كتاب “الصحراء المغربية أسرار وخبايا” (الحلقة الثانية)

الرباط

كتاب “الصحراء المغربية أسرار وخبايا” لصاحبه الدكتور عبداللطيف راكز، الكاتب والباحث والصحفي المغربي هو عصارة لهذه القضية المثيرة للجدل، يكشف من خلاله عن معلومات غزيرة وحساسة.

رابط الحلقة الأولى: كتاب “الصحراء المغربية أسرار وخبايا” (الحلقة الأولى)

من خلال ما سلف يتبين لنا أن الإطارات المكونة تاريخيا لجبهة البوليساريو هي ذات أصل مغربي وتكونت تربويا وتعليميا داخل المغرب في ثانوياته وجامعاته و كانت لها قناعات ثورية وتحررية بحكم روابطها بالصحراء وتاريخها وأصحابها أرادو تحرير الصحراء من ريق الإستعمار وجبروته الإسباني، ولما فشلت دورات بحثهم عن مدعم لهم من فضاءات المغرب، وجدوا من يحتويهم من الجزائر وليبيا ذوي الصراع التاريخي مع المغرب، وعليه هذا الصراع سيتطوروا يأخذ أبعادا كثيرة سياسيا على المستوى المحلي والعربي والدولي وسيتمدد وستصبح له دلالات عميقة على المستوى الواقع المغربي والإفريقي والعالمي.

بالإضافة إلى ذلك هناك عامل أدى إلى خلق البوليساريو وهو تخلي مغرب السبعينات عنهم. فالصحراويون المنتمون لجبهة البوليساريو سواء بعض قياديهم كالمحجوب ولد السالك أو الوالي مصطفى السيد المتوفى، أو غيرهم حين كانوا يتحدثون عن الصحراء ومحنة الصحراويين في نضالهم من أجل تحريرها تلمس في حديثهم عن المغرب نوعا من الجفاء، بل أن ولد السالك صرح في حديث له للصحافة بأن مغرب السبعينات هو الذي صنع البوليساريو لأنه لم يدعم الصحراويين في حربهم لتحرير مدنهم من الإسبان، فعلاقة الصحراويين بالدولة ظلت عموما ليست على ما يرام، لأن كلامهم عن المغرب دائما نلمس فيه نوعا من اللوم عليها ويعتبرون أن الدولة أهملتهم ولم تهتم بهم ولا بقضاياهم بل وان الآخرون منهم لم ينسوا بعد ما حدث لهم في عملية “أوكيفون” التي شارك فيها الجيش المغربي إلى جانب القوة الفرنسية والإسبانية في مواجهة جيش التحرير المغربي. وقد تزامنت هذه الفترة مع بداية إجتماع اللجنة الرابعة في الأمم المتحدة والتي كان عليها أن تبدي رأيها في قضية الصحراء، وكانت مجهودات حل مشكلة الصحراء متواصلة بين أطراف الصراع في إطار المفاوضات بين المغرب الممثل في عز الدين العراقي الوزير الأول والدليمي وبين اسبانيا والجزائر والجماعة الصحراوية في مدريد، وقد اقترح عبد العزيز بوتفليقة على البوليساريو والجماعة الصحراوية الإستقلال الذاتي واقتسام الثروة الفوسفاطية والسمكية، على أن يحتفظ الجزائر بالعلاقات الخارجية وفي هذا الإطار كان بعض الصحراويين قد حصلوا على جنسيات اسبانية كحضرمي ولد سعيد الجماني والبشير بودريع الذي كان صديقا حميما له والذي كان يلازمه كالظل بتحريض من الجزائر حتى لا ينسق مع المغرب أي خطة تسوية للملف الصحراوي خارج إطارها، خصوصا أن خطرمي يمثل الجماعة الصحراوية التي يرأسها

وهي تضم 104 صحراويا من رموز القبائل ومنه 9 اعضاء في البرلمان الإسباني وفي مقدمتهم هو شخصيا، وكانت تناضل ضد عودة الصحراء للمغرب من إسبانيا، كما ان إسبانيا في تلك الآونة جنست عددا من الصحراويين في إطار إحترازها وحيطتها وحذرها من عودة بعضهم للتنسيق مع المغاربة وإقرارهم بمغربية الصحراء أمام ملك البلاد عبر صيغة الولاء والبيعة للعرش العلوي التقليدية إلى جلب “حزب البونس” أي الحزب الوطني الصحراوي الذي كان يرأسه خليهن ولد الرشيد.

لقد كانت المرحلة دقيقة جدا وكانت المفاوضات بين اسبانيا والجماعة الصحراوية والجزائر قد انطلقت حينها اقترح عبد العزيز بوتفليقة بصفته وزيرا للخارجية على البوليساريو والجماعة الصحراوية مطالب مغربية حتى تضمن الجزائر ممرا للمحيط الأطلسي، لكن المغرب لم يدخر جهدا في جعل الانتصار لدبلوماسيته هدفا أمامه، لذلك كان يتحرك في سياقات عدة سرية وعلنية.

