قرقوش “المصباح” يشكو “قوم لوط” سمهاروش
بقلم: عبدالمجيد الحمداوي (*)
في عصرنا الحديث، يبرز اسم جديد ممزوج بين صفتي قرقوش و شمهروش، يدعى دعنون. في زمنه، أصيب بمس إنسي وجني… جن جنون.. ثارت ثائرته.. ولم يمتلك أعصابه، من دوافع جنونه، خبر نقابي صاعق، جعله يكشر عن أنيابه على صفحة له خاصة ب” تقرقيب الناب” الاجتماعية ويلفظ فيها كما تلفظ البحار الأجسام النتنة، بألفاظ نابية لا تليق لا بمستواه التعليمي والعلمي ولا بموقعه الحزبي. هذا الكائن هو الذي نعت المصوتين ضد نقابة حزبه ب” قوم لوط”.
في غابر الزمان، يحكى عن رجل غريب يدعى قراقوش، قضى قرابة ثلاثين سنة يخدم صلاح الدين وابنيه، وارتبطت صورته لدى العامة بالأحكام الغريبة والمدهشة التي كان يصدرها. وأصبحت عامة الناس تعرف قراقوش بقليل الذكاء وكثير الغباء.
في مثل هذا الوحل، سقط واحد من رجالات الحزب الذي رسبت نقابتهم في آخر الاستحقاقات، وما هو إلا واحد من كان يخدم رئيس الحكومة السابقة.
هكذا صار رائد لفظة ” قوم لوط” المشبه بقراقوش تتناقل الشبكات العنكبوتية اجتهاده الفقهي في حق المغاربة، لما فيه من نوادر وطرائف.
لم يخرج المهندس دعنون عن القاعدة المعروفة لدى المغاربة، وما كان على القيادي إلا الزيادة في العلم، حتى يتسنى له ذلك الجلوس على كرسي قراقوش والذي ما هو لحد ما، إلا شخصية تشبه جحا وأشعب وغيرهما من الشخصيات التراثية، هؤلاء بدأت حياتهم بسيطة ثم عبر المتناقل بواسطة الناس تعقدت صورتها خلال الحقب والعصور.
وعلى الأرجح، ليس بالغريب السلوك الذي أقدم عليه مقرب من صاحب المقولة المشهورة ” ديالي كبير” الذي قالها في قبة البرلمان وهو على رأس حزب وفي نفس الوقت رئيسا لحكومة كانت تضم وزيرين معروفين ب ” الكوبل الحكومي “، كل هذا يشفع له أن يزيد “نغزة” في العلم . كما أن زلة لسان المنتمي إلى حزب الوزير ومدلكته المدللة، لم تكن مفاجأة، يصف جميع المغاربة والموظفين بالخصوص بدون حياء ب “قوم لوط”، لسبب بديهي مرده الهزيمة المذلة و المخيبة للآمال التي مني بها الذراع النقابي لحزب المصباح في الانتخابات الأخيرة للجان المتساوية، انحدار أو” انتحار” شكل، كما يقول إخواننا المصريون، فضيحة ب”الكلاكل” في التعليم والصحة.
وبسبب هزيمة في لعبة معروفة بالتحلي بالروح الرياضية، يثور الزعيم قراقوش وليس ” الزعيم ” في مسرحية عادل إمام، ويوزع بطاقة الانتماء إلى ” قوم لوط ” على كل مناضل حر لم يصوت لفائدة نقابة حزبه، ويزيد الطين بلة لما عرف الزعيم الذي كان والله أعلم منتشيا حينها بشيء غير صدمة الهزيمة، أن قوم لوط هم الذي يقول القرآن فيهم، ” أنهم قوم كانوا يرتكبون فاحشة تفردوا بها دونا عن جميع البشر”.
لا أحد يتصور كيف ستكون عربدة الزعيم قراقوش، لو افترضنا أن نقابة تابعة لحزب الوزير الحركي الذي يدبر قطاع التعليم هي الفائزة بأغلبية المقاعد، وأن نقابة ما تابعة لوزير الصحة التكنوقراطي هي التي تسببت في هزيمة نقابة البيجيدي، ربما قظ نشاهد قراقوش في حالة هستيريا من هول الصدمة، ناعتا وزيري التعليم والصحة بقوم أبي لهب.
