السغروشني لـ”أفريكان بيزنس”: المغرب يقود ثورة الذكاء الاصطناعي في إفريقيا

أجرت وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أمل الفلاح السغروشني، حوارا مع مجلة “أفريكان بيزنس”، إحدى أبرز الدوريات المتخصصة في شؤون الأعمال بالقارة الإفريقية، والتي تعد مصدرا مرجعيا لرجال الأعمال وصناع القرار في إفريقيا. وقد سلط هذا الحوار الضوء على عدد من الرهانات والتحديات المرتبطة بالرقمنة والذكاء الاصطناعي في المغرب.

في مستهل الحوار، أبرزت المجلة أن المغرب، في إطار سعيه الحثيث لبناء نموذج تنموي جديد يقوم على الابتكار، قد كشف في شتنبر الماضي، عن استراتيجيته الوطنية للانتقال الرقمي تحت شعار “المغرب الرقمي 2030”. وهي خطة متعددة الأبعاد تهدف إلى تسريع تحديث الإدارة العمومية، وتمكين الاقتصاد الوطني من فرص الثورة التكنولوجية، وتعزيز مكانة المغرب كقطب رقمي إفريقي قادر على جذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز منظومة الابتكار الوطنية.

وبعد أسابيع قليلة من إطلاق هذه الاستراتيجية، تم تعيين الدكتورة أمل الفلاح السغروشني وزيرة للانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة. وهي شخصية مرموقة في مجال الذكاء الاصطناعي، تشدد في أكثر من مناسبة على أن هذا الأخير لم يعد خيارا، بل أصبح ضرورة ملحة لإنجاح التحول الرقمي وإصلاح الإدارة المغربية.

وفي هذا السياق، أوضحت الوزيرة أن “تحقيق الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة هدفان أساسيان للحكومة، ولا يمكن تصورهما اليوم دون إدماج الذكاء الاصطناعي كأداة مركزية في هذا المسار”. وأضافت أن المغرب يستعد للمستقبل من خلال خطة رقمية طموحة تمتد لخمس سنوات.

وتطرقت السغروشني إلى تحد كبير يواجه الإدارة المغربية، يتمثل في وجود أكثر من 30 مليون وثيقة رسمية ورقية، من بينها عقود الازدياد المكتوبة بخط اليد والتي يصعب معالجتها رقمياً. وللتغلب على هذا التحدي، يتم اعتماد تقنيات المعالجة الآلية لهذه الوثائق، حيث بلغت نسبة الدقة نحو 88%، مع تدخل بشري لتصحيح النسبة المتبقية. و هذا المشروع يعد نموذجا أوليا لإدماج الذكاء الاصطناعي في صلب العمليات الإدارية.

كما أكدت الوزيرة أن الحكومة تعمل على تكوين 5000 موظف بالإدارة العمومية بشراكة مع منظمة اليونسكو، بهدف نشر الثقافة الرقمية داخل المرافق العمومية وتعزيز الكفاءات الرقمية الوطنية.

وفي سياق متصل، أشارت الوزيرة إلى أن الأمية تعد من أبرز العوائق التي تحول دون ولوج فئات واسعة من المواطنين إلى الخدمات العمومية، خاصة في المناطق القروية. فرغم التقدم المسجل في هذا المجال، لا يزال معدل الأمية في حدود 24.8% على المستوى الوطني، ويرتفع إلى 38% في الوسط القروي. وهنا ترى السغروشني أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يوفر حلا فعالا، حيث يمكن للمواطنين استعمال رسائل صوتية تحول آليا إلى نصوص ترسل إلى الإدارات، مما يسهل التفاعل مع هذه الخدمات دون الحاجة إلى القراءة أو الكتابة.

وتضيف أن هذه الأدوات من شأنها أن تردم الفجوة الرقمية بين المدن والقرى، وتعيد بناء الثقة بين المواطن والإدارة، مشيرة إلى أن إصلاح الإدارة لا يمكن أن يتحقق دون تبسيط المساطر وتقريب الخدمات من المواطن عبر قنوات رقمية شاملة وسهلة الاستخدام.

وبخصوص المخاوف المرتبطة بتأثير الرقمنة على الهوية الثقافية، أكدت الوزيرة أن العكس هو الصحيح، كاشفة عن توقيع اتفاقية تعاون بين الوزارة والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية من أجل رقمنة التراث الثقافي الوطني. وأوضحت أن “الثقافة في المغرب وأفريقيا تنقل شفهيا، وإذا لم نبادر إلى تسجيلها وتحويلها إلى محتوى رقمي، فإننا نخاطر بفقدانها”.

ورغم هذه الإنجازات، شددت السغروشني على أن أكبر التحديات اليوم يتمثل في تطوير بنية تحتية رقمية وطنية. ولهذا تعمل الحكومة على استقطاب استثمارات كبرى في مجال مراكز البيانات، من بينها مشروع ضخم لشركة “لويدز كابيتال” لبناء مركز بيانات في منطقة طنجة باستثمار يتجاوز 16 مليار دولار، وقد يضم شركاء عالميين مثل “نفيديا”. كما افتتحت شركة “أوراكل” مركزا للبحث والتطوير في الدار البيضاء يشغل حوالي 1300 مغربي في مجالات الحلول الرقمية.

وتطمح الوزيرة إلى إنشاء ثلاثة مراكز بيانات رئيسية بالمغرب: واحد في الشمال، وثان في بنجرير، وثالث في الداخلة جنوب البلاد، وهي خطوة استراتيجية من شأنها أن تغطي الاحتياجات الرقمية الوطنية وتمكن المملكة من تقديم خدمات رقمية لدول إفريقية وأوروبية على السواء.

واستنادا إلى هذا الزخم، تقول السغروشني، تم اختيار المغرب من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (PNUD) ليكون المركز العربي-الإفريقي للذكاء الاصطناعي، وهو اعتراف دولي بالدينامية المغربية في هذا المجال.

كما تعتبر الوزيرة أن استقطاب الكفاءات الرقمية من الجالية المغربية بالخارج يُعد من الركائز الأساسية لهذا المشروع الطموح. وتشير المعطيات إلى أن عددا متزايدا من الكفاءات المغربية في المهجر بدأت في العودة إلى الوطن، ما يشكل فرصة حقيقية لبناء اقتصاد رقمي تنافسي.

وفي ختام الحوار، أكدت الوزيرة أن الاستقرار السياسي والمؤسساتي الذي ينعم به المغرب يُشكل بيئة خصبة لتفعيل هذه الطموحات، مشددة على أن “المغرب سيكون نموذجًا يُحتذى به في توظيف الرقمنة لخدمة التنمية، ليس فقط في إفريقيا، بل في العالم العربي وأبعد من ذلك”.

اترك رد