  1. 1)فعلى المستوى العلمي: كان يخوض المفاوضات مع كافة الاطراف سواء الصحراويين أو الجزائر أو موريتانيا أو الإسبان، لأن الهدف هو عودة الصحراء للمغرب. ذلك ان الصحراء المغربية كانت مستعمرة قبل أن يستعمر المغرب، كما تقول بعض قيادات البوليساريو كالمحجوب ولد السالك. ودخلت في نزاع وهي تمر بمرحلة تصفية الإستعمار ومازالت حتى الآن محل نقاش بالأمم المتحدة واللجنة الرابعة كل سنة، إذن الصحراء وفق قوله لم تكن يوما إقليما مغربيا، فالصحراء لم تكن تابعة للمغرب حتى عام 1972، بل البوليساريو نادوا بتحريرها من الإسبان وطلبوا معونة المغرب فرفض أنذاك فانطلقوا لتحريرها ، لكن المغرب يرى غير ذلك ويعتبر ان العلاقة بين المغرب و الصحراء تاريخية وأنها جزء لا يتجزأ منه. وإذا كانت قد عرفت استعمارا قبل المغرب. فالمغرب بنفسه عرف استعمارا وناهض من أجل استرجاعها، وقد عرف نضاله هذا صراعا كبيرا مع دول الجوار؛ الجزائر وموريتانيا وإسبانيا المستعمرة. توج أخيرا بالإعتراف التاريخي بمغربية الصحراء، إثر اللقاء التاريخي الذي جمع بين الملك سد الخامس والرئيس الفرنسي دوكول والرئيس الإسباني فرانكو، والذي تمخض عنه توقيع اتفاقية تِؤكد مغربية الصحراء، وهذه الوثيقة سلمها بلحسن مؤسس المنظمة السرية الصحراوية الذي أمره الملك الحسن الثاني بتأسيسها وعمد إلى أعضاء من الحرس الملكي في تدريب أفرادها على استعمال السلاح، وذلك لمجابهة الأخطار التي تحدق بهم في أعمالهم بمنطقة الصحراء المستعمرة من طرف القوات الإسبانية، ومن ضمن الأشخاص الذين ذكرتهم نفس الوثائق في هذا الشأن المديوري الذي كان يشغل منصب مدير الحراسة الملكية ثم العمراني بوشامة الذي كان رئيسا لحراسة مولاي عبد الله، ثم أحمد ومحمد وزكرياء الذين كانوا يعملون في الحراسة الملكية: وأن الأشخاص المذكورين تابعون للأمن.

2-الملكي كلهم عملوا داخل المنظمة وفقا للتعليمات الملكية، وأن هؤلاء كانوا مكلفين بأمن وتدريب وتنقلات أفراد المنظمة ومسؤوليها في جميع المناطق داخل المغرب وخارجه. وقد وصل عدد أعضاء هذه المنظمة 90 عضوا منحدرين من عدد من الأقاليم والمناطق كالعيون والدار البيضاء والرباط ولاس بالماس وبوجدور ومكناس وتيندوف، إلى الامير مولاي عبد الله شقيق الملك، حيث أنه ومند مدة طويلة كان الملك محمد الخامس هو من سمى والد بلحسن قائدا، وتطورت علاقتهما فكان يزوره في منزل أبيه بين الفينة والأخرى، وكان يحمل معه الحسن الثاني ومولاي عبد الله، فتعرف بلحسن مؤسس ” المنظمة الصحراوية السرية ” على الحسن الثاني ومولاي عبد الله في تلك الزيارات وقد كان بلحسن يشارك الأمير مولاي عبد الله رحلات صيد كثيرة في إطار توطيده لعلاقة الصداقة بينهما ، وفي إحداها سلمه تلك الوثيقة التي هي نسخة من الإتفاقية التي تؤكد مغربية الصحراء كما قلنا والموقعة بين إسبانيا ” فرانكو” والمغرب ” محمد الخامس” وفرنسا”دوكول” والتي حصل عليها عبر جنرال فرنسي متقاعد كان صديقا له، وهذه الوثيقة سلمها الأمير مولاي عبد الله للملك الراحل الحسن الثاني وكان معه العمراني بوشان حارسه الشخصي أنذاك والكولونيل الدغمي الشرقاوي مرافقه، وقد وقع هذا كله في بداية السبعينات فور توصل الملك بتلك الوثائق. وبناءا عليها أخبره مولاي عبد الله بان الملك يريد منه عملا دقيقـا ، لأن الدولة المغربية في تلك اللحظة قامت بعدد من التدابير التي لم تعطي أكلها . ومن ضمنها استقبال خطري ولد سعيد الجماني الذي كان رئيسا للجماعة الصحراوية وهو تنظيم له وزنه السياسي في اسبانيا .فضلا عن كونه عضوا في البرلمان الإسباني، والذي أدار ظهره للمغرب وغادره أنذاك. وبد تكليف الحسن الثاني لبلحسن بالعمل الدقيق والمتأني، اتصل بلحسن ببوشارة الذي كان ينحدر من طانطان واقترح عليه الموضوع ، ونظرا لكون بوشارة ينحدر من الصحراء، ويعرف شخصياتها وقبائلها لكونه كان يشتغل في التجارة التي تسمح له باللقاء بعدد كبير من سكان الصحراء وحتى خارجها . فقد كانت مساعدته مهمة للغاية، تعرف عبرها بلحسن على شخصيات صحراوية تاريخية مثل ماء العينين وحمداني المحامي والكاتب الملحق بالديوان الملكي ولاراباس في المعهد العلمي بالرباط والزروالي ابريكة الذي كان حينها يعمل في ديوان الوزير الأول والرﯕـيبي الذي يشتغل في وزارة الداخلية، بالإضافة إلى عدد من الطلبة الذين كانوا يدرسون في دار التوزاني بالدار البيضاء، منهم الذين درسوا مع الشيخ بيد الله ن وكان الدويهي رشيد عامل بوجدور شقيق الدويهي ابراهيم والذي اشتغل باشا بالعيون، حيث تمكن بلحسن من الإتصال واللقاء ب 27 صحراويا اجتمعوا كلهم في تلك اللحظة الحاسمة في قضية الصحراء وكان قرارهم لفائدة المغرب، حيث اقروا بمغربية الصحراء كلهم .وقد كان هذا اللقاء في 3 نونبر 1975، وكان بمثابة إنطلاقة لهذه المنظمة وعملها التعبوي في قضية الصحراء عامة خدمة للمغرب، وفي هذه اللحظة التاريخية قوت انتقادات هؤلاء.

