نيامي.. إبراز دور المبادرة الملكية الأطلسية في تعزيز التكامل الإفريقي

شكلت المبادرة الملكية الرامية إلى تمكين ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي ودورها في تعزيز التكامل الإفريقي، محور ندوة نظمتها سفارة المغرب في النيجر يوم الجمعة بنيامي.

وقد أتاح هذا اللقاء، المنعقد بالتعاون مع المركز الوطني للدراسات الاستراتيجية والأمنية في النيجر، تحت شعار “المشروع الملكي الرامي إلى تسهيل ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي: رهانات استراتيجية ولوجستية من أجل إفريقيا مندمجة”، فرصة لإبراز وجاهة المبادرة الملكية التي تهدف إلى منح دول الساحل غير المطلة على المحيط الأطلسي، وهي مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، منفذا مباشرا إلى المحيط، بالاعتماد على البنية التحتية المغربية.

وبهذه المناسبة، أشاد المدير العام للعلاقات الثنائية في وزارة الشؤون الخارجية للنيجر، دجيبو باريكوي، بإطلاق هذه المبادرة ذات البعد الإقليمي الدولي التي تمثل استجابة طموحة للتحديات والقضايا الرئيسية على مستوى منطقة الساحل، والمتعلقة بالولوج إلى الأسواق الدولية، وخفض تكاليف النقل واللوجستيك، وتأمين سلاسل التوريد، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول.

وأكد أنه “إلى جانب القضايا الاقتصادية، فإن هذه المبادرة تعد أيضا وسيلة لتعزيز السلام، ذلك أن الأمن والتنمية لا يمكن فصلهما”.

وأضاف السيد باريكوي أن موضوع هذه الندوة ينسجم تماما مع الأهداف التي تسعى كونفدرالية دول الساحل إلى تحقيقها، كما يندرج ضمن أجندة الاجتماعات الوزارية وفرق العمل الوطنية في المغرب وبلدان الساحل المعنية بشأن استراتيجيات وتخطيط وتمويل وتنفيذ المشاريع ذات الأولوية لهذه البلدان.

من جانبه، أبرز القائم بالأعمال في سفارة المغرب بالنيجر، جعفر الدباغ، الرؤية الإفريقية للمملكة القائمة على السيادة والتضامن الفعال والتعاون ذي المنفعة المتبادلة، مشيرا إلى أن المبادرة الملكية لتسهيل ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي تنسجم تماما مع هذه الرؤية الإفريقية تحت القيادة المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.

وأشار السيد الدباغ إلى أن “هذه المقاربة الملكية تقطع مع القراءات الخارجية التي لطالما اختزلت منطقة الساحل في مجرد إشكالية أمنية، إذ تقترح المبادرة المغربية قراءة أخرى، وهي القراءة المتعلقة بفضاء يزخر بالإمكانيات، شرط أن تكون مترابطة ومندمجة وأن يتم تثمينها”.

وأكد الدبلوماسي المغربي أن بلدان الساحل رحبت بهذه المبادرة بوضوح كبير ودعم صريح، لا سيما وأنها تعتبرها فرصة للسيادة الاقتصادية، ودعامة للتحول الهيكلي، واستجابة للقيود التي تفرضها العزلة الجغرافية، لافتا إلى أن التزام هذه البلدان يجسد إرادة سياسية قوية لدمج المنطقة في ديناميات التنمية المحلية بدلا من آليات المساعدة الخارجية.

وأوضح أن هذا الولوج الميسر إلى المحيط الأطلسي ليس مجرد ممر بحري، “بل إنه يحمل في طياته إمكانية تحويل الاقتصادات المحلية إلى اقتصادات مفتوحة، وربط المناطق غير الساحلية بسلاسل القيمة العالمية، وتحسين الأمن الغذائي من خلال تأمين التدفقات، وتمكين دول الساحل من طريق لوجستي سيادي وتنافسي”.

وأشار السيد الدباغ إلى أن عملية تفعيل هذا المشروع جارية بالفعل، مذكرا بانعقاد ثلاثة اجتماعات وزارية، أولها في مراكش بالمغرب عام 2023، ثم في نيويورك عامي 2024 و2025، على هامش مناقشات متعددة الأطراف.

