اليوم الأول في المدرسة: تحديات القلق والتكيف عند الأطفال

بقلم: سعيد الياسمني (.)

عند بداية كل عام دراسي جديد، تفتح المدارس أبوابها لاستقبال وجوه صغيرة جديدة تستكشف عالم التعليم لأول مرة. إنها لحظةمليئة بالحماس والفرح والترقب، ولكنها أيضاً قد تكون مصدراًللقلق والتوتر لدى العديد من الأطفال الذين يخطون خطوتهمالأولى نحو رحلة التعليم.

بمجرد ما يلج الطفل بوابة المدرسة لأول مرة، فإنه يغادر منطقةالراحة الخاصة به حيث الطمأنينة والأمان، ويترك خلفه عالمالمنزل المألوف، ليجد نفسه في بيئة جديدة كلياً: لايعرف أحدا ولا يملك أي شيء فيها. وهذا التغيير المفاجئ يمكن أن يثير مشاعرالقلق والتوتر لديه. الأمر الذي يجعله عرضة لحالة من الخوف منالمجهول، وطرح الأسئلة حول المكان الجديد والانتظارات..

قلق الانفصال وتكوين الصداقات

واحد من أكبر المخاوف التي تسيطر على الأطفال في هذه المرحلةهي فكرة الانفصال عن الوالدين. فبعد أن اعتاد الطفل علىوجودهم الدائم بجانبه وحضورهم في كل كبيرة وصغيرة من حياته، يصبح الابتعاد عنهم مصدراً للقلق والانزعاج. يشعر الطفلبالخوف من ترك أسرته، مما يؤدي إلى غرقه في نوبات من البكاء والصراخ المثيران أمام باب المدرسة. هذه المشاعر طبيعية وتمر بهاالغالبية العظمى من الأطفال، ولكنها قد تكون طاغية ومستمرة الأمر الذي يستدعي دعما نفسيا من الوالدين والمعلمين.

كما أن تكوين الصداقات الجديدة يمثل تحدياً آخر. فبينما يبحثالطفل عن وجوه مألوفة وسط هذا الجمع من الأطفال، قد يشعربالخجل أو التردد في المبادرة بالحديث. ويصبح القلق من الرفضأو عدم القبول من قبل الزملاء الجدد هاجساً يؤرق الطفل، مما قديؤثر على ثقته بنفسه وقدرته على التواصل الاجتماعي كما يؤثر على تحصيله الدراسي وعلى النمو السليم للمهارات الأساسية.

التكيف مع الروتين المدرسي

بالإضافة إلى التحديات العاطفية، يواجه الأطفال صعوبة فيالتكيف مع الروتين المدرسي المنظم. فبعد حياة المنزل التي تتميز غالبا بمرونتها وفي كثير من الأحيان بعشوائيتها وعدم خضوعها لضوابط ، يجد الطفل نفسه مقيداً بجدول زمني صارم،حيث يجب عليه متابعة التعليمات بدقة والانتقال بين الحصصالدراسية المختلفة. هذا الأمر يستوجب من الطفل اكتساب مهارات رئيسية كإدارة الوقت، الانتباه والتركيز، التعبير عن المشاعر، مواجهة المخاطر والمستجداتوفي الغالب معظم الأطفال يفتقرون لمثل هذه المهارات، مما يجعل مسألة تأقلم الطفل مع الروتين المدرسي أمرا صعبا ويحتاج لوقت أطول وصبر من طرف الوالدين والمعلمين.

دور الوالدين والمعلمين

للمساعدة في تخفيف حدة هذه التحديات، يلعب الوالدانوالمعلمون دوراً حيوياً في دعم الطفل خلال هذه المرحلة الانتقالية. يمكن للوالدين طمأنة أطفالهم من خلال التحدث عن المدرسةبإيجابية ودعوة أبنائهم للتعبير عن مشاعرهم، والتحضيرالمسبق للروتين المدرسي، وتقديم الدعم العاطفي اللازم. كما أناصطحاب الطفل لزيارة المدرسة قبل بدء العام الدراسي يمكن أنيساعد في تخفيف القلق من خلال تعريفه على البيئة الجديدة، وكذلك العمل على دعم وتقوية علاقة الطفل بزملائه في المدرسة.

أما المعلمون، فيقع على عاتقهم مهمة خلق بيئة دراسية داعمةومشجعة، حيث يمكنهم استخدام استراتيجيات مختلفة لمساعدةالطلاب الجدد على التكيف. مثل تكوين مجموعات صغيرةلتشجيع التفاعل الاجتماعي، وتوفير أنشطة تفاعلية لبناء الثقة،وتقديم الدعم الفردي للأطفال الذين يواجهون صعوبات في التكيف، كما أنهم بإمكانهم استغلال فضاءات اللعب والرسم والمسرح لتشجيع الأطفال على الإبداع والاستمتاع والتواصل فيما بينهم.

في الختام، إن دخول المدرسة لأول مرة هو تجربة مليئة بالتحديات والمشاعر المختلطة. ومن خلال فهم هذه التحديات،يمكن للوالدين والمعلمين العمل معاً لتوفير الدعم اللازم للأطفال،ومساعدتهم على تخطي القلق والتكيف بنجاح مع الحياةالمدرسية. بهذه الطريقة، نستطيع جعل الانتقال إلى المدرسةتجربة إيجابية ومثمرة، تمهد الطريق لمستقبل تعليمي ناجح.

(.) استشاري نفسي وتربوي

اخصائي صعوبات التعلم

اترك رد