسؤول.

(.) خبير في مجال التنمية البشرية

اترك رد