الصحراويين للدولة المغربية وسلوكها تجاه الصحراء والصحراويين. وكلهم بمن فيهم خطري ومناصريه والمناضلين في صفوف الصحراويين المناهضين للإستعمار الإسباني عبروا عن غضبهم وامتعاضهم من طريقة تعامل الدولة المغربية معهم، بل منهم من لم ينس الدمار الذي خلفه الهجوم المسلح في عملية “أوكفيون” التي شاركت فيها القوات المغربية إلى جانب الجيش الفرنسي والإسباني، بالإضافة إلى القمع الذي تعرض له الشباب الذين خرجوا للإعلان عن مطالبهم في بداية السبعينات فتم قمعهم بقوة من طرف قوات الجنرال أوفقير . فعمد الملك الراحل الحسن الثاني للإقرار بضرورة العمل على إصلاح ما أفسدته الدولة في الصحراء ومع الصحراويين وذلك لاستمالتهم وجعلهم يقرون بمغربية الصحراء ويساعدون المغرب في استكمال وحدته الترابية أمام تنامي العداء الجزائري له ،من إهمال وتجاهل وقمع تسبب في هروب عدد من الصحراويين للجزائر الذين أسسوا الخلايا الأولى والنواة الأساسية للبوليساريو. واستجابة لنداء الملك انطلق عدد من المسؤولين المغاربة الكبار للصحراء مثل المستشار الملكي بن سودة وتواصلوا مع القبائل الصحراوية وشيوخها ورموزها ، ومنذ تلك اللحظة بدأت العلاقة مع الصحراويين تتحسن شيئا فشيئا وبدأوا يقرون بمغربية الصحراء وبقبولهم العيش تحت التاج الملكي العلوي الشريف.

  1. 2)على المستوى السري : كانت تجري هناك مفاوضات سرية بين الملك الحسن الثاني وخطري ولد سعيد الجماني نظرا لثقله السياسي حيث كان تنظيمه يشمل رموزا صحراوية قوية و”104 ” صحراويين ومنهم 9 في البرلمان الإسباني، لأن إسبانيا كانت تجنس الصحراويين أنذاك حتى تختار منهم رئيسا للجمهورية الصحراوية المزعومة ، وهؤلاء كانوا يكنون العداء للمغرب لأنهم يعتبرونه تخلى عنهم حين استنجدوا به في حربهم ضد الإسبان لاستخراج الأعداء الإسبان من أراضيهم . ذلك أن الحسن الثاني أعطى الضوء للمنظمة السرية للصحراويين في مناقشة خطري ولد الجماني في مسألة الصحراء وإمكانية عودته من الإسبان للمغرب ، فاتصلوا به وبحثوا معه آراءه في حاضر ومستقبل الصحراء ، خاصة وأنه لم يكن على وفاق واتفاق مع المناقشات التي كانت تجريها الجماعة مع حزب البونسي والبوليساريو لاتخاذ موقف موحد من مناقشات اللجنة الرابعة بالأمم المتحدة وقد كان الوسيط الذي يحاور خطري وبعض الصحراويين الآخرين من زعماء القبائل كخليهن ولد الرشيد هو سويلم بلحاج البشير ، وحين بدأ يفكر خطري في إمكانية العودة ومقترحات الملك ، أؤسل للحسن الثاني من تلقاء نفسه سويلم بلحاج البشير لمناقشة التفاصيل مع الملك ، وبالفعل اتخذت جميع الإحتياطات ليدخل سويلم من مطار الدار البيضاء دون إجراءات تفتيش خاصة وأنه كان يحمل وثائق من خطري للملك ليسلمها له ، وقد اتصلت المنظمة السرية الصحراوية أنذاك بالحاج المديوري التي كان حينها مدير الحرس الملكي والذي أخبره بدوره الملك ، الذي أعطى الأوامر لكي يتم اللقاء في سرية . وقد حملته طائرة خاصة للملك

3-(المرحوم الحسن الثاني بفاس ، وبالفعل دام اللقاء بين الملك وسويلم ساعتين وسلم الوثائق للملك والتي احضرها له من خطري وابلغه كذلك مطالب أخرى ، كان أهمها : (أ) أن يظل ملف الصحراء بيد الملك ، وأن تبقى الإتصالات والمفاوضات سرية وغير مباشرة أي أن تبقى العلاقة بين الملك وخطري عبر المنظمة السرية .

(ب) أن يعمل الملك على تحسين العلاقة مع الصحراويين والإهتمام بالساكنة إقتصاديا واجتماعيا ، وقد كان خطري بدوره من الشخصيات الصحراوية التي انتقدت طريقة تعامل الدولة مع الصحراويين. إن فترة هذه المفاوضات كانت دقيقة بالنسبة للمغرب خصوصا لما أثبتت الجزائر عن أطماعها علانية وإسبانيا بدأت تستعد لتهييئ إحدى الشخصيات الصحراوية لرئاسة الجمهورية المزعومة الوهمية التي كانت تريد تشييدها بالصحراء . ولذلك كانت تحرك الملك ذكيا وسريعا في انقاد المواقف واحتواء خطري والقبائل الصحراوية الأخرى وتوظيفها لصالحه ، وقد ساعده في النجاح في مهمته كون الحزب الذي يترأسه خاليهن ولد الرشيد لم يكن قويا ، وقد تعرض لانتقادات وتحركات ومجابهات شتى من طرف عناصر البوليساريو لدرجة انهم أحرقوا مكاتب الحزب ، ولهذا غير خليهن ولد الرشيد وجهته وعاد للمغرب رفقة البشير الدخيل وحمودي بوحنانة . وحين اعلن الملك الراحل عن تحرك المسيرة الخضراء نحو الصحراء في 28 أكتوبر 1975 ، ارتبكت جموع الجهات المتنازعة مع المغرب في ملف الصحراء ،بمن فيها التي تفاوض المغرب سرا كخطري الذي أعلن من إسبانيا أن المغاربة لن يدخلوا الصحراء إلا على أجسادهم . هاهنا تأكد الملك أن خطري انقلب في مواقفه ، في هذه اللحظة بالذات أخبر المديوري المنظمة السرية الصحراوية بان عليه إحضار خطري للمغرب باي ثمن لإنجاح المفاوضات التي بدأها معه في السر ولضمان مخطط استكمال الوحدة الترابية المغربية ، وكان ذلك امر الملك الحسن الثاني ، وبالفعل نسقت المنظمة السرية للصحراويين مع احد اعضائها عمر سبيو عن طريق خليفة الحيحي وهو من الشخصيات الصحراوية البارزة ، وطالبت منه الحضور للرباط لتدارس مستجدات الملف الصحراوي . فحضر واكد لنا بعد دراسته بوجود شخص إسمه البشير بودريع صحراوي وبرلماني إسباني دائما يراقب الخطري كظله. ورسمت المنظمة خطة لإبعاده عن خطري بالإتفاق معه ، حيث يتغيب خطري في اليوم الثاني من المفاوضات التي كانت تعقد أنذاك في إسبانيا بين الإسبان والجزائر والصحراويين في مدريد وينوب عنه البشير في المفاوضات بصفته نائب خطري في الجماعة الصحراوية . وطلب في نفس الوقت من عمر سبيو الذهاب للصيدلية لإحضار دواء يخفف عنه اوجاع الرأس التي ألمت به . فكانت الفرصة مواتية لكي يغادر خطري إسبانيا إلى فرنسا وهناك إلتقاه المديوري وعاد مباشرة إلى أكادير على متن الطائرة الخاصة للملك . وقد نفى خطري هذه الإشاعة بعد عودته للمغرب. وقال أنه عاد لوطنه بمحض إرادته ، وقد خصه الملك.

