ليس من السهل أن تكون مغربيا

بقلم: لحسن الجيت

لو لم أكن مغربيا لتقدمت بطلب الحصول على الجنسية. فالسر في ذلك يكمن في شخصية الإنسان المغربي. فما هي إذن طبيعة هذا الإنسان؟ محددات ومكونات شخصيته لا يمكن الوقوف على حقيقتها إلا بالعودة إلى الجدور والأصول الضاربة في القدم. فيكفي القول بأن أقدم إنسان عاقل في تاريخ البشرية تم العثور عليه في المغرب في موقع بجبل إيغود يعود إلى 300 ألف سنة على الأقل من الآن. هذا الامتداد الطويل العريض في التاريخ جعل من الإنسان المغربي كنزا ثمينا يزخر بالمبادئ والقيم الكونية والحضارية التي لا قبل لغيره به ولن تجد مثيلا لها في أي مكان آخر.

وما نعاينه اليوم من تلك المبادئ والقيم في سلوكيات الإنسان المغربي التي تطفو على السطح وتشع بنورها منيرة السبيل للقاصي والداني، خير دليل على هذا التميز وعلى هذا التفرد، فمغربنا يحبس أنفاس العالم تقديرا وإجلالا للرسائل التي يحرص المغاربة على إرسالها في السراء والضراء إلى مشارق الأرض ومغاربها. مغربنا هذا الذي يقع جغرافيا في قلب خارطة العالم، حينما بفرح يفرح معه العالم كله، وحينما يتألم يتألم معه العالم بأسره. ولنا اليوم نموذجان عن حقيقة ما نقوله ولا ندعيه. فبالأمس القريب استطاع المغرب بأسوده في كأس العالم أن يوحد بين شعوب الأرض وأن يحطم الحدود تحت راية واحدة اجتمع من حولها المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي فكان تفاعلا وحوارا غير مسبوق في حوار الأديان والحضارات. ومثلما وحدهم المغرب على الأفراح والمسرات، وحدهم كذلك على المحبة والخير في وقت الشدائد. وفي هذه النكبة التي ألمت بنا، ظهر المغرب مرة أخرى مركز اهتمام العالم كله فتسارعت الأمم على وثيرة التضامن مع المغرب والمغاربة بشكل كان مدهشا وكان محط افتخار واعتزاز لا يمكن قراءته إلا من منظور واحد وهو أن هذا البلد مهما قست عليه الطبيعة فهو قوي برجالة كما هو قوي بأشقائه وأصدقائه، وكذلك عصي على الشدائد فلا تنال منه نائبة ولا ينال من إرادته من يريد التنكيل به.

فالمغربي عفيف لطيف إلى أبعد الحدود، وهو في نفس الوقت أسد اسم على مسمى لا يخر ولا يذعن تحت أي ظرف كان. من رماده ينهض وفي أحلك الظروف حريص على كبريائه وشموخه. في هذه الأيام العصيبة كان المغاربة على موعد مع دوانهم ومع القيم التي آمن بها أجدادهم القدامى. وتجسيدا للقول المأثور “رب ضارة نافعة”، انبهر العالم بأسره لذلك التضامن الذي انفجرت ينابيعه بداخل كل مغربي في الحواضر والمدن والبوادي والمداشر. الجميع ربط أحزمته وشد الرحال وشمر عن ساعده لمواجهة الكارثة كرجل واحد. طويت المسافات طيا فلم تعد هناك فواصل بين المناطق المنكوبة والمتضررة والمناطق الآمنة. تنافس الجميع في مجال الإغاثة والنجدة، وتعبأ المجتمع بأسره فقيره قبل غنيه. ولو بهم خصاص فضلوا أن يتقاسموا ابسط ما يملكونه مع أشقائهم المتضررين كل بحسب قدره وما أتاه الله من قدرة. ومن كان به عوز فدى أخاه المنكوب بالتبرع من دمه. الصورة كانت مشرقة وفي غاية الجمالية والكمال كما رسمها المغاربة كعنوان للتضامن في هذه المرحلة وكأن لسان حال المغاربة يريد أن يقول نحن نثق في طاقاتنا وفي قدراتنا ونراهن على أنفسنا. وما أصابنا فهو امتحان حيث يعز المرء أو يهان. ولأن التاريخ عودنا أن تكون العزة تعلو جباه المغاربة. وفي لحظة مفصلية وحرجة وامتحان عسير تسقط كل الخلافات وتطرح على الجانب ويكشف المغربي على معدنه الأصلي ليتدافع بعضهم البعض بالمناكب على فعل الخير إيمانا بأن عزتهم هي من عزة الوطن. وقد انخرط أشقاؤنا وشركاؤنا في الوطن من أقاليمنا الجنوبية في مسيرة تضامنية لنجدة إخوانهم في المناطق المنكوبة. فهي مسيرة بمسيرة من الوحدة إلى التضامن.

وليست هي المرة الأولى التي يدود فيها المغاربة عن أنفسهم وعن وطنهم. فالمغرب بلد المعجزات والتحديات. وإن ابتلاه الله فهو قد أحسن البلاء لكي يجدد فيه آياته ويفجر طاقاته إلى ما هو أفضل. “وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم”، فإن الله يعلم وأنتم لا تعلمون. صحيح أن الأرض قد زلزلت من تحت أقدامنا لكنها فاضت من تحت الجبال شلالات بماء زلال في سنوات عجاف شح فيه القطر والغيث. وتلك آية من آياته، فلا تقنطوا من رحمة الله.

من منا لا يتذكر ما فعله آباؤنا في أوائل ستينيات القرن الماضي حينما تحدوا الطبيعة وعاندوها مخترقين جبال الريف بأبسط المعدات من معاول وفؤوس ليشقوا الطريق في مناطق وعرة سميت بطريق الوحدة. إنها الإرادة الصادقةالتي تخندق فيها الأمير والفقير في معركة ما سمي بالجهاد الأكبر  لبناء الوطن. ألم يحن الوقت كي نستحضر تلك الروح الوطنية والحال أن المغاربة أفرادا وجمعيات مدنية في هذه الأوقات العصيبة قد كانوا على درجة عالية من التعبئة بكل عفوية وتلقائية، لكي نبني ونشيد طرقا في جبال الأطلس لفك العزلة ونزيل الحواجز والفوارق ما بين المغرب المنسي والمغرب النافع. نحن لا نبخس جهود الدولة ولكننا في الوقت ذاته يجب أن نعتني ونستثمر الاندفاع الوطني لشعب المسيرة الخضراء. فالشعب اليوم قال كلمته وهو على أتم الاستعداد في كل لحظة وحين أن يكون على موعد مع الحدث لإزالة الفوارق. إنها رسالة من قلب المحنة ويجب أن ننتظر منها تلك المنحة على غرار ما جاد به اهتزاز الأرض من ينابيع دافقة.

اترك رد