ندوة وطنية بالرباط بعيون أكاديمية تبرز قصة نجاحات المغرب وآفاق الحل السياسي لقضية الصحراء
نظّمت مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم بشراكة مع قطاع الثقافة و تعاون مع كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي جامعة محمد الخامس بالرباط يوم الخميس 4 دجنبر الجاري، ندوة وطنية تحت عنوان:
“الوحدة الترابية للمغرب بعيون أكاديمية: قصة نجاحات وآفاق الحل السياسي”، بمشاركة نخبة من الاساتذة الباحثين والخبراء في قضايا الصحراء المغربية ( العلاقات الدولية و القانون الدستوري و الجغرافية السياسية…) بمدرج عبد الرزاق مولاي ارشيد .
استهل اللقاء بكلمة افتتاحية ألقاها د. عمر حنيش، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، الذي شدّد على أن مسار استرجاع الأقاليم الجنوبية هو قصة وطنية مشتركة بين الملك والشعب، تجسدت منذ المسيرة الخضراء إلى اليوم.
وأكد أن مقاربة المغرب في تدبير هذا الملف تجمع بين الشرعية التاريخية والقانونية، وأن مبادرة الحكم الذاتي تظل الحل الواقعي والعملي المتوافق مع الشرعية الدولية.
كما أبرز دور الخبراء والباحثين في تفكيك خطاب التضليل، مؤكداً أن العمل الأكاديمي كان ولا يزال أحد ركائز تحصين النقاش الوطني حول القضية.
وتناول الكلمة بعده الدكتور محمد الدرويش، رئيس مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم واستاذ التعليم العالي بنفس الجامعة الذي أكد التزام المؤسسة بمتابعة القضايا الوطنية عبر منتديات و ندوات وطنية ودولية تجمع بين الماضي والحاضر لاستشراف المستقبل، كما جددالتأكيد على رصانة وجدية دبلوماسية المملكة المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس الذي وضع قضية الوحدة الترابية للمغرب ضمن أولويات الأولويات منذ خطاب جلالته الاول، واشتغل بحكمة عالية وتخطيط استراتيجي دقيق اعاد المغرب لموقعه الطبيعي بين الامم مع دول افريقيا وامريكا وروسيا وأوروبا واستراليا، كما جدد محمد الدرويش التذكير بالأدوار الطلائعية للمملكة منذ مئات السنين، وتوقف عند ما قبل القرار الأممي الأخير ومقتضياته وانعكاساته…
وأبرز أن القرار الأممي الأخير يشكل منعطفاً حاسماً في مسار النزاع، باعتباره خطوة تُكرّس المكانة الدبلوماسية للمغرب وتؤكد نهاية مرحلة “الأزمة المفتعلة”.

كما شدد على ضرورة دعم البحث الأكاديمي المتخصص في موضوع الحكم الذاتي، باعتباره أداة علمية لتحصين المكاسب، موجهاً شكره لوزارة الثقافة لدعمها برامج المؤسسة وللكلية التي احتضنت الندوة الوطنية.
الجلسة العلمية الأولى: التاريخ، الدبلوماسية، والتحولات الجديدة
أدار الجلسة الأولى د. عبدالعزيز قراقي، نائب عميد الكلية، وافتتحت بمداخلة الدكتور محمد الشيخ بيد الله حول “الوضع في الأقاليم الجنوبية عشية المسيرة الخضراء”.
روى فيها تجربة شخصية حول الاعتقال ومحاولة الاغتيال خلال الحقبة الاستعمارية، مؤكداً أن الاستعمار الإسباني كان “استعماراً بعيداً بأزمة أندلسية ممتدة”، وأن المسيرة الخضراء جاءت في سياق صعب طبعته القيود على الحريات والقمع الممنهج ضد ساكنة الصحراء.
المداخلة الثانية كانت للدكتور عبد النبي صبري حول “الدبلوماسية الملكية وترسيخ السيادة والوحدة الترابية”.
ركز خلالها على تلازم عنصرين أساسيين:
قرار محكمة العدل الدولية وخطاب الملك الراحل الحسن الثاني، ثم القرار الأممي الأخير وخطاب الملك محمد السادس، معتبراً أن التحولات الدبلوماسية تؤكد أن جوهر النزاع صراع نفوذ وجيواستراتيجيا مرتبط بالمحيط الأطلسي.