باستقبال وترحيب كبير لأنه بهذه الخطوة نجح الراحل الحسن الثاني في كسب إقرار الكثير من الصحراويين ورؤساء القبائل التي كانت تعول إسبانيا على إستمالتها لدعمها في خلق الجمهورية الوهمية والإنتصار لمقاربتها في الملف الصحراوي وفي عودة العديد من الزعماء الصحراويين من قادة البوليساريو أنذاك تلبية لنداء الملك بالعودة إلى وطنهم كالبشير مصطفى السيد والغالي إبراهيم والمحفوظ علي بيبا .

ولد سعيد الجماني وأهميته:لم يكن خطري ذلك الإنسان العادي الذي تناولته الذاكرة الشعبية من خلال الحديث عنه وفي سياق طرائف فكاهية عدة. بل كان خطري رجل في منتهى الذكاء ويعرف كيف يلعب على حبل السياسة . ولكي تصوغ تحالفاته أمام خصوم يفوقونه قوة وحجما ، وكيف ينتقل من معسكر لآخر في اللحظة المناسبة . وإدراكا من ملك المغرب الحسن الثاني لخصوصية هذا الرجل وأهميته في الملف الصحراوي والنزاع حول الصحراء الغربية وقدرته على تمييل الكفة لصالح المغرب عمل الحسن الثاني على إحتوائه لأنه يشكل بانتمائه إلى قبيلة الرﯕيبات أقوى قبائل الصحراء وزنا هاما وثقيلا في إدارة الشأن الصحراوي ، ذلك ان قبيلة الرﯕيبات جمعت كل مصادر القوة بين يديها : كمؤسسها الشيخ أحمد الرﯕيبي الذي عاش ودفن في منطقة الساقية الحمراء في القرن السابع عشر . فهي إذن تتوفر على مكون الصلاح وتتوفر على مكون الشرف من حيث تنتمي نسبيا إلى عبد السلام بن مشيش من سلالة المولى إدريس. وهناك توفرها على مكون آخر وهو القوة الديمغرافية الكبيرة حيث هي اكبر تجمع قبلي بالصحراء وهي أقرب إلى تشكل كونفدرالية قبلية واحدة كما يقول رحال بوبريك مدير الدراسات الصحراوية في الرباط ” زمان”: ” في الواقع ن ما جعل الرﯕيبات قوية في ذلك الوقت هو وزنها الديمغرافي وطابع الممارسة الحربية التي راكمتها في أواخر القرن التاسع عشر وجعلتها تكتسح مجالا كبيرا. أما الشرف فتشترك فيه مع قبائل أخرى دون أن تمتلك نفس القوة. الشرف ينفع فقط إذا كان حامله قويا في الصحراء ،العامل الأساسي وراء مكانة قبيلة هو ما يعبر عنه بمصطلح ” الشوكة ” أي القوة الديمغرافية للقبيلة، وعدد افرادها الحاملين للسلاح “. ونظرا لكون الرﯕيبات قبيلة محاربة ، فقد مكنها وزنها الديمغرافي الكبير من تملكة قوة عسكرية لا تضاهى ، حسب ما جاء في مجلة “زمان” ملف الصحفي خالد الغالي. فالرﯕيبات ذات نفوذ ترابي يمتد على مساحة كبيرة تفوق كثيرا ما يسمى خلال الفترة الإستعمارية ” الصحراء الإسبانية “فهي تشمل مناطق شاسعة في تندوف وموريتانيا والساقية الحمراء ، وخلال فترة الإستعمار وجدت هذه القبيلة نفسها مقسمة على ثلاث دول : المغرب الجزائر وموريتانيا ، وخاضعة لنظامين مختلفين فرنسي وإسباني . واليوم توجد قيادات ركيبية في كل من المغرب على غرار خليهن ولد الرشيد ،محمد الشيخ بيد الله، وعمر الحضرمي وفي جبهة البوليساريو مؤسسها الراحل الولي مصطفى السيد. وفي موريتانيا يحتل أفراد من الرﯕيبات أماكن مهمة في الجيش

