المعارضون المثقفون وقضية الصحراء المغربية

بقلم: يونس فنيش

علاقة بفيديو تحت عنوان: ” المخزن، ماذا و كيف و إلى أين؟” على قناة ريف-فيزيون بتاريخ 17 أكتوبر 2022 حوالي السابعة والربع مساء.

الفيديو يلتمس فضلا وليس أمرا مشاركته مع الأصدقاء. الفيديو وصلني صدفة، و شاهدت وتابعت جل فقراته، وتمعنت في مداخلات كل من الصديق الأستاذ الصحفي أبوبكر الجامعي، الذي تقاسمت معه مدرجات الدراسة في إعدادية التقدم الشهيرة بالرباط، في الزمن الجميل، و الأستاذ فؤاد عبد المومني الغني عن التعريف، والأستاذ المعطي منجب كذلك، وها أنا ذا أتفاعل مع هذا الفيديو المفيد الذي طرح مجموعة من الآراء والأفكار، أتفاعل مع هذا الفيديو بكل ما أتحت من حرية منطقية كمواطن مغربي يقطن في عاصمة المملكة المغربية، وككاتب وباحث، “مؤقتا”، في انتظار الإنصاف و رد الإعتبار كخريج فوج 31 لرجال السلطة، والقصة معروفة؛ ها أنا ذا أتفاعل إذا مع بعض ما جاء في هذا الفيديو بكل صراحة صادقة، ولن أقبل الكذب على نفسي وأنا صاحب رواية “علي بابا والأربعين كذابا” التي صدرت سنة 2002 وتسببت في منعي من مزاولة مهنتي كرجل سلطة وعزلي تعسفيا، بمراسلة إدارية توصلت بها في 20 فبراير من نفس السنة في منزل والدي، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، الذي زارني في مكتبي وأهداني نصف كيلو من القهوة وآلة كهربائية لإعدادها، في إشارة حكيمة قاهرة منه لرفض الرشوة ومحاربتها وإلتزام أصول التربية القويمة مهما كلف الثمن.

إن إلغاء قدسية الملك في دستور 2011، و لا داعي لذكر المحطات التاريخية المعاصرة التي أدت إلى ذلك، إلغاء يجسد بالملموس قوة المخزن الفكرية وقدرته على مواكبة التطور أو مدى التقدم الفكري للمجتمع عبر المراحل التاريخية. هذا يعني أن المخزن لا يتأخر عن إرضاء الضمير الجمعي في الوقت المناسب، ولكنه لا يتجاوز درجة ذكاء الشعب… وهذا يعني أيضا أن المخزن كينونة جد متطورة لا تخرج عن فكرة “من الشعب وإليه”، و هي فكرة ديمقراطية 100./.، في حين أن المعارضة لا تستطيع إخفاء تمحور كل مواضيعها حول الحريات الفردية بطريقة فجة، علما أن الحريات الفردية مرفوضة من قبل المجتمع المغربي شاءت المعارضة ذلك أم أبت.

فبكل صراحة سياسية، هنا يتجلى تخلف المعارضة سياسيا وتفوق المخزن. هذا يجبر على الإعتراف بذكاء المخزن الذي يفوق بكثير ذكاء المعارضة التي مازالت تتوهم وتبني مفاهيمها على أوهامها، و هذا لا يمت للبراغماتية بصلة لا من قريب ولا من بعيد، إلا إذا كان منهج المعارضة غير حر مرتبط بأجندات خارجية تلزم ربما المعارضين المثقفين المعتبرين بوضع الحريات الفردية كأولوية و كفكرة مهيمنة Leitmotiv في كل النقاشات، و كيفما كانت المواضيع المطروحة، علما أن ذلك ينفر من كذا معارضة الأغلبية الساحقة من المغاربة إلى حد الآن… صحيح أن هناك محاولات خارجية وربما بدعم داخلي أيضا من أجل تغيير نمط حياة المغاربة، وجعلهم يقبلون ما لم يقبله آباؤهم و أجدادهم عبر العصور ورغم الإستعمار الفعلي إلى حدود 1956، ولكن ألا يضع ذلك تلك المعارضة في خانة التآمر الفكري على هوية المغرب والمغاربة نظرا لكون ثقافة الحريات الفردية ليست أبدا من الشعب وإليه، وإنما هي مجرد استعمار فكري يفرض بكل الوسائل الغربية الضاغطة المتاحة وخاصة الإقتصادية منها، سواء تجاه حقوقيين ذوي مبادىء لديهم مشاكل مع السلطة، أو تجاه آخرين لا مبادىء لهم سوى الإرتزاق -وهذه حقيقة يجب قولها أيضا-، و دونما استثناء المخزن نفسه طبعا الذي قد يتعرض لابتزازات شتى وبطرق متعددة…؟

أنا أعلم أن كل من فؤاد عبد المومني وأبو بكر الجامعي والمعطي منجب وأخرين يحترمون الرأي المخالف، و لذلك لا أخاف من إحراجهم في طرح ما أعتقده حقا وصوابا. طيب.

