الضغط يولد الإنفجار .. قاعدة اجتماعية لا تسقط بالتقادم
بقلم: عمر المصادي
في عالم تتسارع فيه التغيرات وتتعاظم فيه الضغوطات على الأفراد والمجتمعات، تبرز مقولة قديمة لكنها متجددة في صدقها ومفعولها:
“الضغط يولد الإنفجار.”
إنها ليست مجرد عبارة متداولة، بل قاعدة اجتماعية ونفسية أثبتت تجلياتها عبر العصور، وهي بحق قاعدة لا تسقط بالتقادم.
ففي كل مرة يفرض فيها على الإنسان أو على المجتمع ضغوط تفوق القدرة على التحمل، دون تفريغ أو استجابة حقيقية، تكون النتيجة شبه حتمية: الإنفجار. سواء اتخذ هذا الإنفجار شكلا اجتماعيا في صورة احتجاج، تمرد…، أو اتخذ شكلا نفسيا يتمثل في الإنهيار، الإنعزال، أو حتى العنف.
ولا نحتاج إلى الرجوع بعيدا في التاريخ لنفهم ذلك، فالثورات الكبرى عبر العالم، من الثورة الفرنسية، إلى انتفاضات الشعوب ضد الإستعمار، مرورا بأحداث الربيع العربي، كلها جاءت نتيجة تراكم ضغوط سياسية واقتصادية واجتماعية فرضت على شعوب لم تجد من يسمع صوتها أو يحترم كرامتها.
لكن الأمر يصبح أكثر خطورة حين يغيب ما يعرف بـ مؤسسات الوسيط، وعلى رأسها الأحزاب السياسية، هذه الأخيرة من المفترض أن تلعب دور صمام الأمان بين المواطن والدولة، أن تعبّر عن هموم الناس، وتنقل مطالبهم، وتقترح حلولا واقعية من داخل المؤسسات.
غير أن ضعف هذه الأحزاب أو انشغالها بصراعاتها الداخلية، أو تحولها إلى أدوات شكلية، يجعل الفرد يشعر بالعزلة السياسية، ويدفع بشكل غير مباشر إلى الشارع للتعبير عن مطالبه، بعد أن فقد الثقة في القنوات التقليدية.
إن الإنفجار، سواء كان فرديا أو جماعيا، لا يحدث فجأة، إنه نتيجة طبيعية لمسار طويل من التراكمات، الإهمال، والصمت، وما لم تتم معالجة مسببات الضغط من جذورها، فإن الإنفجار قادم لا محالة، فقط يختلف التوقيت والشكل، وفي ظل غياب الأحزاب الفاعلة والنقابات المستقلة ومؤسسات الوساطة المجتمعية، يصبح الشارع هو الملجأ الوحيد للتنفيس.
إن المجتمعات التي تسعى إلى الإستقرار الحقيقي، لا تكتفي بقمع مظاهر الإحتجاج أو التمرد، بل تبحث عن أسبابه وتحاول تفكيكه بالحوار والإصلاح. وكذلك الأمر بالنسبة للأفراد، فدعمهم نفسيا، وتوفير بيئة آمنة للتعبير، وتقدير مجهوداتهم، كلها عوامل تساهم في تقليل الضغط وتجنب آثاره المدمرة.
كما أن إعادة الإعتبار للأحزاب السياسية كمؤسسات وسيطة فاعلة، وإصلاح آليات الوساطة بين المواطن والدولة، أصبح ضرورة حتمية لا تقبل التأجيل، إذا ما أردنا مجتمعات متوازنة ومستقرة.
الضغط يولد الإنفجار… إنها ليست مجرد حكمة، بل تحذير اجتماعي وسياسي لا ينبغي تجاهله، فكل ضغط غير معالج هو قنبلة موقوتة، وكل صوت مكتوم هو صرخة مؤجلة.
لذلك، فإن الطريق نحو مجتمعات أكثر أمنا واستقرارا يمر أولا من خلال تفهم الضغوط، وتفعيل مؤسسات الوساطة، والإنصات الحقيقي لهموم الناس قبل أن يفوت الأوان.