المسؤولية الجنائية للمهندس المعماري في ضوء التسريع والعمل القضائي
بقلم: محمد مناوي
تقديم حول الكتاب
يعتبر الكتاب المعنون بـ”المسؤولية الجنائية للمهندس المعماري في ضوء التسريع والعمل القضائي” من بين المؤلفات النادرة التي تحدثت عن المسؤولية الجنائية للمهندس المعماري باعتباره “كل شخص أذن له من طرف الإدارة بممارسة مهنة المهندس المعماري وهذا الإذن لا يمكن إعطاؤه إلا بعد التأكد من أن صاحب الطلب تتوفر فيه مجموعة من الشروط نذكر منها على الخصوص حصوله على دبلوم مهندس معماري مسلم او معترف به، لأنه العقل المدبر لمشروع البناء خصوصا في الحالات التي يتولى فيها مهمتي التخطيط والإشراف معا.
ومن هنا تظهر أهمية المهندس المعماري في مجال التشييد والبناء لكونه يساهم في جودة المباني وخدمة قطاع الإسكان وإيجاد السبل الكفيلة بوضع حد أو على الأقل التخفيف من الأزمة الخانقة التي يعاني منها هذا القطاع وتوفير الأرضية الملائمة التي تمكن المنعشين العقاريين من الاستثمار في هذا الميدان، كما أن إتجاه المشرع في هذا المجال أملته عدة عوامل اجتماعية وإقتصادية من قبيل ارتفاع معدل النمو الديمغرافي ونزوح سكان البوادي والأرياف نحو المدن وما ترتب عن ذلك من ظهور أزمة السكن نظرا لإختلال التوازن بين العرض والطلب في هذا القطاع فكان لا بد من التدخل لإيجاد حل لهذه الأزمة عن طريق فسح المجال للإستثمار العقاري، إلا أن المجهودات المبذولة في هذا الإطار لم تكن تخلو من سلبيات سواء على المستوى الإجتماعي أو الإقتصادي، ذلك أن فتح الباب على مصرعيه لمختلف المستثمرين والمنعشين العقاريين نتج عنه ظهور المضاربات العقارية واحتكار السوق، مما نتج عن ذلك عدة تجاوزات وتداعيات تشكل جرائم تختلف باختلاف طبيعتها وشخص مرتكبها.
فميدان التعمير يجسد المظهر الحقيقى لتقدم الحضارات، إذ يتم من خلاله إبراز القيمة الإبداعية للإنسان في مجال البناء والعمران، فتم انشاء المباني بأشكالها وأحجامها المختلفة من منازل وفنادق ومصانع وجسور وأبراج وغيرها، ورافق ذلك استخدام الوسائل العلمية والتكنولوجيا الحديثة في أعمال البناء والتشييد مما كان له أثر في سرعة إنجاز المشاريع المعمارية وتداخل تركيبها وتعقده في بعض الأحيان. غير أن قطاع التعمير والبناء خلال السنين الأخيرة عرف حالة من نوعا من الفوضى والتسيب والتي ساهم في تحقيقها وترسيخها، بشكل أو بآخر بعض المهنيين من المهندسين المعماريين الذين يخالفون مضمن التصاميم الهندسية المصادق عليها لإرضاء زبنائهم والأهم من ذلك أنهم لا يشرفون إلا على المشاريع خاصة المجموعات السكنية منها والمربحة ، دون الأخذ بعين الاعتبار النوعية الحضرية والجودة المعمارية، وكل ذلك بهدف الكسب والربح السريع متجاهلين بذلك ما قد يسببه كل ذلك من ضرر لأرواح الناس، وعلى أقل تقدير ما قد يصيب أموالهم وممتلكاتهم من ضرر . ويهدف التدخل الجنائي في مجال البناء والتعمير إلى حماية المصالح وتشجيع الإستثمار
الاقتصادي، بالإضافة إلى مساهمته في حل مشكلة الإسكان مع ما يرتبط بذلك من مشكلات إجتماعية كأن يضفي حماية مصالح المستهلكين في هذا القطاع من الأنشطة بالإضافة إلى حماية الحق في الحياة والحق في السلامة الجسدية للأشخاص، سواء تعلق الأمر بشخص المالك أوالمستأجر أو العمال في البناء، بالإضافة إلى الأغيار الأجانب الذين يمكن أن يتعرضوا للضرر في حياتهم أو سلامتهم الجسمانية عند انهيار المبنى . ومن الثابت والمؤكد أن المهندس المعماري يكون مسؤولا جنائيا على خرقه للنصوص والقوانين المعمول بها في ميدان البناء والتعمير إما عن طريق الإشراف على البناء دون استكمال اجراءات الترخيص أو دون احترام الضوابط العامة للبناء، أو بخرق الضوابط والمواصفات الفنية الخاصة المنصوص عليها في قوانين التعمير وخاصة تلك المتعلقة بمتانة المباني وسلامتها، نظرا لما قد يسببه عدم احترام المهندس المعماري المشرف على مشروع البناء، للمقاييس الهندسية، وغشه في مواد البناء، أو استعمال مواد بناء محظورة، من أضرار جسيمة يترتب عنها خسائر في الأرواح والأموال قد تصيب صاحب البناء، أو قد تصيب الغير من عمال أو الغير الأجنبي عن عملية البناء.
والسؤال الذي يطرح نفسه يحوم حول طبيعة المسؤولية الجنائية للمهندس المعماري في ميدان البناء. وهذا الامر هو ما أجابنا عنه هذا المؤلف الجديد الذي يحمل عنوان ” المسؤولية الجنائية للمهندس المعماري في ضوء التشريع والعمل القضائي لما للموضوع من أهمية وراهنية تتطلب شجاعة من المؤلف حتى يأخذ غمار البحث في مثل هذه المواضيع خاصة المسؤولية الجنائية للمهندس المعماري كصاحب مهنة تقنية وفنية، من جهة ومن جهة أخرى الفراغات العديدة على مستوى النصوص التشريعية والعمل القضائي.