الكل تابع، ولازال، فصول قضية المدعو ابراهيم غالي زعيم مرتزقة البوليساريو، وكيف تم إدخاله الترابَ الإسباني بهوية مزورة بتواطئ بيّن بين الجزائر ومدريد، وكيف تم تكييفها من قبل الخارجية الاسبانية بدواع “إنسانية”، ناسية أو متناسية بالأحرى الجرائم “اللاإنسانية” التي اقترفها زعيم المرتزقة، في حق الساكنة المحتجزة بتندوف، والتي باتت حديث القاصي والداني.
الحكومة الاسبانية وأمام الصدى المدوي لفضيحة ادخالها مجرم حرب ومجرم الانسانية بهوية مزورة بغرض التستر والتهرب من المتابعة القضائية أو بالأحرى التكتم أمام الأعين المغربية اليقظة، لم تجد إذن من بدّ رفع يدها أمام فضيحتها السياسية، لترمي أخيرا الكرة باتجاه مربع القضاء الاسباني المغلوب على أمره لكي يدلو بدوله ويفعّل المتابعة ويستدعي “المجرم” بالمعنى القضائي والسياسي والانساني “ابراهيم غالي”.
أمام هذه التطورات وبفعل المتابعة المغربية اليقظة إضافة إلى أصوات ضحايا جرائم “غالي” التي صدحت حناجرها في مختلف الشوارع الاسبانية، لم تجد المحكمة الوطنية بدورها سوى سلوك الطريق ذاته الذي سلكته الحكومة الاسبانية، في ضرب صارخ لمبدإ استقلالية القضاء وفصله عن السياسة، حيث تابعنا عن كثب كيف تبحث العدالة الاسبانية عن مسوغات ومبررات تأجيل استدعاء زعيم البوليساريو، حيث تارة ما نسمع أن ذلك مرتبط بدواع صحية، وتارة الى التمليح بعدم الاختصاص في قضايا مرتبطة بأشخاص لا تتوفر لديهم الإقامة أو الجنسية، ناسية أن هناك قضية أخرى مرتبطة بدخول التراب الاسباني بهوية مزورة وهذه الجناية تدخل في صلب اختصاص القضاء، وبالتالي لم يعد هناك من داع أمام التملص أو التهرب، باعتبار جريمة التزوير ثابتة، ومثبتة بتقرير الشرطة الاسبانية.
وإزاء هذا التطورات، لاحظنا ذلك “التضايق والاختناق” الذي انتاب الكيان الاسباني، سواء على المستوى الحكومي أو القضائي، جسده الارتباك الواضح في كيفية التعاطي مع هذا الملف من خلال التهرب والتأجيل، انتهى أخيرا إلى تحديد الفاتح من يونيو موعدا جديدا لاستدعاء غالي، لتمنح لذاتها فترة تجاوزت الثلاثة أسابيع لأخذ نَفَس لها من اجل التخفيف من “الاختناق” والورطة الاسبانية من فضيحة احتضانها لمجرم تطارده تهمه الثقيلة من كل جانب.
هي إذن ثلاثة أسابيع تفصلنا عن مثول “المطلوب” غالي أمام العدالة، ولن يبقى أي مبرر أمام الإسبان أمام تهرب أو تأجيل، أو بالأحرى، التفكير في اقتراف، لا سمح الله، تهريب غالي إلى خارج اسبانيا، لأن مدريد تكون هنا قد أقدمت على إحراق الأخضر واليابس في علاقتها مع المغرب، وهي تعي هذا الأمر جيدا، خاصة وأنها مسؤولة عن حدودها سواء البرية منها أو البحرية أو الجوية، لاسيما، وأنه سبق للمغرب وأن توجه لها بخطاب صريح بعدم المجازفة بجار استراتيجي تجمعها معه اتفاقيات شراكة امنية واقتصادية متعددة وحسن الجوار، لحساب شخص سيئ الذكر والسمعة اسمه محمد بن بطوش أو بالأحرى ابراهيم غالي.
على الاسبان معرفة مصلحتهم جيدا، فإن كانت مدريد قد منحت لنفسها ثلاثة أسابيع للتفكير بين جار استراتيجي وشخص متابع قضائيا، فذلك شأنها، ولكن عليها أن تفهم بأن ليس هناك مساحة رمادية بينهما، فضلا عن التفكير في جرم أكبر من جرم غالي بحد ذاته، وهو التخلص منه وتهريبه!!