وقطاع الأعمال. وقد كان خطري ينتمي إلى البيهات المستقرة في إقليم الساقية الحمراء وهي أقوى فصائل الرﯕيبات. وكانت البيهات تخضع للإدارة الإسبانية، بحكم إستقرارها في حوض الساقية الحمراء. فيما خضع أقرب أبناء عمومتها ( داوود وابراهيم والفقرا )المستقرين في تندوف للإدارة الفرنسية . وهو ماكان يسمح لها أحيانا باللعب على حبل التنافس بين القوتين الإستعماريتين ، وفي هذه الظروف ولد خطري عام 1915 بمنطقة الأخصاص بين مدينتي تزنيت وكلميم نوكان لأبيه 12إبنا ، لذلك كان التنافس على المشيخة بين اولاد الشيخ أحمد الرﯕيبي . فأبو خطري أي سعيد لم يكن إلا أحد المتنافسين بدوره على المشيخة لذلك بعد وفاة أبيه الشيخ أحمد الرﯕيبي عام 1947 ، لجأ خطري للفرنسيين حيث نزل تزنيت وكلميم برسالة من أبيه إلى الفرنسيين كرد فعل اتجاه جماعته الصحراوية التي عينت صالح ولد حنيني في منصب المشيخة العامة للقبيلة والذي ساندته الإدارة الإسبانية يتمنى فيه أب خطري ووالده وأهله كباقي الرﯕيبات أن يصيحوا تابعين لمركزالجزائر، حسب رواية “أولفين فيرنيو” . وكانت هذه طريقته لخلق التوازن في وجه القبيلة والإدارة الإسبانية. ولما توفي سعيد ولد الحماني 1958 ولم تآل المشيخة لخطري ، وهو ابن 36 عاما أختار فضل اكتفاء لمدة 5 اعوام وهو في منافسة مع ولد حنيني إلى حين إستقلال المغرب عام 1956. ولعل تركيز الملك الراحل على خطري واهميته في دعمه في سياق تحقيق الوحدة الترابية يرجع إلى كون خطري ولد سعيد الجماني من أوائل شيوخ الصحراء الذين كان مع عدد من الشيوخ الذين أقسموا بالوفاء للسلطان محمد بن يوسف عام 1953 بعد خلعه عن العرش . ففي مؤتمر ” أم الشكاك” قرب العيون الذي عقد في مارس 1956 والذي تقرر خلاله الإمتناع عن أداء الضرائب للإدارة الإسبانية وإرسال وفد إلى الرباط لبيعة محمد الخامس، وتزعم حملة تحريض القبائل ، وشارك بالفعل في الوفد الذي أبلغ السلطان امتعاضه من معاملة المغرب للصحراويين وتخليه عنهم ، ورفض اداء الضرائب للإسبانيين وبدا يحرض القبائل ضدهم. وبايع محمد الخامس كما أنه عبر له عن رفضه للإتفاق المغربي الإسباني الذي عقد في أبريل 1956 والذي ترك منطقة الصحراء جانبا.

  1. 3)جيش التحرير :اتهام الصحراويين بالمؤامرة.

لعل الجرح الذي خلفه جيش التحرير لدى الصحراويين في قلوبهم حيث اتهمهم بالخيانة ضد الملك وتدبير المؤامرة هو الذي اجج نار الإنتقام لدى الصحراويين منه ، وكذلك جعلهم يولون ظهورهم للمغرب . ويلتجئون للفرنسيين والإسبان للإحتماء بهم .ذلك أن الصحراويين من أمثال خطري ورفاقه كانوا يعقدون أملا كبيرا على جيش التحرير في الجنوب . وبالفعل في 6 يوليوز 1956 قام الجيش بأول عملياته في الصحراء المسمى ب ” أم العشائر” وبعدها عمليات أخرى أعقبتها “أم كالة” ،” محاميد الغزلان ” ،”اللويحات”، ” الزمول 1″، ” الزمول 2″ ثم عملية ” اطار ” في التراب الموريتاني المعروفة بعملية “ثكل”، يقول

محمد بن الشيخ بيد الله ، وهو من رﯕيبات أولاد الشيخ في تصريح لمجلة “زمان” : « احتضنت قبيلة الرﯕيبات جيش التحرير وكانت من بينها شخصيات كبيرة ضمن جيش التحرير ، ومن بينها خطري الجماني وحبوها لحبيب ومحمد ولد العريبي ، هذا الأخير صرف من جيبه على جيش التحرير مدة ستة اشهر ، بل أن أول عملية قادها جيش التحرير ، وهي أم العشائر كان أفرادها من الرﯕيبات ، وقبل ذلك كان أول وفد من الصحراء يقدم على السلطان ببيعته في مارس 1956 كله من الركيبات ، وكان من بينهم والدي (زمان” عدد أبريل 2015 ص 64 .ملف حول خطري وجيش التحرير أنجزه خالد الغالي) . لكن بعض القادة المغاربة الذين كانوا مسؤولين في قيادة هذا الجيش العسكرية كأوفقير والدليمي واللذان كانا في الواقع يبطنون العداء للملكية ، ويظهرون الوفاء لها ، أرادو الحيلولة دون انشغال الملك بالملف الصحراوي أنذاك واستكمال وحدته الترابية ، فأوشووا له بخيانة مبطنة للصحراويين ضده ، وعدم وفائهم له في خدمة القضية الصحراوية وفق الأجندا المغربية ، إلى جانب تقرير سلمته قيادة جيش التحرير أنذاك للملك محمد الخامس رحمه الله في نهاية عام 1959 يتحدث عن مؤامرة تقودها “جماعة من الرﯕيبات على رأسهم أبا الشيخ وخطري ولد سعيد وحبوها وأحمد سالك ولد حمان » بإيعاز من أطراف داخل العاصمة لإحداث انقلاب ” صحراوي ” داخل جيش التحرير بدعم من أطراف داخل العاصمة .

