عقوبة الإعدام بين التفاهة والتهافت

بقلم: ذ. حسن حلحول/ عضو المجلس بهيئة الرباط

خلقت الجريمة البشعة والوحشية التي وقعت في مدينة طنجة والتي ذهب ضحيتها الطفل المرحوم عدنان بوشوف، اضطرابات اجتماعية ، في المغرب من شماله إلى جنوبه، بل تعدى هذا الاضطراب الوجداني خارج الحدود، فاستنكره عبر التواصل الاجتماعي كل الناس في العالم ، فمنهم من اعتبر المجرم ، لا ينتمي إلى الفصيلة البشرية ، واعتبروه بصيغة المجاز ان الحيوان ارحم منه، بمعنى آخر عجزت الناس، وصف فعل الفاعل نظرا لبشاعة الفعل الذي أودى بطفل بريء.
بيد أن الغريب في الأمر هو أن يفقد الانسان السيطرة على عقله، هذا لو كان يملك ناصية التعقل والعقل، ويستغل هذا الاضطراب والتحاقن الحاصل في المجتمع ، فيخرج بخرجته الشاذة والنشزة، ليستفز بها المجتمع كعادته، وهذا الشخص هو عصيد ذلك عندما دون على حائطه المليء بالطبع (تعني الوسخ الشديد) ويعتبر المجتمع الذين أجمعوا على وحدة طلب تطبيق عقوب الإعدام بالوحوش، لا يقلون وحشية عن مرتكب الجريمة .
فإذا كان هذا هو منطق الباحث والمفكر حسب علم الطباع، الذي يبحث في شخصية الانسان وسلوكه، يطرح السؤال ما إذا كان سويا أم شاذ التفكير؟ فإن ما صرح به هذا الرجل يستفاد منه أنه يتربص – كما رصدنا خرجاته كالعادة- كل ما يقع فيه إجماع الأمة سواء كان الاجماع عن ماهو ديني أو اجتماعي أو سياسي أو ثقافي ،بالجملة كل ما يتعلق بثوابت الامة، يخرج بخرجته الشاذة ليستفز مشاعر المواطنين تحت ذريعة حرية الرأي.
اعلم أنك تمارس الوحش الفكري على المجتمع، يا من نعت الإشراف المنادين بتطبيق عقوبة الإعدام بالوحوش، ان الوحش يعني لغة: حيوان وحش: هو ما لا يستأنس له، وهل المجتمع كله والناس خارج الحدود كلهم، لا يستأنس لهم، ويستأنسون بك انت الذي خرجت عن الاجماع، انك فعلا وحش”سيربيروسي” وهو نوع من أنواع الوحوش (وحش على هيئة كلب وحش يحمل ثلاتة رؤس) لا يمكن أن يؤتمن له لتعدد رؤوسه، بحيث لا يسلك مسلكا واحدا كسائر الناس بل له عدة مسالك وطرق يخرج بها عن عوائد الناس ويخالفهم، وهذا هو الخطير في الأمر، الذي يؤدي إلى الفتنة والفتنة اشد من القتل.
إن عقوبة الإعدام هي من القواعد القانونية الآمرة، سنت منذ العهد القديم في القانون حمورابي، ثم تطور الي عهد الوسيط، الذي تطور بتطور الجريمة، ثم الى اليوم يطبق في الدول الغربية الرائدة في مجال حقوق الإنسان، والتي تعد مرتعا منهلا لمرجعيتك الثقافية.
القواعد القانونية تنقسم إلى قسمين: القواعد الآمرة، والقواعد المكملة.
اولا: القواعد القانونية الآمرة هي تلك القواعد التي تأمر بسلوك معين وتنهي عنه، والتي سنها المشرع ولا يجوز مخالفة وخروج عن إرادته، ويجب أن تطبق كما هي مسطرة في النصوص القانونية، والغاية من المشرع من ذلك هو ضرورة حفظ النظام داخل المجتمع وهذه القواعد هي :تحرم وتمنع الاعتداء على جسم الغير وعلى حياته وماله وعرضه…
ثانيا : القواعد المكملة: هي تلك القواعد القانونية التي تنظم ،سلوك الأفراد داخل المجتمع على شكل معين ، لكن يجوز الأفراد الاتفاق على ما يخالفها ،ويترك تنظيمها لإرادة الأفراد.