المخزن لم يمت كما زعم اليازغي، ولن يموت مادام ذكيا يتوفر على فكر متطور، رغم ما قد يبدو لكل من عارضه دونما معرفته حق المعرفة، و دونما دراسة متعمقة متأملة في خبايا الأمور بلا أفكار مسبقة، و هذا شيء صعب بالنظر لما عاناه بعض المعارضين مع كل الحمولة السيكولوجية التي تترتب عادة عن المعاناة، خاصة إذا كانت في درجاتها القصوى، كل حسب قدرته التحملية بطبيعة الحال. ولكن رغم ذلك، كنت دائما ومازلت لا أطالب سوى بإصلاح إداري نظرا لمعرفة شؤون بلدي دولة وشعبا و”مخزنا”، يعني “مجرد” إصلاح بعض الأشياء التي تتقاطع مع ما يطالب به المعارضون المثقفون المعتبرون بصفة عامة، أشياء تتعلق بالرشوة البنيوية، والظلم المنهجي، وتكافىء الفرص، والمساواة في الإدارة وأمامها، واستقلال القضاء، والمساواة في الحقوق والواجبات، وإلغاء بعض الطقوس؛ ولكن باستثناء الحريات الفردية المتنافية مع الطبيعة البشرية. فلو تحققت تلك المطالب من طرف المخزن الذي أعتبر أنه من الشعب و إليه، إضافة إلى كونه يتمتع بطاعة الشعب، لتقدم المغرب تقدما مبهرا نظرا لعبقرية المغرب والمغاربة التي أجزم أنها قد تتجاوز عبقرية اليابان واليابانيين، لأنني أعرف قدرات ومؤهلات أبناء وطني حق المعرفة بكل فخر واعتزاز وبكل تواضع أيضا، رغم ورغم ورغم…نعم.

لا يتسع المجال لمزيد من التدقيق، و على كل حال كانت هذه مجرد مقدمة لما يلي في عجالة مفيدة واضحة، كوني اعتقدت أن طريقة التعامل مع كل ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية و المدن المحتلة، من طرف المتدخلين المثقفين المرموقين في الفيديو المذكور أعلاه و موضوع هذه المساهمة المتواضعة، له علاقة بالمطالبة بإطلاق سراح بعض الصحفيين و الحقوقيين المعتقلين، فهل يتسع الفكر إلى درجة تخيل عقد صفقة وطنية-وطنية حرة تلقائية مقابل الدفاع عن وحدة الوطن بلا هوادة، و بلا فلسفة، و بلا مقاربات غير صائبة و إن كانت في نطاق حرية التعبير، لأنها لا تتماشى، حسب رأيي، مع الإلتحام الوطني المعنوي الضروري الذي هو نقيض كل شيء و كل فكرة و كل فعل يتعارض معه، مهما كان الحال و كانت الأحوال، مع احترام حرية التعبير طبعا؟

قد أبدو ربما “بلديا” بعض الشيء بالنسبة لصديقي القديم أبو بكر الجامعي والأستاذ فؤاد عبد المومني وربما كذلك بالنسبة للأستاذ المعطي منجب، ولكنني هكذا تربيت، وهكذا أفكر وهذا موقفي.

خلاصة: نعم طبعا لإطلاق سراح الحقوقيين والصحفيين، ونعم لكل المطالب العادلة أو “الديمقراطية”، ولكن لا “للتفلسف” في قضية مغربية الصحراء المغربية والمدن المحتلة، وإن كنت لا أعرف ما هي الإلتزامات “الحقوقية”، بين مزدوجتين، التي ربما تقيد بعض المثقفين و إن كانوا لامعين، والله أعلم، وهذا بالضبط ما أرجو معرفته. المطالب شيء والذود عن وحدة الوطن شيء آخر، و لا مجال و لا صواب في ربط هذا بذاك بطريقة أو بأخرى. و تحياتي للأساتذة الأجلاء أبو بكر الجامعي و فؤاد عبد المومني والمعطي منجب.

اترك رد