لم أتوقع يوما أن تختلط الأمور على سياسي، ويذهب إلى تشبيه قوم المغرب الحر، الذي لا يرضى لنفسه أن يباع ولا يشترى، بقوم لوط. فإذا كان قوم لوط في ذلك الزمان حملوا أنفسهم على العناد وكانوا يتصفون بصفات سيئة كقطع الطريق والخيانة ويفعلون الفاحشة في نواديهم، فإن قوم المغرب الحر والذي أعتز بانتمائي له، حملوا أنفسهم في الزمن الحديث، على العناد ضد تيار ” الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ” واتصفوا ب” التمغربيت ” لقطع الطريق على تجار الدين، وكما نبذوا من خان الأمانة والعهد، حاربوا من يفعلون الفاحشة في مقراتهم الحزبية.
وإذا دعا لوط عليه السلام على قومه واستجاب له ربه وأوقع عليهم أشد العذاب، فإن الشرفاء من المغاربة النزهاء دعوا ربهم أن يدمر الخونة وأهل قراقوش وشمهروش بواسطة صناديق الاقتراع ويوقع عليهم أشد هزيمة.
ليس المرة الاولى الذي ينعت فيها قوم ” المغرب الحر” بما يسيء للحرية والشرف والكرامة، بل بين لحظة وأخرى يتسلط واحد من كبار القوم، و يوصفه بأقبح الأوصاف. فقبل شمهروش صاحب أطروحة ” قوم لوط”، وصفت برلمانية المغاربة بالقطيع ووزيرا ب ” المداويخ”، بسبب مقاطعة سلع ثلاث شركات وذهب مدير إحدى الشركات الثلاث إلى أبعد من ذلك واعتبر الانخراط في المقاطعة “خيانة للوطن”. فما دمنا في المغرب..فلا نستغرب من خرجات المداويخ..
إن السكوت على هذه مثل الأوصاف تكريس أقبح الأفكار الهدامة. وفي سياق الرد على ذلك، لابد أن نذكر شمهروش المصباح قبل أن يطلع عليه الصباح ببعض الوقائع المرتبطة بالفحشاء والمنكر، مادامت الذكرى تنفع ” المنتشين” وقبل ذلك لا بأس أن نذكر القراء بقبة “سيدي شمهروش”، الذي يعتقد في زمن ما أنه كان ” يترأس جلسات قضاة الجن للنظر في النزاعات بين الجن والإنس”. وبعد مرور بعض الوقت، تحولت قبة سيدي شمهروش فيما بعد إلى محج للزوار من كل الفئات، فقراء وأغنياء وسياسيون ونقابيون.
فهل يتذكر شمهروش حاكم جلسات الفتاوى بحزب المصباح، أن أحد الأطر القيادية في “حركة الإصلاح والتوحيد”، الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، ضبط بالواضح وهو يقيم علاقة جنسية مع إحدى عضوات الحزب البارزات داخل سيارة قرب شاطئ البحر. فيا ويلتاه، ظهر الفساد أي الزنى في البر والبحر وشاعت الخيانة الزوجية. فسكتوا عن المنكر.. وسكتنا إلى حين الدهر.
بعدها وبالضبط بالعاصمة العلمية، يا حسرتاه، ضبط أحد القياديين المحليين في الحزب شخصا آخر من نفس الحزب في أوضاع جنسية مخلة رفقة زوجته داخل بيته. فسكتوا عند الفجر..وسكتنا عن الفجور..
وهل يتذكر شمهروش، حاكم ” قوم لوط” ما حصل في عهد “الكوبل الحكومي” في عز تحكم البيجيدي في زمام أمور الشأن الحكومي. هم سكتوا.. ونحن لم نسكت.. إلا بعدما انتهت أغرب قصة حب بإبعاد الوزير والوزيرة من حكومة بنكيران. واستمر المسلسل التركي ببروز بطل آخر، ولم يكن سوى وزير آخر في حكومة العثماني الذي عاش مراهقة ثانية مع محبوبته الفتاة المدلكة، وما كان زواجه بها إلا تأكيد لإبعاده أيضا من الحكومة..
وما هذا إلا فيض من غيظ، وما خفي في (…..) أعظم…
وعلى ذكر العاصمة العلمية، سبق لزعيم حزب “الميزان” أن تعرض لضغوط لما تصدر نتائج انتخابات مجلس المستشارين 2014 واستشاط شباط غضبا، وحين سئل في لقاء صحفي عن موقفه من مطالبة المثليين الجنسيين بحقهم في ممارسة حريتهم الشخصية، قال: ” لا ينبغي الحديث عن قوم لوط في هذا الجمع المبارك، وأغلق القوس بسرعة، مضيفا : “لا يمكن أن نحشر حزبنا في أمور كهذه، هادشي ما يمكنش نهضرو فيه”. فهل كان شباط يتوقع أن زمن” الهضرة فيه” سيأتي بعد مرور ثماني سنوات، وسيظهر ثائر ينتمي إلى حزب الوجه القاصح، و سيتكفل بدون عناء بالحديث عن قوم لوط بجرأة لا متناهية.
