همجيتهم
بقلم: عاصم يوسف
وأنت تتحدث معهم وتناقشهم من أجل الوصول إلى قناعة فكرية أو إعتقاد راسخ وقوي في موضوع ما، ينكرون عليك ويستهزئون منك و ينبذونك ويرفضون أن يتفقوا معك في شيء لا لشيء سوى لأن رؤوسهم مكلسة ومغلقة بالكبر والغرور، وبالتالي فإنهم يتهمونك بأنك لست منهم أو بأنك شيعي كافر أو صوفي ماكر أو علماني مرتد فاجر. وكأنهم هم المتحدثون باسم السماء وهم قضاة الله في الأرض.
يورث الجهل بالدين وبمقاصده وغاياته وأبعاده الكثير من المغالطات الخطيرة والمدمرة لدى هؤلاء الذين يظنون أنهم على حق وأنهم يملكون الحقيقة فيما سواهم ضالين ومسخوط عليهم إلى يوم الدين. وتتجلى همجية هؤلاء، بشكل واضح، في فكرهم وثقافتهم و سلوكهم. فأنت عندما تحاول التعبير عن رأي أو موقف ما، فإنهم يقمعونك ويرهبونك. وحين تحاول أن تحتج ضد “المرسومين”، لم يأخذا بعين الإعتبار الواقع المعيشي لظروفك الإجتماعية والمادية المزرية ولا مستقبل المدرسة العمومية، تهطل عليك هرواتهم لتهشم عظامك وتكسر رأسك حتى تسيل دماءك وتبكي بملئ فيك كطفل صغير وبعدها تكره يوم ولدت فيه في هذا الوطن، وأنت الذي كنت ومازلت تنتمي إلى مداشر المغرب العميق، و أنت الذي كنت تقطع عشرات الكيلومترات صباحا ومساء في الخريف وفي الصيف ببطن جائع وثياب رثة وحذاء بالٍ و قديم لم يكن يناسب حتى مقاس قدميك المتورمتين من شدة البرد والعمل الشاق حافيا. هم لهم المناصب العليا والسلطة والمال والإمتيازات والمشاريع وكل شئ- فليضحكوا و ليقهقهوا- أما أنت فعليك أن ترضى بكل شيء يقرروه ويسنوه كقاعدة أوكقانون يوهمونك بأنه يخدمك ويخدم المصلحة العليا للبلاد. والويل والتبور لك إذا تجرأت ووقفت محتجا أمام البرلمان تصرخ من أجل عمل شريف تحصل من خلاله على بعض الدريهمات لكي توفر خبزك اليومي، لأنهم سوف يتسلطون عليك بدون رأفة وبدون رحمة سيركلونك ويضربونك وكأنك كلب مسعور لا يجب أن ينبح حتى لو شعر بألم الجوع.
ونلمس الهمجية في أوساطنا كفكر وكثقافة وكسلوك رجعي و متخلف. فأنت لا يجب أن تعبر عن رأي أو تبديه لأنه في ظل الإستبداد والفساد لا يسمح لك بأن تعارض أي شيء لأن ذلك من شأنه أن يشكل تهديدا للنظام العام وللقواعد المتبعة والمعتمدة في التدجين والإخضاع. ف”اللون” الذي يجب الإيمان والإعتقاد به هو اللون الذي يضعه المخزن، أما الألوان الأخرى فتبقى ألوانا عرضية وموهمة للناس بأن هناك ” تغييرا”، نعم هناك تغيير!!!. في حين إن الموطنين البسطاء وأبناءَهم مازالوا يعانون ويتألمون كل يوم ولا أحد يشعر بهم ولا يتأسف لحالهم. فهؤلاء المواطنون البسطاء ليست لديهم – على ما يظهر في كل يوم- حقوق وحتى إذا بحثوا عنها في ردهات المحاكم لا يجدون سوى محامٍ فاسد و مبتز ليوكلوه ليعمل وسيطا مع قاضٍ لا يعرف شيئا في القضاء والعدل إلا لغة المال .
تشهد هذه الأيام الإعتداءات القمعية والهمجية التي يتعرض لها الأساتذة المتدربون في وقفاتهم النضالية، وكيف أن الحكومة بعد أن سرقت أحلامهم مازالت تمارس عليهم التفقير والتجويع بعدم صرف المنح لهم حتى هذه اللحظة وتتمادى في تعنتها بعدم الإكثرات والإستجابة لمطالبهم التي يعتقد القاصي والداني بأنها قانونية ومشروعة. لكن لا أحد يحاسب المسؤولين على ما سببوه من جروح مادية ونفسية في حق هؤلاء الأساتذة المتدربين الذين يخرجون للإحتجاج بطرق سلمية تصب كل شعاراتها حول مسألة إسقاط “المرسومين” اللذين ينذران بخنق إجتماعي في المستقبل القريب في ظل تفاقم ظاهرة البطالة و العطالة، والزيادات المتتالية في الأسعار التي تنتجها قوانين الحكومة دون أن تراعي الدخل الشبه منعدم للآلاف بل لملايين الأسر المغربية التي تضحي ليدرس ويتعلم أبناؤها حتى يكونوا مصدر رزق قار لإعالتهم ومساعدتهم، لكن الحكومة تتشبت بمرسوميها دون محاسبة نفسها والتراجع عنهما. إذا كانت الحكومة تخدم المواطن وتسهر على مصالحه- كما تدعي- فلماذا لا تسجيب لكل هؤلاء الذين إحتشدوا بالآلاف في الدار البيضاء بالأمس القريب، ومن قبل في مسيرات أخرى جابت كل ربوع المملكة وصرخوا بصوت واحد: ” لا للقمع، لا للهمجية… الشعب يريد إسقاط المرسومين”؟