بلاغ حزب الاستقلال: التزام وطني قوي… لكن أين الاجتهاد السياسي؟

بالواضح – سلوى فاتح

جاء بلاغ اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، الصادر عقب اجتماعها يوم الثلاثاء 29 يوليوز 2025 بمدينة تطوان، تعبيرًا عن التزام وطني واضح ومسؤول في مواكبة مضامين الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربع جلالة الملك محمد السادس على العرش. بلاغ حمل إشادة قوية بالرؤية الملكية في مجالات التنمية والوحدة الترابية والعلاقات المغاربية، وأعلن بوضوح تعبئة الحزب خلف أولويات المرحلة.

غير أن القراءة المتأنية لهذا البلاغ تطرح سؤالًا مشروعًا حول مدى حضور الاجتهاد الحزبي السياسي في صياغة مواقف الحزب، وقدرته على مرافقة التوجيهات الملكية برؤية مستقلة، واقتراحات عملية، ومواقف تُثري النقاش العمومي، وتعزز دينامية المشهد السياسي الوطني.

فالبلاغ، رغم انضباطه السياسي وخطابه المسؤول، اكتفى في الغالب بإعادة صياغة الأفكار الكبرى للخطاب الملكي بلغة إنشائية، دون أن يُبرز موقع الحزب منها بصفته قوة اقتراحية. لم نلمس مثلًا تصور الحزب لكيفية الانتقال إلى نموذج تنموي مندمج، ولا لمقترحاته بشأن تأهيل المجالات الترابية، أو خطته للإسهام في الحد من الفوارق الاجتماعية، أو أدواته لتفعيل دعوة جلالة الملك إلى تطوير المنظومة الانتخابية.

لقد حرص البلاغ على تأكيد دعم مبادرة الحكم الذاتي والتصدي للمناورات الإقليمية، وهذا موقف ثابت ومبدئي، لكنّه لم يُرفق برؤية دبلوماسية حزبية، أو مقترحات لتعزيز التعبئة المجتمعية والسياسية حول هذه القضية المحورية.

وفي الشق المتعلق بإصلاح الحقل السياسي، بدا البلاغ وكأنه يعكس انتظارًا أكثر مما يعبر عن موقف، إذ لم يحدد الحزب أفقه أو مطالبه بشأن الإصلاحات الانتخابية والمؤسساتية، في وقت تمثل فيه دعوة جلالة الملك إلى التشاور المبكر فرصة حقيقية لإعادة بناء الثقة بين الناخبين والمؤسسات المنتخبة، ولطرح تصورات جريئة بشأن تجديد النخب وتعزيز مصداقية العمل الحزبي.

السؤال المطروح هنا ليس عن موقف التأييد، فهذا أمر محسوم في السياق الوطني ومُقدّر في خطه العام، بل عن كيفية التعبير عن هذا التأييد بطريقة تؤكد أن الأحزاب ليست فقط أطرافًا داعمة، بل شركاء فاعلون، يضيفون إلى الرؤية الملكية قوة التنفيذ ومهارة الاقتراح.

إن التحديات التي تواجه بلادنا في المرحلة المقبلة، من عدالة مجالية، وتدبير مائي، وتماسك اجتماعي، وتجديد ديمقراطي، تستدعي من الأحزاب أن تتجاوز البلاغات البروتوكولية نحو بلاغات سياسية تفتح النقاش، وتطرح الحلول، وتعيد الثقة في العمل الحزبي كرافعة وطنية أصيلة.

بلاغ حزب الاستقلال جاء في لحظة رمزية، لكنه مرّ وكأنه لم يُقِم وزنًا كافيًا لدوره التاريخي ومكانته الوطنية كأحد الأعمدة الراسخة للحياة السياسية في المغرب.

اترك رد