ووفقا للدبلوماسي المغربي، فقد مكنت هذه الاجتماعات من تحديد الإطار المنهجي، والمحاور ذات الأولوية، وبحث خيارات الحكامة، وإطلاق الأشغال التقنية الأولية التي تهم مخططات اللوجستيك والموانئ والطاقة والأمن.

وسجل السيد الدباغ أن هذه الندوة، التي تندرج تماما ضمن هذه الدينامية، تروم تعميق فهم الرهانات، وإثراء النقاش الاستراتيجي، ومواكبة الترجمة الملموسة للرؤية الملكية إلى واقع عملي.

من جهته، أكد مدير المركز الوطني للدراسات الاستراتيجية والأمنية، العميد محمدو نوحو باكو، أن المبادرة الملكية الأطلسية، الرامية إلى منح مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، وهي بلدان غير ساحلية، منفذا إلى المحيط، ستُحدث تحولا جذريا في اقتصادات هذه البلدان والمنطقة بأسرها.

وأكد السيد باكو أن الولوج إلى المحيط الأطلسي يمثل رهانا استراتيجيا عالميا يرتبط بالاستقرار الإقليمي، والأمن التجاري، والتكامل الاقتصادي، ورفاهية الساكنة، مضيفا أن هذا الممر من شأنه أن يشكل رافعة للتعاون الإقليمي، ومحفزا للتنمية المستدامة، وعاملا لتعزيز قدرة بلدان الساحل على الصمود.

من جهة أخرى، قال مدير المركز إن “هذه الندوة تتجاوز الإطار الأكاديمي التقليدي، إذ تسعى إلى أن تكون منصة حيوية للحوار وتبادل الخبرات ومناقشة الأفكار. “إنها تتيح لنا جميعا فرصة التفكير معا، وابتكار حلول ملموسة، وبناء جسور متينة بين بلداننا ومؤسساتنا”.

وخلال هذه الندوة، قدم الأستاذ الجامعي المغربي، محمد أمين بالمبو، عرضا حول الرهانات الاستراتيجية واللوجستية للمبادرة الملكية الأطلسية، ونقاط القوة وجودة البنية التحتية للموانئ ومنصات الخدمات اللوجستية في المملكة، فضلا عن أهمية ممرات النقل في فك العزلة عن بلدان الساحل.

وفي هذا الصدد، سلط الأكاديمي المغربي الضوء على ميناء طنجة المتوسط، الذي يعد ركيزة أساسية لهذه المبادرة، إذ يعالج نحو 35 في المائة من التجارة الإفريقية مع بقية العالم، ما يبرز موقعه الاستراتيجي كبوابة للبضائع الواردة إلى القارة والصادرة منها.

وأكد السيد بالمبو أن هذا الميناء يضطلع بدور محوري في مجال التجارة بغرب إفريقيا، حيث يوفر بنية تحتية ذات مستوى عالمي ويزيد من قدرة المنطقة على مناولة البضائع، مما يسهل التبادل التجاري قاريا ودوليا على نطاق واسع.

وأوضح أن المبادرة الملكية الأطلسية ستحظى بدعم ميناء الداخلة الأطلسي، المقرر تشغيله عام 2029، بطاقة استيعابية سنوية تقدر بـ 35 مليون طن، ما يجعله أحد أكبر الموانئ في المملكة المغربية.

  وخلص الأكاديمي المغربي إلى القول “إن المستقبل الاقتصادي لمنطقة الساحل والصحراء سيعتمد، بشكل كبير، على الاستثمارات في البنية التحتية العابرة للحدود ومتعددة الأنماط، لا سيما من خلال تنويع شبكة الطرق والنقل البحري والسكك الحديدية”.

  وتميزت هذه الندوة بمشاركة المستشار الدبلوماسي الخاص لرئيس جمهورية النيجر، والعديد من الدبلوماسيين المعتمدين لدى النيجر، وممثلين عن مختلف الوزارات النيجرية.

اترك رد