موقع هيئة التفتيش في اتفاق 26 دجنبر بين الحكومة والنقابات التعليمية

بقلم: قاسم علوش (.)

إذا كانت أغلب الفئات التعليمية قد نالت نصيبها من كعكة اتفاق 26 دجنبر 2023 الذي تم بين الحكومة والنقابات التعليمية، فإن هيئة التفتيش، أو ما يطلق عليها في أدبيات وزارة التربية الوطنية بهيئة التأطير والمراقبة، كانت أكبر الخاسرين بمقتضى مخرجات الحوار الذي حدث بين الحكومة والنقابات التعليمية، وهي الهيئة التي نالها ما نالها من تهجم باقي الفئات التعليمية بسبب عدم انخراطها المبكر في رفض المرسوم رقم 2.23.819 صادر في 20 ربيع الأول 1445 (6أكتوبر 2023) في شأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية المجمد. وهو ما أعطى انطباعا خاطئا كون ذلكالنظام الأساسي يخدم مصلحة هيئة التفتيشخاصة بعد تزكية أحد النقابات الفئوية له.والواقع، فإن الهيئة كانت أكبر الخاسرين في كل ما جرى، سواء على مستوى الإطار القانون والتشريعي، أو على المستوى المادي والمالي.

  • بالنسبة للإطار القانوني والتشريعي، فقد كانت هيئة التفتيش تنتظر من الحكومة والنقابات التعليمة العمل على تحصين وتعزيز أدوار هيئة التفتيش بمختلف فئاتها، من خلال التنصيص في النظام الأساسي، سواء المجمد أو المرتقب صدوره بعد تعديل هذا الأخير، علىمقتضى الاستقلالية الوظيفة، وضمان تبعية الهيئة للمفتشية العامة، عوض تبعيتها وخضوعها للمدبرين الجهويين والإقليميين، وذلك تكريسا لمبادئ الحكامة،وسيادة القانون، وربط المسؤولية بالمحاسبة،بهدف الرفع من مستوى حكامة المنظومةالتربوية وضمان جودتها، وهو ما لا يمكن تحقيقه مع بقاء مضمون المادة 53 الواردة في النظام الأساسي المجمد التي نصت بشكل صريح على أن مدير الأكاديمية والمدير الإقليمية يتوليان تقييم الأداء المهني لأطر هيئة التفتيش والتأطير والمراقبة والتقييم.
  • أما على المستوى المادي والمالي، فإن كثرة المهام المنوطة بهيئة التفتيش بمختلف فئاتها، مع شح الموارد المالية المخصصة لها على مستوى المفتشيات الجهوية والإقليمية، وكذلك ضعف التعويض عن الإطار يعرقل إلى حد كبير عمل الهيئة،ويحد من نجاعة تدخلاتها الميدانية والتنزيل التاملبرامج عملها السنوية.

وهكذا، فإن ما أنتجته الحكومة والنقابات التعليمية، من نظام أساسي مجمد، ومحضري 10 و 26 دجنبر، لم يكن في مستوى تطلعات هيئة التفتيش العاملة بقطاع التربية الوطنية. وليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى أمرين، ترى هيئة التفتيش بأنهما أخطر ما وقع في قطاع التربية والوطنية في عهد حكومة عزيز أخنوش والنقابات الخمس الأكثر تمثيلية المحاورة لها، كما أنه يعتبر ردة خطيرة عن كل النصوص والمرجعيات المؤطرة لإصلاح منظومة التربية والتكوين، وعلى رأسها الخطب الملكية ودستور المملكة، والقانون الأساسي للوظيفة العمومية، والقانون-الإطار 51.17، التي نصت كلها على ضرورة التقيد والالتزام بمبادئ ومرتكزات المنظومة التربوية وخاصة مبادئ الحكامة،والمساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص والتكوين الأساس في ولوج مختلف مكونات المنظومة، وهما:

  • التنصيص على حذف التسمية الجديدة لإطار مفتش الشؤون الإدارية والمالية الواردة في النظام الأساسي المجمد، وذلك نزول عند رغبة تنسيقيات المتصرفين التربويين التي احتجت على التسمية الجديدة واعتبرت أن ذلك يشكل تهديدا لإطار المتصرف، بحيث يجعله يخضع لمراقبة وتفتيش مفتشي الشؤون الإدارية والمالية، وهو ما لا يمكن السماح به حسب قولهم. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا يرفض هؤلاء المتصرفين الخضوع للتفتيش والمراقبة وهم يتصرفون بحكم مهامهم في المال العام، كما أنهم مكلفون بتنزيل رؤية وتصورات الوزارة على مستوى المؤسسات التعليمية؟، ولماذا الوزارة قبلت تسمية مفتش الشؤون الإدارية والمالية في النظام الأساسي المجمد وتراجعت عنها في محضر 26 دجنبر الموقع بينها وبين النقابات التعليمية الخمس؟
  • تكريس الريع النقابي في قطاع التربية الوطنية، وذلك من خلال فتح إمكانية ولوج إطار مفتش في كل من محضري 10 و 26 دجنبر وذلك من خلال ” فتح، بصفة انتقالية واختيارية على مد ست (6) سنوات ابتداء من سنة 2024، تغيير الإطار في وجه المستشارين في التوجيه التربوي والمستشارين في التخطيط التربوي والممونين المرتبين على الأقل في الدرجة الأولى،…ولوج إطار مفتش،…)، وهذا يضرب إطار التفتيش في مقتل،ويجعله خاضعا لمنطق الريع عوض منطق الاستحقاق المبني على المساواة، والإنصاف، وتكافؤ الفرص من خلال احترام الشروط التنظيمية المنصوص عليها في التشريعات الجاري بها العمل والمتمثلة في الأقدمية، واجتياز المباراة، والحصول على دبلوم مفتش من مركز تكوين مفتشي التعليم بالنسبة لمفتش الشؤون الإدارية والمالية، ودبلوم مركز تكوين مفتشي التخطيط والتوجيه بالنسبة لمفتش التخطيط التربوي ومفتش التوجيه التربوي، والاقتصار فقط على شرط الأقدمية.

إن قبول الحكومة بفتح إمكانية ولوج إطار مفتش، لكل من مستشاري التوجيه التربوي والمستشارين في التخطيط التربوي والممونين عبر اتفاقية الريع المبرمة مع النقابات التعليمية، هو إيذان منها بحذف مسالك هذه الفئات من مراكز التكوين الخاصة بها لمدة ست سنوات على الأقل، كما يعني أيضا نهاية عهد التكوين بتلك المراكز والاكتفاء بمفتشين بالأقدمية، وذلك ضدا على ما جاء في المشروع 9 من حافظة مشاريع تنزيل أحكام القانون-الإطار 51.17 في شأن تجديد مهن التربية والتكوين والارتقاء بتدبير المسارات المهنية.

(.) باحث في السياسات التعليمية

اترك رد