وأشار إلى أن مصادقة المغرب على ترسيم حدوده البحرية مباشرة بعد تقديم مبادرة الحكم الذاتي كانت خطوة لقطع الطريق أمام الأطماع الخارجية.
وفي مداخلة ثالثة، قدم الدكتور محمد زكرياء أبو ذهب قراءة بعنوان “ما بعد 31 أكتوبر: الخطوات المقبلة لحل النزاع المفتعل”.
أكد فيها أن المعركة لم تُحسم بعد، مستحضراً تصويت الاتفاق الفلاحي بالبرلمان الأوروبي بفارق صوت واحد، مما يدل على استمرار المناورات.
وأشار إلى أن شمولية وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية لجهة كلميم واد نون قد تكون مؤشراً على توسيع نطاق الحكم الذاتي مستقبلاً.
كما شدد على أن المرحلة المقبلة تتطلب تقريب المواطن من مفهوم الحكم الذاتي، وأن الخطوة الحاسمة القادمة تتعلق بـ إخراج “البوليساريو” من الاتحاد الإفريقي وفق مقتضيات معاهدة مونتيفيديو.
أما المداخلة الرابعة، فكانت للدكتور حفيظ أدمينو حول “الحكم الذاتي ومسارات التنزيل”، حيث أوضح أن الحكم الذاتي ليس نموذجاً واحداً ينطبق على كل الدول، بل هو صيغة سياسية قبل أن يكون إدارية.
وأشار إلى أن ورش الجهوية المتقدمة بالمغرب يُعِدّ الأرضية المثلى لتنزيل الحكم الذاتي كحل دائم.
واختتمت الجلسة الأولى بمداخلة الدكتورة مليكة الزخنيني بعنوان “القرار 2797: آفاق الحل وحدود التأويل”.
اعتبرت فيها أن القرار الأممي يشكل نقطة تحول في مقاربة الأمم المتحدة للنزاع، وأن فعاليته رهن استثماره العلمي والسياسي بما يخدم القضية الوطنية.
شهدت الندوة العلمية تنظيم الجلسة الثانية التي أدارها الأستاذ عمر العسري، الباحث بجامعة محمد الخامس، حيث قدّمت مجموعة من المداخلات المتخصصة التي قاربت قضية الصحراء المغربية من زوايا تاريخية وقانونية ودستورية وجيوسياسية، في سياق أكاديمي يُسهم في توضيح مسارات تطور الملف وتعزيز فهمه لدى الطلبة والباحثين.
استهل د. محمد سيباويه، الخبير في المخطوطات الصحراوية، مداخلته بالتأكيد على أن التاريخ يشكّل أكبر مدافع عن القضية الوطنية، مُذكّرًا بالخطاب الملكي الداعي إلى تقديم الحجج لمن يدّعي خلاف ذلك. وقد عرض مجموعة من الوثائق التاريخية التي تُبرز الارتباط العميق بين المغرب وأقاليمه الجنوبية، ومنها أحكام صادرة باسم السلطان ووثائق البيعة التي تجسّد روابط السيادة.
من جهتها ركزت دة. آمال بن إبراهيم من جامعة ابن طفيل على ضرورة بناء هندسة مؤسساتية للحكم الذاتي قائمة على التوفيق بين الجهة والمركز، معتبرة أن المبادرة المغربية تُجسّد نموذجًا يجمع بين الوحدة والتعدد. ودعت إلى منح الحكم الذاتي طابعًا دستوريًا، والاستفادة المعيارية من التجارب الدولية، وخلق توازن في التمثيلية الوطنية والجهوية والمحلية، وربط الاستقلالية المالية بروح التضامن الوطني.
أما الأستاذ هشام برجاوي من جامعة محمد الخامس فقد تناول القرار الأممي 2797 موضحًا أنه مرّ بثلاث مراحل أساسية: اعتبار مبادرة الحكم الذاتي خطوة جدية، ثم الاعتراف بواقعيتها، وصولًا إلى اعتبارها أساسًا وحيدًا للتفاوض. وأكد أن هذا التطور أنهى الالتباس في مواقف عدد من الدول وأضعف هامش المناورة لدى الأطراف الأخرى، مبرزًا أن تراكم المغرب في مجال اللامركزية يعزّز نضج مقترح الحكم الذاتي، وأن أي طرح خارج إطار القرار الأممي يخرج عن الشرعية الدولية.