إن الذين طلبوا بتنفيذ عقوبة الإعدام على مرتكب جريمة القتل البشعة ، ونتعهم الاستاذ عصيد بالوحوش فكلمة عصيد اسم على مسمى، سافتح القوس هنا وأعرفكم بالدلالة اللفظية للفظ ” عصيد” فمن خلال إحاطة باللفظ سيتبن ان لا فائدة في المستقبل للرد عليه أو الاهتمام بفكره ، فمكانه مزبلة التاريخ، لأنه وصل إلى درجة تحت الصفر في التفكير، معنى عصيد في معجم المعاني الجامع .
عصيد : اسم المفعول من عصيد
رجل عصيد: معقود
رجل عصيد عند ابن منظور: نعت سوء
عصد الحبل:عقده لواه.
وفي الثقافة الشعبية المغربية فإن الأمور إذا ما تعثرت ونعتذر حلها سميت عصيدة نسبة إلى نوع من الطعام معروف بسخونته الشاذة فيقال (لقال لعصيدة باردة أدير يد فيها)
فالذين طالبوا بتطبيق عقوبة الإعدام، لم يأتوا بأي شيئء جديد لم يكن ،حتى ينعتوا بما نعتوا، وإنما كأنما تنعت المشرع الذي نص على العقوبة و على إجراءات تنفيذها في المسطرة الجنائية ، فنصوص القانون الجنائي التي تنص على العقوبة ،لم يتم إلغاؤها وإنما تم تجميد وتعطيل تنفيذها منذ قضية ثابت لما لها وعليها لهذه القضية من تأثيرعلى تنفيذ الإعدام، لكن هذا لا يعني عدم وجودها في الترسنة القانونية ،
لقد قالت لجنة حقوق الإنسان أن المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ” تشير بصورة عامة إلى إلغاء عقوبة الإعدام بعبارات توحي بقوة بأن الإلغاء مستصوب” واكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1971أن ” الهدف الأول الذي يجب السعي اليه ، من أجل الكفالة التامة للحق في الحياة المنصوص عليه في المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هو التضييق التدريجي لعدد الجرائم التي تجوز المعاقبة عليها بعقوبة الإعدام…”
إن تنفيذ عقوبة الإعدام تخضع لمسطرة خاصة المنصوص عليها في المادة 601و602 من قانون المسطرة الجنائية ، المتمثلة في مسطرة العفوالتلقائي التي تمارسها النيابة العامة ، والتي مفادها أنه لا يتم تنفيذ القرار القاضي بالإعدام، إلا بعد انتهاء من مسطرة العفو التلقائي التي تتم عن طريق النيابة العامة ، دونما طلب من المعني بالأمر، خلافا لما هو معمول به في العقوبات الأخرى القاضية بالحرمان من الحرية.
إن فلسفة عقوبة الاعدام وغايتها، هو الردع حتى لا تصبح ارتكاب الجرائم البشعة ، من الافعال العادية وما أدراك ما العادية وأثرها السلبي داخل المجتمع ، ويتم تكرارها دون وازع أخلاقي وقانوني.
لقد سبق أن أجرت إحدى الصحف المشهورة حوارا معي وبمعية المرحوم الأستاذ عبد الله الولادي والزميل الأستاذ عبد الفتاح زهراش، حول الموقف من عقوبة الإعدام ، وكان التصريح هو أنني من أنصار ابقاء على عقوبة الإعدام، غير أنه يجب أن تكون محددة على الجرائم البشعة التي تحدث اضطرابات اجتماعية كبيرة لا كما يحدث في بعض الدول التي تطبق الإعدام في جرائم لا ترقى إلى الجرائم البشعة كمعيار للتطبيق، لأن الحق في الحياة هو حق للضحية قبل كل شيء وهي سابقة عن الحق في الحياة للمتهم ، بل إن تطبيق وتنفيذ هذه العقوبة على هذا النوع من الجرائم التي تفزع الطمأنينة والسلم الاجتماعي على المجرمين من الإجراءات التي يجب التعجيل في تنفيذها حتى لا تترك في الرفوف ويطالها النسيان وتبقى بدون معنى وبدون تحقيق الهدف والمتوحاة منها .

اترك رد