الانتخابات الرئاسية والحس الوطني عند الشعب المصري

بقلم: لحسن الجيت

في يوم ليس ببعيد، حرج علينا السيد عبدالاله بنكيران، رئيس الحكومة الأسبق، بتصريح دعا فيه المغاربة إلى الاقتداء بالشعب المصري الذي يمتنع عن تزكية التطبيع الرسمي لبلده مع إسرائيل ويرفض أن يشارك في ذلك التطبيع لكي لا يكون تطبيعا شعبيا. الخروج بهذا النوع من التصريح فيه نوع من التحريض وتجييش مشاعر عامة الناس البسطاء ضدا في خيارات الدولة المغربية التي شارك فيها حزب العدالة والتنمية بنفسه من خلال التوقيع على اتفاقية أبراهام. ثم أن إحالة شعب للتماثل في سلوكه مع شعب آخر فيه نوع من الاستخفاف والقفز على خصوصيات كل بلد بما فيه كذلك القفز على  الضوابط والمرجعيات التاريخية والثقافية والإبستيمولوجية التي تؤطر عقليات الشعوب وأنماط تفكيرهم.

إننا ونحن نذكر السيد عبدالإله بنكيران بحقائق لا ينبغي القفز عليها بزلة لسان وزئبقية عقل، كان من المفترض عليه بعد أن مارس السلطة كرئيس للحكومة، أن يبدي مزيدا من التعقل أكثر من غيره وأن يكون أكثر دراية ونضجا بكل ما يحدد الشخصية المغربية التي هي قائمة في أبسط تجلياتها بأن هذا المغرب هو بلد التعدد وبلد التسامح والتعايش، عوض أن ينزلق الرجل في الحسابات السياسوية اوفي حملة أقل ما يقال عنها اليوم بأنها حملة كيدية وفيها نوع من الانتقام والمساومة قياسا بما يعتقد أنه قد ألحق به حيف في آخر استحقاق انتخابي. هذه هي الخلفية السيكولوجية التي تتحكم اليوم في السيد بنكيران وقد يزداد سعارها كلما اقتربنا خطوة بخطوة من الاستحقاق الانتخابي المقبل.

وبالرجوع إلى تلك المقارنة، كيف يمكن لزعيم حزب العدالة والتنمية أن يقرأ لنا اليوم الانتخابات الرئاسية المصرية التي حققت فوزا كاسحا بإعادة انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي لولاية جديدة مدتها ست سنوات. هذه الانتخابات جرت كما هو معلوم في أجواء إقليمية جد متوترة بسبب الحرب الدائرة بين إسرائيل وتنظيم حماس. وبالرغم مما تحمله هذه الحرب من انعكاسات وتداعيات خطيرة على أمن واستقرار المنطقة وخاصة جمهورية مصر العربية كالخطر المتمثل في إمكانية تهجير فلسطينيي قطاع غزة إلى سيناء، بالرغم من كل ذلك لم يكن هذا الخطر حاضرا لا في أجندة المرشحين ولا هو مدرج في دائرة انشغالات الناخب المصري. كل القضايا الإقليمية في علاقاتها المباشرة أو غير المباشرة لم تكن ذات أولويات بالنسبة لانتظارات الشعب المصري. غطرسة إسرائيل التي راح ضحيتها أبرياء من مختلف الأجناس والأعمار والفئات لم تكن حاضرة في الحملات الانتخابية بالشكل الذي يمكن أن ينال من مصالح الدولة ومصالح المواطنين.

 لقد أظهر الشعبالمصري حسا وطنيا ومرهفا تجاه قضاياه وجعلها في المقام الأول قبل أية اعتبارات أخرى. ولم يسمح لأي كان أن يزايد عليه أو يساومه في مصالح بلده . لقد أقفل الطرق والمسارب في وجه كل من أراد أن يتجرأ أو أن يتطاول كل غريب على أرض الكنانة وخاصة في فترة اقترنت بحملة انتخابية مفتوحة يغلي فيها المشهد السياسي أكثر من أي وقت آخر.

نذكر مرة أخرى السيد عبد الإله بنكيران أن هذا هو المجال الذي ينبغي أن نوضع فيها مقارنات بين الشعوب. شعوب تغار على أوطانها وشعوب يوجد من بينها من يريد أن يدوس كرامة المغاربة.  الغريب أننا لسنا في حملة انتخابية ولكن ما حدث ويحدث من وقفات وخرجات في سبيل قضية لها أهلها يتجاوز حدود الفهم والقراءة ويحمل على الاعتقاد الجازم أنها تنم عن وجود مخطط أكبر بكثير من مفهومي التضامن والمناصرة. وكما يقال إذا بلغ الشيءمنتهاه  انقلب إلى ضده.

