توكل كرمان من رمزية نوبل إلى خطاب التحريض ضد المغرب

بقلم: هشام بلحسين

تعود الناشطة اليمنية توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام لعام 2011، إلى واجهة الجدل السياسي العربي مجددًا، بعد تصريحاتها الأخيرة التي دعت فيها إلى “ثورة وانتفاضة” ضد النظام المغربي ومؤسساته الشرعية. هذه الدعوة التي بدت صادمة لكثيرين، لم تأتِ بمعزل عن السياق الإقليمي المتوتر الذي يشهد إعادة تشكيل في موازين القوى بين دول المغرب العربي وهو ما يجعل خطاب كرمان محطّ تساؤلات حول دوافعه ومآلاته.

من رمزية نوبل إلى خطاب التحريض

منذ فوزها بجائزة نوبل للسلام، شكّلت كرمان حالة استثنائية في المشهد السياسي العربي، إذ جمعت بين رصيدها الحقوقي وشبكة علاقاتها الواسعة مع منظمات ومراكز فكرية غربية. غير أن تحول خطابها في السنوات الأخيرة من الدفاع عن الحقوق إلى الدعوة المباشرة لإسقاط أنظمة قائمة، أثار تساؤلات حول تحوّل رمزية “الناشطة الحقوقية” إلى أداة ضغط سياسي تخدم أجندات إقليمية أكثر من كونها صوتًا مستقلًا.

تصريحاتها الأخيرة ضد المغرب تحديدًا لا يمكن قراءتها بمعزل عن التوتر القائم بين الرباط والجزائر، لاسيما في ظل استخدام ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية كوسائل للتأثير في الرأي العام. فالدعوة إلى “ثورة” داخل بلد مستقر سياسيًا وأمنيًا مثل المغرب تتجاوز إطار التعبير الحر لتدخل في نطاق التحريض على زعزعة النظام العام، وهو ما يتناقض مع روح السلام التي يفترض أن تجسّدها شخصية حائزة على جائزة نوبل.

تمويلات محتملة أم تحالفات عابرة؟

الجدل لا يتوقف عند مضمون الخطاب فحسب، بل يمتد إلى مصادر التأثير والتمويل. فبعض المراقبين يربطون نشاط كرمان المتزايد في قضايا محددة بتقاطع مصالح مع أطراف إقليمية، خصوصًا الجزائر التي تمتلك نفوذا تمويليا عبر قنوات ومنصات مؤثرة في الفضاء المغاربي
ويذهب هؤلاء إلى أن بعض الخطابات السياسية التي تستهدف المغرب قد تستثمر ضمن استراتيجية الضغط الجزائري في ملف الصحراء المغربية، حيث تشكل الأصوات “الحقوقية” المعارضة للمغرب أدوات غير مباشرة لتغذية الرأي العام ضد الموقف المغربي.

ورغم عدم وجود أدلة قاطعة على تلقي كرمان تمويلات مباشرة من أي جهة، إلا أن التكرار المنهجي لتقاطع مواقفها مع أطروحات بعض الأنظمة المناوئة للمغرب يثير شكوكًا مشروعة حول طبيعة التحالفات التي تتحرك ضمنها.

انعكاسات الخطاب على السلم الإقليمي

في بيئة إقليمية مشحونة بالاستقطاب السياسي والإعلامي، تصبح مثل هذه التصريحات أكثر خطورة، لأنها تضرب في عمق مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتعيد إنتاج خطاب الفوضى الذي شهدته المنطقة بعد عام 2011.
وإذا كانت حرية الرأي مبدأ أساسيا في العمل الحقوقي، فإن الدعوة إلى إسقاط الأنظمة أو التحريض على التمرد الشعبي تمثل تجاوزًا للحدود الفاصلة بين النضال السلمي والعمل السياسي الموجَّه.

من هنا، يرى محللون أن تحركات كرمان الأخيرة قد تفسر ضمن محاولة لإعادة إحياء موجة “الفوضى الخلّاقة” عبر رموز ثورية سابقة، لكن هذه المرة بأدوات إعلامية وشبكات دعم رقمية لا تقل تأثيرًا عن السلاح.

الحاجة إلى ضبط الخطاب وتحصين السلم العربي

يبقى الملف مفتوحًا على احتمالات متعددة، لكن المؤكد أن مثل هذه الدعوات تهدّد مبدأ السلم الاجتماعي والتعايش السياسي في المنطقة، وتؤكد ضرورة تحصين الفضاء الإعلامي العربي من محاولات التلاعب الخارجي
ففي عالم أصبحت فيه الكلمة قادرة على إشعال نزاعات، يتحتم على الشخصيات ذات الرمزية الدولية مثل توكل كرمان أن تمارس مسؤوليتها الأخلاقية والسياسية قبل أن تتحدث باسم الشعوب.

اترك رد