حمّل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الحكومة مسؤولية ما اعتبره تعثرًا واضحًا في تنزيل الأوراش الملكية ذات البعد الاجتماعي والاستثماري، وعلى رأسها ورش الحماية الاجتماعية، وتعميم التغطية الصحية، وتشجيع الاستثمار المنتج. واعتبر أن غياب الجدية والنجاعة في التنفيذ يؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية، واتساع رقعة الفقر، وغلاء الأسعار، فضلًا عن تقويض الثقة في المؤسسات وتزايد منسوب الانتظارات لدى المواطنات والمواطنين.
وجاء هذا الموقف ضمن البيان الختامي للمؤتمر الإقليمي الخامس لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بإقليم فجيج، الذي انعقد يوم الجمعة 18 يوليوز الجاري بمدينة بوعرفة تحت شعار: “تنمية الإقليم رهينة بتعزيز المكتسبات وتحقيق العدالة المجالية في إطار الجهوية المتقدمة”. وقد توجت أشغال هذا المؤتمر بانتخاب موسى فنزار كاتبًا إقليميًا للحزب، وعبد الشفيق تابو رئيسًا للمجلس الإقليمي، مع المصادقة على تشكيلة كتابة إقليمية تضم 14 عضوًا، من بينهم أربع نساء وعدد من الشباب، في تجسيد لقيم التجديد والمساواة والانفتاح التي يتبناها الحزب
وقد شكّل المؤتمر، الذي عرف مشاركة مناضلات ومناضلي الحزب وممثلين عن فروعه بالإقليم، محطة تنظيمية ونضالية للتفكير في سبل النهوض بالإقليم ومحيطه، وتجديد الارتباط بالمشروع الاتحادي الحداثي الديمقراطي، انطلاقًا من تشخيص جماعي للأوضاع التنموية والاجتماعية والسياسية التي يعيشها الإقليم.
وفي سياق أوسع، توقف المؤتمر عند التحولات الدولية المتسارعة، المتمثلة في إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية، وتصاعد أزمات المناخ والطاقة والغذاء، وتنامي التبعية التكنولوجية والمالية، وهو ما يفرض – بحسب المؤتمر – تعزيز السيادة الوطنية في مجالات استراتيجية، وتكثيف الاستثمار في التعليم، والبحث العلمي، والتنمية الجهوية، لبناء إنسان مؤهل واقتصاد تنافسي ومجتمع متماسك.
وانتقد المؤتمر بشدة ما وصفه بـ”أزمة التدبير الحكومي”، مؤكدًا أن البلاد تمر بمرحلة دقيقة تتسم بتفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، في ظل غياب رؤية استراتيجية واضحة، واستمرار السياسات التقشفية، واتساع رقعة الفقر والبطالة، وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق. وأكد أن الحكومة تتعامل مع الأوضاع بمنطق التسويف، مما يضعف الثقة في المؤسسات ويهدد التماسك الاجتماعي.
وعلى مستوى إقليم فجيج، دعا المؤتمر إلى تعاقد تنموي جديد يعيد الاعتبار للإقليم، ويضعه ضمن أولويات الدولة، بالنظر إلى ما يعانيه من هشاشة تنموية وتفاوتات مجالية بنيوية، رغم ما يتوفر عليه من مؤهلات بشرية وطبيعية وثقافية. كما شدد على ضرورة التسريع بتنفيذ المشاريع التنموية التي أُعلنت خلال آخر زيارة ملكية للمنطقة، خصوصًا في مجالات البنية التحتية، والصحة، والتعليم، وفك العزلة، وتحفيز الاستثمار.
وطالب المؤتمر بتقوية الشبكة الطرقية، وتأهيل مستشفيات القرب بالأطر والتجهيزات الضرورية، ورد الاعتبار للمدرسة العمومية من خلال توسيع الداخليات، وصيانة الفرعيات، وتوفير النقل المدرسي، وتعزيز التعليم الأولي، وضمان توزيع عادل للموارد البشرية، مع اتخاذ موقف واضح من نظام التعاقد في التعليم.
كما دعا إلى إحداث نواة جامعية بالإقليم، ومراكز للتكوين المهني، وتوفير مصالح خارجية للإدارات العمومية، وتسوية ملف أراضي الجموع التي تغطي أكثر من 70% من تراب الإقليم، واعتماد حلول فعالة لمواجهة الجفاف، ودعم الفلاحة الواحية والرعوية، وتنظيم قطاع الكسابة، وتثمين المنتوجات المحلية، مع الاستثمار في الطاقات المتجددة وضمان استفادة الساكنة منها.
وشدد المؤتمر كذلك على ضرورة تنويع الأنشطة المدرة للدخل، عبر إحداث مناطق للأنشطة الاقتصادية ببوعرفة وتندرارة وتالسينت، وتشجيع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ودعم المبادرات الشبابية والنسائية، مع العمل على تثمين الرأسمال الثقافي للإقليم من خلال تأهيل الواحات والقصور التاريخية، وإنشاء مراكز ثقافية، وتنظيم مهرجانات محلية، وتطوير السياحة البيئية والثقافية كرافعة للتنمية وخلق فرص الشغل وتعزيز الهوية المحلية.
وفي ختام أشغاله، دعا المؤتمر إلى التنزيل السليم لمضامين الدستور الجديد بروح ديمقراطية وحداثية تعلي من شأن المواطن وتعيد الاعتبار للمجالات المهمشة، وفي مقدمتها إقليم فجيج. كما هنّأ المناضلات والمناضلين على إنجاح هذا الاستحقاق التنظيمي، مثمنًا حضور وفد المكتب السياسي والكتابة الجهوية، ومجددًا التأكيد على أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلى جانب قواه الوطنية والتقدمية، يظل مؤهلًا لقيادة مسار الإنصاف التنموي بالإقليم والدفع به نحو مستقبل أفضل.