هل انا حقا غبية؟؟؟

بقلم: نجية الشياظمي

جاءتني حفيدتي وهي تبكي وتنتحب، وتتساءل هل أنا حقا غبية؟؟؟
نظرت إليها، ثم جثوت على ركبتي وأنا أتأمل ملامح الطفولة البريئة على وجهها، لم أكن أملك إلا أن أربت على كتفها ثم أن أضمها إلى صدري وأنا أحاول أن أهدئ من روعها، رأيت فيها نفسي منذ أكثر من عقود من الزمن ،حينما كنت في مثل سنها ، وحينما كنت أتساءل مع نفسي نفس السؤال….
سألتها عن سبب حزنها و غضبها فاجابتني بكل بساطة: أود أن أكون شريرة مثلهم، لا أحب أن أبقى هكذا إنهم يتعاملون معي كغبية لا تفهم، فهل أنا حقا غبية؟
سؤال تعبت من تكراره على نفسي أنا أيضا حتى الآن ، وفي كل مرة أقول لا وألف لا، أنا لست كذلك، و هي أيضا ليست كذلك.
أنا إنسانة واضحة شفافة، و في كل مرة تصطدم شفافيتي بتلوثهم، أنزعج، لكن لماذا أنزعج إذا كنت متأكدة من نفسي أنني على صواب؟ لماذا يقلق المصيب ويرتاح ويهنأ المخطئ والمذنب، كيف يحصل هذا؟ كيف نود معاقبة النوايا النقية الطيبة، ونترك المجرمة حرة طليقة تعبث في أرض الله كما يحلو لها، كيف نقبل هذه المفارقات العجيبة التي تجعل الناس ينفرون و يتنكرون لطباعهم النقية، كيف تصبح كلمة صادق و نقي مرادفا لكلمة غبي و ساذج ، هل إنقلبت الموازين لهذه الدرجة؟ أم ماذا حصل لمجتمعاتنا؟
و هل يمكن إعتبار ما يحصل ضمن تطور البشرية ، و في مصلحة رقيها و تقدمها؟….
أسئلة كثيرة تملأ دماغي و تبعثر تفكيري و تشتته، تتكرر
أمامي في كل يوم مواقف عديدة ، ترسخ نفس المبدأ، عليك أن تكون ذئبا كي لا تفترسك الكلاب، عليك أن تحارب بنفس السلاح أو بسلاح أقوى منه لكي تخرج منتصرا، فإما أن تباغث العدو أو تستسلم، هكذا تسير الحياة، هذه الحياة التي لم نهيأ لها مسبقا لنحمي أنفسنا من شر وحوشها المفترسة، تربينا جلنا على الأخلاق و تعلمنا مبادئ الحياة الآدمية و الإنسانية التي نحتكم فيها الى العدل و الحق و الخير ، و حينما خرجنا تفاجأنا بوجود عالم مختلف تماما لا يمت للإنسانية و لا للأخلاق بشيء.
أصبحنا نلوم آبائنا و أمهاتنا على الطيبة و الخير الذين زرعوهما فينا، في كل يوم نندم أكثر على عدم الإنسلاخ مما أصبح يشكل عقبة في حياتنا، ذلك الصدق و الطيبة المبالغ فيها و ذلك الأدب و تلك الأخلاق التي أصبحت سلعة لا يعبأ بها أي أحد إلا أصحابها، يدفعون الثمن غاليا
لأجل عدم التنازل عن ذلك المبدئ السامي و الثمين. مع إستمرار الأمل في أن تعود الإنسانية إلى إنسانيتها الحقيقية ،في التعاون والتراحم و التآخي ، في أن تموت الأنانية و حب الذات المطلق ، و يختفي الكبر و الظلم والطغيان.
أخبرت صغيرتي أنها حقا مختلفة و مميزة عن الآخرين لكنها ليست أقل منهم ،بل بالعكس على ذلك لأنها ستعي و تفهم ذلك مستقبلا. و ستبتهج بتلك الجوهرة الثمينة التي يضمها صدرها ، ألا و هي قلبها النقي الطاهر .

اترك رد