صرخة آيت بوكماز بإقليم أزيلال: صرخة الجبل من أجل التنمية

بقلم: عمر المصادي

في عمق جبال الأطلس الكبير، وتحديدا في إقليم أزيلال، تقع منطقة آيت بوكماز، التي طالما وصفت بـ”وادي الجنة” لما تتمتع به من مناظر طبيعية خلابة، وتنوع بيئي وثقافي نادر، لكن خلف هذا الجمال الساحر، تخفي المنطقة معاناة مريرة، ومعها تنطلق صرخة الجبل: صرخة آيت بوكماز، التي تطالب بأبسط مقومات العيش الكريم، وتجسد واحدة من أقوى نداءات التهميش والإقصاء التي لا تزال تعرفها مناطق الأطلس المغربي.

فرغم توفر المنطقة على مؤهلات طبيعية وسياحية يمكن أن تجعل منها وجهة للتنمية المستدامة، إلا أن الواقع يؤكد عكس ذلك، فالبنية التحتية تكاد تكون منعدمة في بعض الدواوير، والطرقات وعرة، والوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية لا يزال حلما بعيد المنال لعدد كبير من الساكنة.
المستشفيات غير كافية، المدارس تعاني من نقص في الأطر والتجهيزات، والشباب يعيش في فراغ قاتل بسبب غياب فرص الشغل والتكوين.

فلقد طالما رفعت شعارات تنموية تستهدف “المناطق الجبلية”، لكنها غالبا ما ظلت حبيسة الخطابات والوثائق الرسمية دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ. ويشعر سكان آيت بوكماز، مثلهم مثل العديد من سكان الأطلس، أن منطقتهم تذكر فقط خلال الكوارث الطبيعية أو عند اقتراب الإنتخابات.
إنهم لا يطالبون بالترف، بل بالحد الأدنى من العيش الكريم:
– طرق صالحة تربطهم بباقي مناطق الإقليم،
– مدارس مجهزة ومفتوحة طول السنة،
– مراكز صحية قريبة،
– مشاريع تنموية تخلق فرص عمل محلية،
– احترام خصوصيتهم الثقافية والبيئية…

إن آيت بوكماز تحتاج اليوم إلى أكثر من مجرد وعود، بل إلى مقاربة تنموية عادلة وشاملة، تأخذ بعين الإعتبار خصوصية المجال الجبلي، وتشرك الساكنة المحلية في تخطيط وتنفيذ المشاريع.
من الضروري دعم الفلاحة الجبلية الصغيرة، وتشجيع السياحة البيئية والثقافية، وربط المنطقة بشبكات الطرق والماء والكهرباء والانترنت، كما يجب توجيه استثمارات حقيقية نحو التعليم والتكوين المهني، لضمان مستقبل أفضل لأبناء المنطقة، وتثبيتهم في أرضهم بدل دفعهم نحو الهجرة.

آن صرخة آيت بوكماز ليست مجرد تعبير عن معاناة، بل هي دعوة مفتوحة إلى الأمل والمسؤولية، وهي نداء من الجبل إلى الدولة، إلى المنتخبين، إلى المجتمع المدني، إلى الإعلام، وإلى كل ضمير حي، بأن الإنصاف المجالي ضرورة وليست ترفا.
فآيت بوكماز لا تحتاج إلى الشفقة، بل إلى عدالة تنموية، تجعل من الجبل شريكا في بناء مغرب متوازن، لا مغرب بسرعتين.

في الأخير يجب التأكيد على أن صرخة آيت بوكماز ليست مجرد مطلب محلي معزول، ولا ينبغي أن ينظر إليها كحالة استثنائية تخص منطقة بعينها داخل إقليم أزيلال. بل هي تعبير رمزي عميق عن معاناة كل المناطق الجبلية في المغرب، التي تعاني من نفس أشكال التهميش والحرمان، رغم غناها الطبيعي والبشري.
إن التعامل مع صرخة آيت بوكماز بمنظور ضيق أو ظرفي هو تفويت لفرصة حقيقية لإعادة النظر في علاقة الدولة بالمجال الجبلي، ولبناء نموذج تنموي وطني ينصف الفئات والمناطق المهمشة، ويعزز التماسك الإجتماعي والعدالة المجالية.

اترك رد