يقول ابراهيم الجماني حفيد خطري ولد سعيد ، والبرلماني عن حزب الاصالة والمعاصرة : ” أحس الصحراويون أن هناك شيئا ما يدبر في الخفاء ضد الملكية . كان هذا خطا أحمر بالنسبة لهم ، رغم أنهم مع اهداف جيش التحرير ، هذا هو سبب القطيعة بين جيش التحرير والصحراويين بصفة عامة ، وخطري بصفة خاصة ” ، ويؤكد بيد الله من جهته القول : ” انتصبت يد حديدية بين القصر وجيش التحرير ، وحدثت تجاوزات كبيرة ضد الصحراويين الذي كان يعتبرهم فريق من جيش التحرير مقربين ومؤيدين للملكية . كان الصحراويون يرون أمام أعينهم أن هناك مؤامرة ضد الملكية، بل ضد آل البيت ، وكلمة آل البيت كان لها وزنها لدى الصحراويين. حتى أنهم حين يتحدثون عن محمد الخامس يقولون ‘ ولد مولاي يوسف ‘ ولا يسمونه باسمه محمد احتراما له .” رغم ذلك يستطرد بيد الله “.فإن “خطري لم يكن حاضرا بقوة في المواجهات مع جيش التحرير بالشكل الذي كان به صحراويون آخرون كحبوها لحبيب ، وأبا الشيخ ولد با علي ، وعبد الله ولد الرويبح ، وإيدا ولد التامك ” .لكن مافتئ أن خاب ظنهم في هذا الجيش وأصبح التعايش بينهم صعبا أمام ما يحاك ضدهم من مؤامرات وسوء معاملة . وصار من اشد الأعداء لهذا الجيش خطري الذي صار إسمه على لائحة أعداء قيادة الجيش هذا وأصبح هدفا معرضا للإغتيال أو الإختطاف لهذا تنكر ذات يوم في زي امرأة صحراوية وركب ناقته وهو يحمل طفلا صغيرا وتسلل هاربا من كلميم قبيلته في الساقية الحمراء ، وأصبح بعد ذلك عدوا لهذا الجيش وعاد يقاتل ضده ويحيك المؤامرات ضد المغرب.

يقول مصطفى الناعمي الباحث في الشؤون الصحراوية :” أخرج خطري نسخة من القرآن وطلب من السالك ( هرب بدوره من جيش التحرير )أن يقسم على حفظ السر هنا، كشف لع علانية التوجه إلى بئر أم كرين ( أقصى شمال موريتانيا) للدخول في محادثات مع الفرنسيين ” قبض على أحمد السالك فيما نجح خطري في الوصول إلى هدفه في بئر أم كرين عرض خاطري على الضباط الفرنسيين التحالف للتخلص من جيش التحرير في الجنوب ، وطلب إمداده بالسلاح. كان هذا في النصف الثاني من شهر دجنبر 1957 . وفي 15 يناير 1958 ، وجه خطري رفقة عدد من شيوخ الرﯕيبات الرسالة الأتية إلى غوستان كوزان ، المفوض الفرنسي السامي في شؤون إفريقيا الغربية في دكار : ” (…) نطلب من سيادتكم (…) تدخلكم ضد جيش التحرير الذي يهاجمنا على أرضنا متسببا في خسائر البلاد والممتلكات والناس. هذا التدخل يتمثل أساسا في الدفاع عن أرضنا، التي تمتد من الخراويع إلى المحيط الأطلس ، ومن الساحل إلى أحرار سطون ، إلى كدية أدجيل ، إلى يئر أم كرين، إلى تندوف، إلى واد درعة . إنها البلاد التي تتوسل مساعدتكم من لأجل الدفاع عنها (…) والسلام كتب بامر من خطري الالمذكور أعلاه. في 24 جمادى الثانية 1977/15-01-1958.” كانت الفرصة ملائمة لفرنسا التي اعتبرت رسالة الركيبات وخطري تمثل نداء عاجل للتدخل وكسب الغطاء الأخلاقي لعملية ” ايكوفيون ” بالتعاون مع إسبانيا . وما كان يمر شهر حتى قضت على جيش التحرير بشكل نهائي . بعدها وجه خطري رسالة شكر ثانية إلى كوزان لتقديم شكره وتضامنه مع فرنسا ويذلك أدار ظهره خطري للمغرب. وتقر بعض الشهادات التاريخية إلى كون جيش التحرير يتصدر الصدارة عن أحمد السالك ابن القائد دحمان بن مبروك بوجود دور مفترض لكل من محمد أوفقير وأحمد الدليمي ، الضابطين في القوات المسلحة الملكية ، في الدفع بخطري إلى التوجه إلى بئر أم كرين عند الفرنسيين ، وأن رسالة خطري نفسها تسير في هذا الإتجاه إذ تؤكد لجوء خطري لفرنسا لم يكن اعتباطيا أو من تلقاء نفسه بل كان مقصودا يقول مصطفى الناعمي عنه . وفي شهر ماي 1958 كان خطري في مدينة ألاك الموريتانية لحضور المؤتمر التأسيسي لحزب التجمع الموريتاني بزعامة المختار ولد دادة ، المناهض لأي وحدة مع المغرب الذي كان يطالب حينها بضم موريتانيا. وخلال الاشهر المتبقة وطيلة 1959 قاد هجمات ضد القوات المسلحة الملكية المغربية ، ولكن ما الذي دفع خطري للدخول في مواجهة مفتوحة مع المغرب خلال هذه الفترة. يقول أولفيه فيرنيو ، أن خطري ولد سعيد قرر لحظتها أن :” يقطع جدريا مع الخيار المغربي ، مفضلا أن يراهن على مستقبل أرض أسلافه بمساعدة الخارج ضد المغرب .” ويضيف فيرنيو أن فرنسا كانت تنظر بعين الرضا إلى فكرة إنشاء كيان سياسي في المنطقة الشاسعة التي يمتد عليها نفوذ قبيلة الرﯕيبات ، وهو الطموح نفسه الذي كان يراود الزعيم الصحراوي. يؤكد محمد الشيخ بيد الله هذه الفكرة : ” كان هذا المشروع حاضرا لدى الفرنسيين ، بل

