شرطة المياه في المغرب.. تطبيق قانون 36.15 من أجل حماية واستدامة الموارد المائية

بقلم: ياسيــن كحلـي (.)

في مواجهة التحديات البيئية الحالية والمخاطر المتزايدة الناجمة عن شح الموارد المائية، برزت “شرطة المياه” في المغرب كحل مبتكر وضروري لحماية الموارد المائية وضمان استخدامها المستدام. تأسست شرطة المياه بموجب قانون رقم 36.15، الذي صدر في الجريدة الرسمية عدد 6494 بتاريخ 25 غشت 2016، وبدأت العمل بشكل رسمي في السنوات الأخيرة. وتهدف هذه الهيئة إلى تعزيز المراقبة وتنفيذ القوانين المرتبطة باستخدام المياه، وتؤدي دورا حاسما في الحفاظ على هذا المورد الأساسي من الاستنزاف والتلوث.

تعمل شرطة المياه كجزء من نظام شامل يهدف إلى إدارة المياه بشكل مستدام، بالتنسيق مع مختلف المؤسسات الحكومية والهيئات المحلية. يتطلب هذا النظام تكامل الجهود بين مختلف الجهات المعنية لضمان فعالية العمليات الرقابية، حيث تقوم شرطة المياه بالتحقق من الالتزام بالتصاريح القانونية للاستخدامات المائية، وتنفيذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين، مما يسهم في الحفاظ على نوعية المياه وتوفيرها للأجيال القادمة.

جراء الإجهاد المتزايدة على الموارد المائية، خاصة في المناطق التي تعاني من الجفاف والتغيرات المناخية، أصبحت مهام شرطة المياه أكثر أهمية من أي وقت مضى. وبذلك تتطلب التحديات البيئية الحالية إجراءات صارمة وفعالة لضمان الاستخدام العقلاني والعادل والمستدام للمياه. حيث تعمل شرطة المياه على مراقبة الأنشطة الزراعية والصناعية التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، وتضمن التزام هذه الأنشطة بالمعايير البيئية والتشريعات المحلية النافذة.

لا تقتصر مهام شرطة المياه على تطبيق القوانين فحسب، بل تسهم أيضا في إرشاد المواطنين بأهمية الحفاظ على الموارد المائية وضرورة استخدامها بشكل معقول. ونشير هنا إلى أنبرامج التوعية والإرشاد تشمل حملات ميدانية وورش عمل تستهدف مختلف فئات المجتمع، بهدف تعزيز الوعي البيئي ونشر ثقافة الاستدامة بين المواطنين والمواطنات.

يضم فريق شرطة المياه نخبة من المهندسين والمتخصصين في المجالات المائية والبيئية، ويعمل هؤلاء الخبراء على تحليل البيانات المائية وإجراء الفحوصات الميدانية للتأكد من سلامة المياه وجودتها. يعتمد عملهم على التكنولوجيا الحديثة كنظام المعلومات الجغرافية (GIS : Geographic Information System)وأدوات الاستشعار عن بعد، مما يسهم في تحسين دقة المراقبة وزيادة فعالية التدخلات.

وقد أكدت التقارير أن تدخلات شرطة المياه أسفرت عن نتائج واضحة في العديد من المناطق. على سبيل المثال، تم تسجيل انخفاض في حالات التلوث المائي والاستخدام غير القانوني للموارد المائية. كما أن هذه التدخلات ساهمت بشكل ملموس في تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على المياه، وهو ما انعكس إيجابا على سلوكيات الأفراد والمؤسسات تجاه البيئة ومادة الماء على وجه الخصوص.

في سياق التطوير المستمر لعمل شرطة المياه، هناك خطط لتوسيع نطاق عملها وتزويدها بمزيد من الموارد والتجهيزات. وتهدف هذه الخطط إلى تعزيز القدرات الرقابية وتكثيف الجهود لمواجهة التحديات البيئية المتزايدة. يتضمن ذلك تعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات مع الدول التي تواجه تحديات مشابهة في إدارة الموارد المائية.

تشكل شرطة المياه في المغرب خطوة استراتيجية نحو إدارة مستدامة للموارد المائية. فهي تمثل جزءا من الجهود الوطنية والدولية الرامية إلى حماية البيئة وضمان التوازن بين متطلبات التنمية والحفاظ على الموارد الطبيعية. كما أنها تعكس التزام المغرب بتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز الأمن المائي. من خلال جهودها الرقابية والتوعوية، إذ تسهم شرطة المياه في حماية الموارد المائية وضمان استخدامها بشكل مستدام، وهذا ما أكد عليه جلالة الملك في خطاب العرش 29 يوليوز 2024 قائلا : “…تفعيل شرطة الماء، والحد من ظاهرة الاستغلال المفرط والضخ العشوائي للمياه. مما يضمن تأمين هذا المورد الحيوي للأجيال القادمة على نحو مستدام.

ويمكن القول بأن نجاح شرطة المياه يعتمد على التكامل بين القوانين والوعي المجتمعي، مما يتطلب تعاون الجميع لتحقيق الأهداف المرجوة في الحفاظ على البيئة وحماية الموارد الطبيعية.

(.) مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية

اترك رد