وفي السياق نفسه، تناول د. نذير المومني بجامعة محمد الخامس العلاقة بين الحكم الذاتي والقانون الدستوري للجماعات الترابية، معتبرًا أن قواعد التنظيم الترابي في الدستور تشكّل إطارًا معياريًا لتطوير مبادرة الحكم الذاتي كما وجّه بذلك الملك محمد السادس. وركّز على ضرورة التمييز بين الحكم الذاتي والفيدرالية، وتجنّب النقل الحرفي للتجارب الدولية، والحذر من محاولات بعض الأطراف استغلال لغة القرارات الأممية للمناورة، مؤكدًا أن الحكم الذاتي سيكون حلًا نهائيًا تحت السيادة المغربية. كما أبرز أهمية تحديد الأداة الدستورية المناسبة، واستثمار الفصول 136 و140 و141، وتحديد الاختصاصات الذاتية، ووضع آليات للمواكبة الإدارية والقضائية.
وقدّم د. محسن ادالي من جامعة السلطان مولاي سليمان قراءة في بنية الخطاب الدبلوماسي المغربي، مبرزًا التحول الكبير الذي قاده جلالة الملك محمد السادس، حيث أصبح الخطاب أكثر وضوحًا وحزمًا، ومستندًا إلى الرقمنة والوسائط الحديثة. وأكد على ضرورة تبسيط الخطاب لفائدة الأجيال الصاعدة، وعلى أهمية إدراك التحولات الدولية التي أعقبت جائحة كوفيد وتأثيرها على مفهوم السيادة.
وفي مداخلة د. عبد العالي حامي الدين من جامعة محمد الخامس فعاليات الجلسة بمداخلة قانونية وجيوستراتيجية حول القرار الأممي 2797، حيث أعاد قراءة جذور النزاع انطلاقًا من الاستعمار الإسباني والمسيرة الخضراء واتفاقية مدريد الثلاثية، مبرزًا أن مبادرة الحكم الذاتي أصبحت اليوم أرضية أممية معترفًا بها دوليًا، وأن الحل لن يكون عبر الاستفتاء بل عبر المفاوضات. وحدد ثلاثة تحديات رئيسية: تجديد الخطاب السياسي والإعلامي لكسب القلوب، تأهيل الفضاء الجهوي لتعزيز الديمقراطية، وتهيئة مرحلة ما بعد الحل من خلال الإدماج البيداغوجي وتطوير المناهج ومواكبة العائدين وضمان احترام الحقوق والحريات. وختم بالتأكيد على أن نجاح الحكم الذاتي يحتاج إلى إشارات داخلية قوية تعزّز جاذبيته.
اختتم الدكتور محمد حومالك أشغال الجلسة بمداخلة بعنوان “الصحراء المغربية: المسار الدبلوماسي والرهان التنموي”، أبرز فيها أهمية الرؤية الاستراتيجية التي يعتمدها المغرب في تدبير القضية الوطنية، معتبرا أن الجمع بين البعد الدبلوماسي والبعد التنموي يشكل خيارا حاسما في مسار تعزيز السيادة على الأقاليم الجنوبية. وأوضح أن المغرب تبنى مقاربة مزدوجة تقوم، من جهة، على دبلوماسية نشطة وفاعلة استطاعت تحقيق اختراقات معتبرة على المستويين الإقليمي والدولي، ومن جهة أخرى، على مشاريع تنموية كبرى تحولت إلى رافعة لإبراز جدّية النموذج المغربي وقدرته على تقديم بديل واقعي وعملي. وخلص إلى أن هذا التوجه المتكامل بين التنمية والدبلوماسية أفضى إلى نتائج إيجابية ملموسة، مما يجعل من التجربة المغربية نموذجا متقدما في إدارة النزاعات على أساس رؤية شمولية واستراتيجية بعيدة المدى.

وقد انتهت اشغال الندوة كما بدأت بالامل ثم الامل فالأمل في مستقبل مغربي متطور ومتقدم يقوم بأدوار حيوية بين الدول ويسْهم في استتبات الأمن والسلم والسلام.