بدأوا في الإعداد له فعلا ، فاستدعوا مجموعة من الشيوخ من تندوف، ثلاثة أو أربعة من بينهم عمى حبوها الحبيب ، ونقلوهم إلى باريس ، وعرضوا عليهم المشروع ، بيد أن هؤلاء رفضوا .” في نفس الإطار يؤكد بيد الله بان خطري لم يكن له علاقة بالمشروع، ولم يكن خطري في تاريخ تحالفاته   السياسية وفيا لأي طرف سواء الفرنسي أو الإسباني ، بل كان وفيا لأي طرف يخدم مصلحة الجماعة التي يمثلها ” البيهات ومن ورائها الرﯕيبات ” . ولكن أكثر رهاناته كانت على الإسبان منذ فراره من جيش التحرير في دجنبر 1957 وحتى نونبر 1975 تاريخ التحاقه بالمغرب دون على اتفاق كلي معها في مواقفها من الصحراء ، بل كانت علاقته معها فيها نوع من الشد والجذب . ولعل ما يؤكد ذلك هو أنه حين أعلنت مدريد ” الصحراء الإسبانية ” مقاطعة إسبانيا في أبريل 1961 . ثم نظمت فيها أول انتخابات محلية،انتخب فيها خطري رئيسا لمجلس المقاطعة (cabido ) وعضوا في الكورنيش الإسباني عن مدينة العيون ، سرعان ما دخل عام 1965 في النصف الثاني من هذا العام في صراع مع الإسبان . حيث رفض في يونيو 1966 التوقيع على تصريح إسباني تعلن من خلاله القبائل الصحراوية تعلقها بإسبانيا، كانت تعتزم تقديمه للأمم المتحدة . وفي شتنير من عام 1967 قاطع حضري تأسيس ” الجماعة الصحراوية ” قبل أن يصبح في فبراير1971 رئيسا لها وعبرها صار من الأعيان القلائل الذين ربطوا علاقات سرية مع محمد ابراهيم بصيري مؤسس الحركة التحريرية في الصحراء قبل أن يختفي إلى الأبد إثر إنتفاضة ” الزملة ” في يونيو 1970 . لكن ما الذي جعل خطري يراهن على إسبانيا طيلة هذه الفترة ؟ يقول محمد الشيخ بيد الله أن ذلك يرجع :”أولا :إلى مخلفات فترة جيش التحرير ، ” الحكرة ” التي أحس بها شيوخ القبائل الصحراوية ، كما أن خطري لمس أن المغرب لم يعد يولي إهتماما كبيرا بالصحراء ، وحده علال الفاسي كان ما يزال متشبتا بموقفه القديم من الصحراء، فيما كان دور أغلب الفصائل السياسية متذبذبا . أتذكر ونحن شباب 1971 أننا كنا نزور قادة الأحزاب السياسية دون أن نلقى إهتماما من أحد ، أتذكر مثلا : أن محمد اليازغي من الإتحاد الوطني للقوات الشعبية كان أحد القادة القلائل الذين استقبلونا استقبالا حسنا ، وأبدوا موقفا مؤيدا لمغربية الصحراء “. ونفس الطرح يؤكده عبد الكريم غلاب القيادي في حزب الإستقلال والصحافي السابق ل “زمان” لم يكن الموقف المتجاهل لقضية الصحراء، مقتصرا فقط على أعدائنا، بل حتى من بعض أصدقائنا في الحركة الوطنية . في إحدى المرات رسموا كاريكاتير لعلال الفاسي على ظهر جمل تائه في الصحراء للسخرية من نداءاته المذكورة بخصوص الصحراء..وتشبث علال الفاسي وحزب الإستقلال بقضية الصحراء، كان أحد الأسباب التي دفعت القصر لإعادة التفكير في تعامله مع القضية .”

إنطلاقا من 1973 ظهر عنصر جديد في القضية الصحراوية يتمثل في ظهور فاعل جديد على الساحة السياسية في الصحراء ،سرعان ما شرع في سحب البساط من تحت أقدام ” الجماعة الصحراوية ” يتعلق الأمر بظهور البوليساريو ، أي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب . إنه شباب صحراوي يحمل أفكارا ثورية ، ويرفع شعار طرد الإستعمار الإسباني .وقد كسب هذا الشباب شعبية كبيرة في الصحراء ، وقد عمد الإسبانيون إلى محاولة تدارك الموقف ،فدعمت تأسيس حزب الإتحاد الوطني الصحراوي في نهاية عام 1974 فكان الهدف من تأسيس “البونس” هو خلق حزب من الشباب مقرب من الإدارة الإسبانية ، إلا أن المحاولة باءت بالفشل ، حيث أن هذا الحزب قبل ماي 1975 سيقدم البيعة للملك الحسن الثاني والعرش ممثلا في شخص خليهم ولد الرشيد بالرباط.

إعلانات

وحين حلت بعثة الأمم المتحدة عام 1975 بمدينة العيون ، إتضح بما لا يدع مجالا للشك أن البوليساريو أصبح أكثر التنظيمات في الصحراء حضورا .وذلك ما جعل خطري والإسبان يقتنعون بضرورة فتح مفاوضات معها ، وحسب ما قاله أوليفيه فيرينيو نقلا عن صحيفة ABC الإسبانية ، فإن خطري توجه بنهاية ماي 1975 لتندوف ليعرض الولي مصطفى السيد ” وحدة لجميع الفصائل الصحراوية ” وقد نفت أسرة خطري هذا الكلام   واستبعده محمد الشيخ بيد الله ، وعلى كل حال فإن خطري كان حاضرا في 12 أكتوبر 1975 بعين بن تيلي(قرية في أقصى شمال موريتانيا على الحدود مع الصحراء) خلال مؤتمر ” الوحدة الوطنية ” الذي نظمته البوليساريو من أجل استقطاب ” البونسي” وشيوخ ” الجماعة الصحراوية ” حسب فيرينيو مجددا كان موقف خطري ضد المغرب في هذه اللحظة متصلبا أكثر من أي وقت آخر بعد عودته من المؤتمر صرح قائلا : ” لن يبقى الصحراويون أبدا مكتوفي الأيدي أمام عدونا الوحيد : المغرب ”

وفي اليوم الموالي أعلن :” سنكافح حتى الموت من أجل إستقلالنا ، لقد طلبنا الأسلحة من إسبانيا حتى ندافع عن حدودنا “. ويرفض ابراهيم الجماني حفيد خطري هذا الطرح تماما قائلا : ” ذهب خطري إلى عين بن تيلي ينصح البوليساريو بالتريث ، وباستحالة تشكيل دولة ، فلا الظروف ولا الإمكانيات تسمح بذلك . موقفه هذا مستحيل ومصروف لدى المغرب والبوليساريو .”

