مناظرة بايدن ترامب (درجة الصفر من الاقناع)

بقلم: حسن حلحول (.)

كل أربع سنوات تعيش الولايات المتحدة الأمريكية عرسا انتخابيا، يبدأ مبكرا أي قبل ستة أشهر او اكثر من إطلاق الحملة الانتخابية، وتعطي مناظرة المرشحين للانتخابات الرئاسية التي تنظم مباشرة وجها لوجه بينهما ،نكهة خاصة يتابعها كل الأمريكيين بشغف ينتظرون المناظرة وينظرون اليها كآلية من الآليات الانتخابية الاساسية ووسيلة من الوسائل الإقناع الجسم الانتخابي وكسب منها الأصوات المترددة وقد تغير وترجح كفة مرشح على حساب الأخير، ومن ثم يحددوا الشخصية القوية المناسبة لقوة الولايات الأمريكية لقيادة العالم.

لكن السؤال المطروح هل المناظرة التي نظمتها CNN س. ن .ن بتاريخ 27/6/2024 في مدينة اتلانتا ولاية جورجيا حققت أهدافها ام أبانت عن تراجع مستوى رؤساء أمريكا؟ هل فعلا المناظرة كشفت الغطاء على أن أمريكا خسرت هيبتها على الساحة الدولية مستعيرا السؤال من قولة دونالد ترامب؟ هل وصل مستوى الانتخابات إلى مستوى دول عالم الثالث كما نستعين السؤال ايضا مما قاله ترامب؟ هل هذا يدل على تراجع مستوى السياسي لدى النخبة السياسية في أمريكا؟
إن الجواب عن هذه الأسئلة وغيرها التي تطرح على المشهد السياسي الأمريكي والوضع الراهن ينبئ عن ظهور مستقبلا وضعا جديدا سيخرج الحزب الجمهوري والديمقراطي من القطبية الثنائية إلى بروز أحزاب جديدة تنافس بل تسقطهم من عروشهم.
إن الملاحظة الاساسية التي نبديها وهي أن أول مرة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الامريكية يعيد المرشح ترشحه بعد أن أخفق وخسر أن ينجح ليعاد انتخابه رئيسا للولاية الثانية المسموح بها قانونا، فبعد أن خسر ترامب انتخابات 2020 السابقة في مواجهة منافسه جو بايدن، ها هو يعيد ترشيح نفسه لينافس جو بايدن للمرة الثانية 2024 بعد ان قضى فترة الرئاسية، هذا ما لم يسبق أن عاشته انتخابات الولايات المتحدة بهذا الشكل، لا يحدث هذا إلا في الدول العالم الثالث، لأن الإطار المعياري للحفاظ الولايات المتحدة الأمريكية على هيبتها وقوتها هو ترفع رؤسائها من خوض انتخابات للمرة الثانية بعد أن رفض الشعب قبول اعادة إنتاج وصياغة تجديد الثقة له للولاية الثانية أو في نسخته الثانية ، لأن هذا فيه اهانة لشعب عريق خبر الانتخابات الرئاسية ورائد الديمقراطية في العالم، كيف يفسر عدم قبول الشعب الأمريكي ترامب ثم تم اعادة انتخابه رئيسا بعد مضي أربع سنوات من ولايته ويغير هذا الشعب قراره واختياراته ، ويقبل أن يعيده رئيسا للولاية الثانية بعد فاصل زمني بين الولاية الأولى والثانية يكون بذلك تراجع الشعب عن اختياره السابق الأول ،يمكن ان يترجم هذا على أن مستوى المؤسسات المنظمة للانتخابات غير جدية في توجيه وتأطير الانتخابات في أكبر دولة في العالم، كما يمكن أن يفسر أن مستوى الشعب الأمريكي هو في نفس المرتبة من الشعوب عالم الثالث في اختيار من يحكمه.