فعلا هذا ما وقع، ظهر شمهروش هذا الزمان، من مكان ليس ببعيد عن فاس، لم يقر بهزيمة نقابة حزبه في الانتخابات الأخيرة ولم يتقبل الأمر ببساطة، لأنه يعلم في قرارة نفسه أن الأصوات الانتخابية التي كانت تراهن عليها نقابة المصباح ضاعت… وفقدت صفة الأكثر تمثيلية – كما لو أنها فقدت بكارتها -، شمهروش للأسف، لم يتحل بشجاعة زميلته في الحزب، التي قالت ببرودة الدم عن هزيمة نقابة حزبها، أنها فعلا شكلت صدمة غير منتظرة لمناضلي النقابة و قيادييه، وانتهى الأمر، بدون سب أحد أو إهانة مجتمع أو شتم أمة.
بالرجولة، لكن هذه المرة بنون نسوة، يصدق القول لسان قيادية من الحزب، أما عامة رجال الحزب، فهم في ديوانهم يسبحون. هذه القيادية استدركت ما لم يستوعبه شمهروش، وهو أن خسارة النقابة المدوية ماهي إلا نتيجة سلوك تعكس خلفية المواقف التي اتخذتها النقابة تجاه الكثير من الملفات المطلبية خصوصا لنساء ورجال التعليم، وعلى رأسها اتفاق 26 أبريل، أضف إلى ذلك، عدم تجاوب رئِيس الحكومة التي يقودها العدالة والتنمية لأكثر من عشر سنوات في تلبية العشرات من المطالب. ولهذه الأسباب وأخرى، جاء التصويت الأخير عقابيا بسبب تراكم الملفات وسط صمت الجميع.
ومباشرة بعد الإعلان عن النتائج غير المرضية، أدرك شهريار البيجيدي الصباح، وشكا سيدي شمهروش قوم لوط وهو يتجرع مرارة النتائج التي تنذر بالأسوأ بما هو قادم خلال الاستحقاقات الجماعية والتشريعية المقبلة.
ما لم يدركه شمهروش هو أن من نعتهم ب”قوم لوط” ما هم إلا قاعدة انتخابية بما أوتي للكلمة من معنى، وهم الأكثر انتشارا في قطاعي التعليم والصحة، وبالتالي فهم أقوى خزان انتخابي وأهم قلعة خلفية في كل استحقاق انتخابي.
بدأت القصة، برد المناصرين الذين نعتوا ب”قوم لوط” على نقابة البيجيدي الصاع صاعين، بالتصويت العقابي ، صعدت وجوه سياسية ونقابية جديدة، بعد الظفر بأغلبية المقاعد ولم يحصد البيجيدي إلا الفتات. والنتيجة العقابية، حرمان الكثير من الأَسماء النقابية الموالية للبيجيدي المستفيدة من الريع النقابي الذي يعادل 50 تفرغا نقابيا، منهم من استفاد من الريع النقابي لأكثر من 10 سنوات، و سيلتحقون كرها واضطرارا بالعمل بعد انتهاء تفرغهم النقابي نهاية شهر غشت الجاري.
وانتهت قصة نقابة قراقوش وشمهروش مع بداية قصة اخرى تروي الشكوك التي تحوم حول هذا الموضوع، عشية تماطل وزير التشغيل المنتمي لحزب المصباح، الإعلان عن النتائج النهائية لانتخابات ممثلي الموظفين في اللجان الإدارية متساوية الأعضاء، التي شهدت تراجعا في نتائج نقابة حزب الوزير و بشكل كبير مقارنة بانتخابات 2015، ففي قطاع التعليم على سبيل المثال لا الحصر، تراجعت نقابة المصباح من المرتبة 2 إلى المرتبة 6، مما جعلتها تفقد صفة النقابة الأكثر تمثيلية بعدما ضاع منها 73 مقعدا باللجان الثنائية. وقس على ذلك في بقية القطاعات الأخرى العمومية منها و الخاصة.
وخير ما نختم به، قوله تعالى في كتابه الحكيم:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.”
(*) إعلامي كاتب وصحافي