قراءة في ديوان شعر فاطمة العبدي/ ثقافة وابداع

بالواضح

الرغبة في البوح بما يجول في النفس تستبد بالناس، غير ان الرغبة بالبوح لدى المولعين بكتابة الشعر لها طعم غريب، الغرابة ان البوح الشعري بكل مستوياته وتجلياته هو بوح يتورط في اقتراف الصور الفنية الجميلة.
الشاعرة فاطمة العبدي تتلقف الرغبة في الكتابة كطفل يتلقف لعبة، تحاول ان تلتقط ما يجول في الخاطر من التماعات تمرق بسرعة قطار، ان لم تقبض عليها تنفلت منك، وفي أقصى الأحوال لن تعود الا ان كانت ذاكرتك قدت من قوة كالفولاذ. الشاعرة تقبض على كل التماعة تسنح لها فتكتب ما يصطخب في اعماق النفس من نوستالجيا وقلق ودهشة وانصات للذات وللدوات الحبيبة الى قلبها، تقول في نص من ديوانها ” خبايا حروف الهجاء”:
توسدي الآن مقاطع الحروف
تشكيل في تكوين بهيم” ص7
ثم تختزل كينونة المرأة / الشاعرة في جملة شعرية دالة:
امرأة من حروف صوامت ونقط وصل” ص7
وللانتظار صورة تقول في نص “صورة الانتظار”:
في وحشة الليل وعند الغياب
ارسم وجهك سحابة في وقتي ص9
انتظار احد ما حد الانشغال به بما يؤرق البال، يجعل الشاعرة تستحضره في مخيلتها استحضارا بديعا، حتى أنها ترسم في الذهن الوجه المنتظر كسحابة تغمر زمنها الشخصي، اليس زمن كل منا خاص به عندما نستعمله في حياتنا كيفما كان هذا الاستعمال.
حالة شرود تقع فيها الشاعرة ليس كلاعبي الكرة بل كممتهنة ل” سيد الكلام– بتعبير جاكبسون-،الشعر سيد والكلام العادي خدم للسيد. تكتب الشاعرة:
كلما مزقت ثوب الحنين
كلما أشعل قلبي ريحانه
النوستالجيا وردة مشتعلة تفوح بنسائم ذكرة بعيدة، ذكرى مستقرة في أرشيف الوجدان، لطالما كان الشعراء يتعنون بالحنين سواء كتبوا قصائدا عمودية او تفعلية أو نثر..، الحنين دفتر الشوق الكامن بين حنايا القلب.
من ديوان ” عيون شاردة” نقتطف هذا المقطع الجميل من نص ” انفلات الرؤى”:
كما الطحالب
انبت سهوا بين نظرتين” ص47
قيل قديما العيون نوافذ الروح، العين ليست مجرد عدسة تصوير بيولوجية، هي سهام مشتعلة نارا ترمي بالشرر، كما هي لمعان وحنو ومحبات وارفة، هكذا تنمو الذات المحبة بين لظى العيون الودودة.
في ” صدى أغانيك” ثمة فرح طافح يجعل الشاعرة تنادي الذي ينتمي إلى رحابة الذات:
” يا طلي الجميل
يا دقات قلبي التائهة
تائه انت، مشتعل كالورد ” ص63
ما علاقة الارق بالكتابة، الكتابة ارق الملدوغين بسم الكلمات / الترياق في الان ذاته، سم وترياق هي الكتابة. تكتب في مقطع من نص ” ارق” وهي تكشف فعلة الكلمات المؤرقة :
تجرني الى ليل طويل
تحملني إلى مجرى هواء قوي
كما ريش حمام أسافر قهرا” ص 65

هذه قراءة لبعض ملامج التجربة الإبداعية للشاعرة فاطمة العبدي، من خلال ديوانيها الاثنين، ومن اجل تطوير التجربة والذهاب بعيدا في مغامرة الكتابة الشعرية، سيكون مفيدا سلوك مسلك التكثيف والاقتصاد اللغوي المركز بالصورة الشعرية المكتظة بالمفارقة، والتخفف من السياقات الاعتيادية للكلام، ومؤكد أن الديوان القادم سيكون أجمل بكثير إذا ما تم استحضار التجربة الحياتية في أوكرانيا من خلال الأمكنة وعناصر الطبيعة هناك، ودمجها في المتخيل الذاتي بأمكنة وعناصر طبيعة المغرب وغيرها ، مع إطلاق الخيال الوثاب على الاعتيادي، فالشاعرة تفيض إحساسا فائقا ولها قدرات تصويرية فنية رائقة، وختاما فتجربة اي شاعر لا تقف في كتاب او كتابين بل تتواصل وتتطور وتتأثر بالمنجز الشعري العربي والغربي المعاصرين تحديدا.

اترك رد