الميراوي ومرابط بين البحث وإدارة البحث

بالواضح

تفاعلا مع تصريح وزير التعليم العالي الذي قال فيه (ملي كيكون عندنا واحد المسار علمي شويا ضعيف، خصنا نتخبو شويا ونسكتو..) موجها كلامه ضمنيا لرئيس جامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس… بغض النظر عما ينطوي عليه كلام الوزير من تعالي واستخفاف بالغير، وهل يليق هذا الكلام بوزير أم لا، لكنه دون شك هو كلام مستفز، وفيه أذى ليس فقط للمرابط الذي كان رئيسا لجامعة محمد الخامس-سوسي بالرباط لمدة طويلة قبل أن يترأس جامعة فاس، بل هي إساءة لأسرة هذه الجامعة كلها…
القضية ليس من ينشر أكثر بالنسبة لمنصب الجامعة، بل في حسن إدارة الجامعة ومشاريع بحثها، لذلك كان على الوزير لو كان منصفا أن يقيِّم تجربة الرئيس السابق لجامعة سيدي محمد بن عبد الله وليس التعليق على ملفه العلمي…

لا يشترط القانون المنظم للتعليم العالي أن يكون رؤساء الجامعات الحكومية أساتذة جامعيين. الجامعة تتبعها العديد من الكليات والمعاهد والمدارس العليا في تخصصات متنوعة جدا، وتحتاج إلى من يديرها بشكل جيد ويلهم باحثيها، لذلك لم يشترط القانون المغربي أن يكون رئيس الجامعة أستاذا باحثا، بل قد يأتي من خارج الجامعة؛ بينما يشترط القانون في المترشح لمنصب عميد الكلية ومدير المعهد والمدرسة العليا أن يكون أستاذا جامعيا بدرجة أستاذ التعليم العالي (أستاذ دكتور professor) لأنه ينبغي أن يكون شديد الصلة بتخصصات تلك الكلية…

نجاح البحث العلمي في الولايات المتحدة مثلا يعود في جانب منه إلى التمييز بين مهام البحث العلمي وبين إدارة البحث، وربع (1/4) رؤساء الجامعات الأمريكية اليوم هم من خارج الجامعات ولم تكن لهم خبرة سابقة في إدارة كلية أو جامعة.
دون شك كما قلت في هذا المقطع من المحاضرة (المنشورة أسفله) فكلما كان رئيس الجامعة ناجحا علميا وأكاديميا إلا وانعكس ذلك إيجابيا على حسن تدبيره للجامعة. لكنها ليست نتيجة تلقائية، بل محتملة جدا.

هل لا بد أن يكون رئيس الجامعة باحثا غزير الانتاج؟ الجواب: لا

المطلوب في رئيس الجامعة القيادة leadership والإدارة management للشؤون العامة للجامعة بما في ذلك البحث العلمي.
خذ مثلا الرئيس الحالي لأفضل وأغنى جامعة في العالم، جامعة هارفارد، (Lawrence S. Bacow) لم ينشر إلا 7 أبحاث في مجلات مفهرسة في بيانات Scopus، وآخر بحث نشره كان في 2016؛ بينما نجد بالمقابل رئيس جامعة شيكاغو (Paul Alivisatos) نشر أكثر من 410 بحث مفهرس ومعامل تأثيره (h-index) في scopus هو 61 وهذا معامل مرتفع جدا، واحتل المرتبة الخامسة بين أفضل 100 كيميائي في العالم للفترة 2000-2010 في القائمة التي أصدرتها شركة طومسون رويترز المالكة لبيانات web of science، وهذا ليس غريبا لأن تخصصه الكيمياء الذي يُنشر فيه كثيرا وجماعيا، عكس تخصص رئيس جامعة هارفارد الذي هو الاقتصاد والقانون.
لذلك لا يمكن المقارنة بين الباحثين من حيث النشر مع وجود فارق التخصص، وحتى عندما نكون أمام باحث غزير الانتاج لا بد أن نتحقق من حجم مساهمته فيها.

نعود إلى قضية الوزير الميراوي والرئيس مرابط.
رضوان مرابط نشر حسب بيانات سكوباس عددا من الأبحاث المفهرسة، بينما نشر الميراوي عددا أكبر منه بكثير، لكن لا يظهر في الأبحاث التي توجد على حساب الميراوي على سكوبس والتي نشرت منذ 2018 اسمه إلا في ذيل كوكبة من الباحثين، فهو ليس الباحث الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع …. وهذا يطرح أكثر من علامة استفهام! النشر المشترك مطلوب ومحمود، لكن الباحث حتى يؤكد جدارته لا بد أن تكون له أبحاث يظهر فيها اسمه باعتباره الكاتب الأول first author، وهناك أيضا فرق كبير بينهما في مجال التخصص…

لذلك لا بد أن نميز كما تفعل الجامعات المتقدمة بين مهام البحث ومهام إدارة البحث… وينبغي أيضا أن نفصل بين مرحلتي ما قبل تحمل المسؤوليات الإدارية والأكاديمية وما بعدها، لأنه بكل بساطة إذا وجدنا رئيس جامعة غزير الانتاج العلمي أثناء أدائه لمهامه الإدارية فهو غاش إما في البحث أو في مسؤوليته الإدارية فلا يمكن التوفيق بين البحث العلمي العميق والرصين وبين الإدارة الجيدة للجامعة متعددة المؤسسات والتخصصات، اللهم إذا تعلق الأمر بإضافة الاسم إلى ذيل كوكبة من الباحثين قد يكون منهم طلاب الدكتوراه هم الذين قاموا بالجهد الأكبر… لا أرى عيبا في ذلك، لكن على كل واحد أن يعرف مكانته الحقيقية ولا يستأسد على الغير…
المشكلة ليست في المستوى العلمي للميراوي، بل في تشكيل لجنة على مقاس لصالح صديقه كما يتهمه مرابط في شكايته إلى رئيس الحكومة، المشكلة أيضا في سياسة الانتقام كما ورد في الصحافة، وأيضا وفي كلامه المستفز الذي لا يليق بوزير وأستاذ جامعي سابق…

اترك رد