إن الانتخابات الرئاسية الأمريكية بايدن ترامب ظهر فيها الجانب الانتقامي الخفي ،لان الطابع الغالب فيها الشخصانية العدوانية ،بدل من ان يكون الطابع الغالب فيها التنافسية الشريفة تليق بقوة وهيبة أمريكا ،من منطلق تغليب منطق مصلحة الشعب الأمريكي على المصالح الشخصية على غرار ما يقع في الدول العالم الثالث، يستفاد من المناظرة الأخيرة إنها الأولى من نوعها في تاريخ المناظرات الأمريكية منذ 1960 التي كانت بين نيكوسن وكينيدي، التي تحولت من مناظرة للإقلاع من خلال إتاحة الفرصة للناخبين لطرح الأسئلة حول السياسية الأمريكية الداخلية والخارجية، إلى المناظرة لتصفية حسابات الشخصية الضيقة، وهذا لم يعهده الشعب الأمريكي في المرشحين للانتخابات الرئاسية الأمريكية.
يلاحظ من خلال استطلاع الذي أجرته بعض القنوات الاعلامية الأمريكية على عينة من الشعب الأمريكي حول انطباعهم الذي خرجوا به بعد تتبعهم للمناظرة يوم الخميس،
الذي وصل عددهم ال 48 مليون استاؤوا وتذمروا من أسلوب الحوار وافتتاح النقاش بدا لهم كأنهم أمام شخصين عاديين يفتقدان لأبسط أدبيات الدبلوماسية ، علما أنهما مارسا معا مهام الرئاسية الامريكية التي تنبني وتؤسس على أسس الدبلوماسية في التعامل مع الأحداث وهي تعتمد على الأعراف والتقاليد العريقة الديمقراطية الأمريكية،
فإذا كان ليس من شيم المرشحين للانتخابات المتناظرين أن يصل بهما خلاف السياسي والإيديولوجي الى مقاطعة بعضهما الى درجة عدم التصافح باليدين في بدء المناظرة أمام العالم، هذا فضلا على أن صياغة الألفاظ والكلمات يكون فيها نوع من التحفظ وانتقاء الكلمات أثناء ممارسة نقد السياسة للآخر فيها نوع من الخشونة لا تصل إلى درجة تبادل السب والشتم والكلام العنصري.
لم تحقق المناظرة أهدافها التي من شأنها أحدثت، وهو الإقناع السياسي والعقلاني لكسب اصوات الناخبين ، وتقييم مستوى التفكير المتناظرين وتسليم زمام الأمر لمن يستحقها .
إن تاريخ أمريكا سيعرف تحولات كبيرة جذرية سواء فاز او صعد الى البيت الأبيض بايدن أو ترامب، بمعنى أن العالم سيعيش مرحلة جديدة مع ظهور قوى منافسة لأمريكا لقيادة العالم،
تعيش أمريكا مرحلة جديدة في كتابة التاريخ، ويمكن تقسيم تاريخها الى مرحلتين ما قبل وما بعد انتخابات التي ستعيشها أمريكا في 5 من نوفمبر2024.
إن تدعيات هذه الانتخابات المزمع اجراؤها ستكون وخيمة على الديمقراطية الأمريكية كون المجتمع الأمريكي يعيش أزمة سياسية متمثلة في عدم الثقة في رؤسائهم، ويكون بذلك قد اهتزت النظرة إلى من يمثلهم ويرأسهم، وهذا الشعور يخلق في المجتمع التفرقة وقد يؤدي هذا في النهاية الى فتنة داخل المجتمع الأمريكي،ولكي يتم تفادي اشتعال هذه الفتنة المحتملة هو :
اولا : ما كان على الحزب الديمقراطي أن يعيد تقديم بايدن للترشح للانتخابات الرئاسية الثانية لكبر سنه وعدم القدرة على تحمل مشاق مهام الرئاسية بالرغم من الدستور الأمريكي وقانون الانتخابات يسمحان له بذلك .
ثلنيا: ما كان على الحزب الجمهوري أن يعيد تقديم ترامب للترشح لهذه الانتخابات بعد أن عبر الشعب الأمريكي عن عدم رغبته في اعادة التصويت لصالحه بعد أن قضى ولايته الرئاسية الأولى، خصوصا انه سيكون بمثابة اعادة إنتاج السيناريو الانتخابي السابق عندما تواجه الرجلين ووضعوا الشعب الأمريكي على المحك لما تم اقتحام ” كابيتول “.
أترك للقارئ أن يقرأ ما قاله الترامب عن بايدن:
“في عهده خسرت أمريكا هيبتها على الساحة الدولية واصبحت مثل دولة من دول عالم الثالث”
قال ايضا:” انت هوالاحمق.. انت هو الفاشل..”
قال جو بايدن عن دونالد ترامب ” لديك اخلاق قط الزقاق”.

(.) محام بهيئة الرباط

اترك رد