في خطوة نوعية تجسد الانفتاح المؤسساتي وتؤكد الأهمية الاستراتيجية لإشراك الطاقات الشابة في فهم دواليب العمل السياسي وصناعة القرار، نظمت مدرسة القانون والعلوم السياسية والإنسانية بالجامعة الدولية بأكادير، يوم أمس الثلاثاء، زيارة ميدانية لوفد من طلبتها إلى مجلس المستشارين. شكلت هذه الزيارة فرصة ثمينة للطلبة لاستكشاف مرافق هذه المؤسسة الدستورية العريقة، والتعمق في مسارات العمل التشريعي داخل واحدة من أبرز ركائز البناء الديمقراطي في المملكة.
الوفد الطلابي، الذي ضم عدداً من طلبة المدرسة، انطلق في جولة استكشافية شاملة داخل أروقة المجلس، في معايشة حقيقية لأجواء العمل البرلماني النابض بالحياة. وقد أتيحت لهم فرصة فريدة لحضور جلسة عامة، تابعوا خلالها عن كثب النقاشات الحيوية والتداولات الجارية، مستشعرين الإيقاع الحقيقي للعمل التشريعي وتحدياته.
ولم تتوقف رحلة الاكتشاف عند هذا الحد، بل تعمق الطلبة في فهم مسار العمل التشريعي من خلال اطلاعهم المباشر على الأدوار الرقابية والتشريعية الجوهرية التي يضطلع بها المجلس، بدءًا من اقتراح القوانين ودراستها ومناقشتها والتصويت عليها، وصولًا إلى آليات مساءلة الحكومة وتقييم السياسات العمومية. كما أثرت الزيارة لقاءات مباشرة ومثمرة مع عدد من السيدات والسادة المستشارين، بالإضافة إلى مسؤولين من الإدارة المركزية، الذين قدموا شروحات وافية حول سير العمل اليومي والإجراءات الدقيقة المتبعة في هندسة المسار التشريعي.
وكان التفاعل البنّاء بين الطلبة والمستشارين البرلمانيين من أبرز محطات هذه الزيارة الغنية، حيث تحولت اللقاءات إلى جلسات حوارية مفتوحة، أبان خلالها الطلبة عن نضج فكري وتعطش للمعرفة من خلال طرح أسئلة جريئة وعميقة، عكست فضولهم المشروع حول دور الغرفة الثانية في الهندسة السياسية المغربية، وتأثير قراراتها على حياتهم اليومية ومستقبل البلاد. وقد تفاعل المستشارون مع هذه الاستفسارات بصراحة وشفافية، مؤكدين الأهمية المحورية لانخراط الشباب الفاعل والواعي في الحياة العامة، ليس فقط كمتلقين للقرارات، بل كشركاء أساس في بناء صرح الديمقراطية المغربية وتعزيز مكتسباتها.
وقد عبّر الطلبة عن انبهارهم بالمستوى الرفيع من التنظيم والكفاءة المهنية الذي لمسوه داخل أروقة مجلس المستشارين، إلا أن الأثر الأعمق تجلى في التغيير المعرفي والفكري الذي أحدثته الزيارة في نفوسهم، حيث أكد العديد منهم أن هذه التجربة الميدانية ساهمت بشكل ملموس في تصحيح بعض التصورات المسبقة، وربما النمطية، تجاه المؤسسات التمثيلية. فقد تجاوزت الزيارة حدود الإعجاب بالبنية المادية للمجلس، لتصل إلى فهم أعمق لجوهر العمل البرلماني وتعقيداته، والأهم من ذلك، أنها نجحت في تعزيز العلاقة بين المفاهيم النظرية التي يتلقونها في مدرجات الجامعة، والواقع العملي الملموس الذي يعيشه المشرعون تحت قبة البرلمان.
وفي هذا السياق، أكد المستشار البرلماني عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب، عزيز بوسلخن، أن “زيارة طلبة الجامعة الدولية بأكادير لمجلس المستشارين لا يمكن اعتبارها مجرد حدث عابر، بل هي محطة معرفية وتفاعلية تفتح الباب واسعًا أمام نقاش مجتمعي ضروري حول سبل تعزيز الثقافة السياسية لدى الشباب وتأهيلهم للمشاركة الفاعلة. ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية تعميم مثل هذه المبادرات النوعية لتشمل كافة الجامعات المغربية، وربما التفكير في توسيعها لتشمل المؤسسات التعليمية في مراحل مبكرة، وتسليط الضوء على الدور المحوري الذي يجب أن تضطلع به الجامعة في تأطير وعي سياسي مسؤول وناقد لدى طلبتها، وتشجيعهم على الانخراط الإيجابي والمثمر في الشأن العام”.
وأضاف بوسلخن أن هذه الزيارة شكلت بحق نموذجًا ناجحًا للتفاعل البناء بين المؤسسات الدستورية وشباب الوطن، وهي مبادرات من شأنها أن تغرس بذور الثقة في نفوس الأجيال الصاعدة تجاه مؤسسات بلادهم، وتحفزهم على تجاوز دور المتفرج السلبي، ليصبحوا مساهمين فاعلين في رسم ملامح مستقبل واعد، يكون فيه صوت الشباب مسموعًا ورأيهم مؤثرًا. فبمثل هذه الخطوات يتجذر الوعي وتُبنى جسور المشاركة الحقيقية.
يُشار إلى أن هذه الزيارة تندرج ضمن الاستراتيجية الطموحة للجامعة الدولية بأكادير، الرامية إلى تعزيز انفتاحها على محيطها المؤسساتي والمجتمعي، وترسيخ فهم أعمق للممارسة الديمقراطية وآلياتها في بلادنا. وتهدف الجامعة من خلال ذلك إلى تمكين الشباب من الأدوات المعرفية والعملية اللازمة للمشاركة المواطنة الفاعلة، والإسهام في تكوين جيل واعٍ، قادر على فهم تعقيدات المشهد السياسي والمساهمة البناءة في بناء مستقبل ديمقراطي متين ومستدام للمملكة.