وحين أعلنت إسبانيا في 20 غشت 1974 رغبتها في تنظيم استفتاء في الصحراء ، في الأشهر الأولى من سنة 1975 . تحت إشراف الأمم المتحدة ، أبدى خطري تأييده للمقترح. لم يكن أمامه على كل حال خيارا آخر ، فهو في الأخير رئيس “الجماعة الصحراوية ” التابعة رسميا لإسبانيا . أما الرد المغربي فكان طلب تحكيم محكمة العدل الدولية بلاهاي . ساعات قليلة بعد صدور الرأي الإستشاري للمحكمة ، أعلن المغرب في 16 أكتوبر 1975 تنظيم المسيرة الخضراء. وحدد انطلاقتها مع 6 نونبر 1975 . وحتى حدود 30 أكتوبر 1975 أي أسبوعا فقط من المسيرة الخضراء كان لا يزال خطري يراهن على الموقف الإسباني . ولعل خطري كان متقلبا جدا في موقفه من المغرب وعلاقته بالصحراء حيث يروي الناطق الرسمي باسم الامين العام للأمم المتحدة بين سنتي 1972 و 1975

تفاصيل حدث غريب عاشه في نهاية 1975 ، في العاصمة الإسبانية مدريد . كان بطله خطري ولد سعيد جماني ، فبعد إعلان الملك الحسن الثاني تنظيم المسيرة الخضراء ، قاد هذا الناطق الرسمي جولة في المنطقة حملته إلى المغرب وموريتانيا وإسبانيا والجزائر ، حسب اندريه لوسين فإنه تلقى إتصالا من السفير الجزائري في مدريد ، نور الدين خلادي بعد العشاء قاده السفير الجزائري إلى قبو إقامته ، وجد المبعوث الرسمي الأممي نفسه أمام عدد من الشيوخ الصحراويين . يقول أندريه لوين :” فهمت بسرعة بانهم نواب صحراويون في البرلمان الإسباني ” الكورتيس ” الذي كان ينعقد في دورة حينها . أخذ النواب الكلمة واحدا تلو الآخر ، جذب انتباهي أحدهم بحدة نظرته ، وبنبل وقاره، وبالفخر المنبعث من كلمته ، أكدو لي جميعهم (على الاقل من الترجمة التي أعطيت ) ، رغبتهم في عدم البقاء مع إسبانيا وأمنيتهم أن يرووا الامم المتحدة تقود استفتاءا لتقرير المصير يمكن لشعبهم من ممارسة حقوقه والتعبير عن رايه بخصوص مستقبله.” استكمل المبعوث الأممي جولته، وإلتقى بعد أيام بالملك الحسن الثاني يقول لوين:” قبل أن يتركني ، طلب الملك من وزير الإعلام أن يقودني إلى قاعة أخرى من القصر حيث كان رئيس الجماعة ، يعقد مؤتمرا صحافيا بعد إلتحاقه المذهل بالمغرب (…) دخلت إلى القاعة الخاصة عن آخرها بالصحافيين من جميع انحاء العالم لتغطية المسيرة الخضراء، والإستماع إلى رئيس الجماعة خطري ولد سيدي سعيد ولد الجماني ، وكم كانت دهشتي كبيرة عندما إكتشفت أنه ذلك النائب الصحراوي في الكورتيس الإسباني الذي لفت انتباهي الاسبوع الماضي في ذلك اللقاء الغريب الذي حضرته في قبو السفارة الجزائرية في مدريد”. إذن نلاحظ انقلابا في الرؤية والتوجه في الملف الصحراوي من قبل خطري ولد سعيد الجماني مما طرح استفسارا في الموضوع وبعث على الغرابة . ولكن الحقيقة هي كون الحسن الثاني كان ذكيا ولا يمكن أن يفرط في صيد ثمين في ملف الصحراء يمكن أن يؤكد مغربيتها عبر إنتمائه لها ومعه صفوف من القبائل الصحراوية التي لها وزن في الشأن الصحراوي المغربي ، فقد كانت تجري بينه وبين خطري مفاوضات سرية يقول محمد الشيخ بيد الله أن خطري : ” كان في اتصال مع المغرب منذ وقت سابق بواسطة الرقيبي مولاي ابراهيم. وكان يفاوض المغرب سرا ،وكان بهذه التصريحات والمواقف يهادن الإسبان ، وفي المقابل يقوي موقفه أمام المغرب، خاصة أنه كان يريد التأكد من الإتصال بالقصر وليس اي جهة .خطري كان لا يتكلم إلا مع رجل يملك سلطة القرار وليس شخصا يلعب دورا ثانويا .”بدوره ابراهيم الجماني يعتبر أن تصريحات جده، خلال هده الفترة ضد المغرب وضد المسيرة الخضراء، كانت :” مجرد تمثيلية ، ففي تلك اللحظات كانت الظروف تملي عليه أن يكون حذرا ، وأن لا يعطي الإنطباع انه مع المغرب . كل هذه التصريحات كانت في إطار تدبير عملية الرجوع للمغرب، حسب ما وصلني من العائلة والأشخاص الذين كانوا معه . كان موقفه واضحا ودائما مع المغرب كان عليه فقط أن يدبر المرحلة بطريقة فيها

الكثير من الذكاء والحذر. في رواية أخرى لمحللين اصبح خطري على قناعة منذ بداية سنة 1975 ، بأن اسبانيا محدودة في الصحراء، ومعدودة. وأن القضية في طريقها إلى التسوية على طريق إتفاق ثلاثي بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا. كما كان مقتنعا أن لا مكان له في بوليساريو . في لحظة كانت أيدي المغرب مفتوحة له فلم يكن يريد الإرتماء في حضن المغرب . وفي 2 نونبر 1975 إلتقى سريا في لاس بالماس بالمستشار الملكي بنسودة وسلمه بيعته للملك الحسن قبل أن يطير في اليوم الموالي إلى أكادير مبايعا. ومنذ ذلك الوقت ظل إسم خطري مرتبطا في الذاكرة الشعبية المغربية بقضية الصحراء. وقد بقي بالمغرب إلى وفاته على سن 78 عاما في 1983.

اترك رد