جميع شعوب العالم، باستثناء الشعب الجزائري المحجور، آظهرت مواقفها المؤيدة والمناصرة للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية إنسانية وعادلة. ولا أحد منا يجادل في ذلك. كل هذه الشعوب بقيت عند حدود التأييد والتضامن مع الشعب الفلسطيني وأدانت من بين ما أدانت التجاوزات التي طالت الأبرياء من الجانبين. قد نتفهم هذه المواقف لبشاعة المشهد لكن ما هو غير قابل للفهم أن يخرج البعض منا ويكشف عن حقيقة نواياه بعد أن يتخذ القضية الفلسطينية مطية ليصفي حساباته في محاولات يائسة مع الدولة المغربية.

كل مواطن غيور على وطنه يستعصى عليه أن يستوعب معادلة مختلة يتساوى فيها الإسلامويوالقومجي واليساري حينما يخلط هؤلاء بين تضامنهم مع قضية وما بين تعريض مصالح وطنهم للخطر. شخصيا لم أسمع بهذا الخلط كشعارات في جميع المظاهرات عبر مختلف الدول. فالتميز وشهادات التقدير لا تعطى في خيارات التدمير والتخريب ومن ينحا في هذا الاتجاه يجب أن تسقط عنه المواطنة على أن تسقط عن ذاك الذي كما قيل عن من ثبت ضلوعه في قتل فلسطيني.

 وقد نسائل السيدة منيب عن ماهي المعايير وأدوات الفرز التي يجب اعتمادها في اليهودي المغربي الصالح وذاك اليهودي التي تتهمه تلك المناضلة في جلد ذاتها بأنه هو الذي قتل فلسطينيا وليس جنديا أشكنازيا. دعوات من هذا القبيل تنم عن الجهل بالأشياء ولا تريد سوى إثبات الذات والوجود خوفا من شيح النسيان والانقراض.

 أما ثالثة الأثافي فهي لا تبارح مكانها عن ظهر القومجيين وهم اللبنة الهشة في المعادلة المختلة. لا حس لهم يذكر يشوشون ولا يؤثرون. يقولون عن أنفسهم بأنهم جاؤوا أو جي بهم على الأصح لمناهضة التطبيع بقناع بات مكشوفا تحت مسمى مناصرة القضية الفلسطينية. القومجيون هم أكثر أولئك الذين أزاحوا اللثام عن وجههم. إنهم يكذبون مثلما يتنفسون، ويكذبون مثلما يكذب النظام الجزائري. خرجاتهم كلها افتراء وبهتان فارغة المضمون وعديمة الحجة والسند. يتهمون الأخيار من أبناء هذا الوطن بالطابور الموالي لإسرائيل ولا يقيمون في ذلك ولو حجة واحدة. يدعون أن بحوزتهم من الوثائق السرية ما ليس بحوزة الأجهزة الأمنية.

ويدعون أن إسرائيل عدوة للمغرب بل نيتهم في ذلك التستر على العدو الحقيقي لبلادنا وهو النظام الجزائري الذي يعرفه الخاص والعام بأنه هو الذي وقف على مدى نصف قرن من الزمن في معاداة المغرب على مستوى جميع المحافل الإقليمية والدولية ولا يترك هذا النظام  لا صغيرة ولا كبيرة إلا وأعد العدة لصرب مصالح المغرب.

يخرج علينا مناهضو التطبيع كذلك بسيناريوهات من ثمرات الذكاء الاصطناعي الذي لا يخطر ببال عقل بشري وهو أن إسرائيل سيتم محوها من خارطة الشرق الأوسط وأنها تعد العدة من الآن لاحتلال المغرب واتخاذه وطنا بديلا لليهود حجتهم الواهية في ذلك تتمثل في وجود أنبياء وأضرحة لأولياء صالحين يهود في المغرب يعدون بالمئات. إ ذ لا يكتفي القول بأن هذه الدعاية مفلسة بل إنها تعبر عن مدى الانحطاط الفكري والهذيان الذي أصاب العقول من حملة فكر منحط غير مسبوق. من يروج لمثل هذه الدعاية يعرف مسبقا أنها سلعة غير قابلة ولو للعرض فبالأحرى أن يتم فحصها أو التدقيق فيها . فالمغرب أمة لم تنل منها أمبراطوريات فكيف تنال منه كيانات من مقاس إسرائيل أو غيرها. إنها أكذوبة العصر يجب تصنيفها في الأرقام القياسية لكتاب غينيس.

ما أصاب مناهضي التطبيع من هلوسة جعلتهم بفتقدون جادة الصواب أو الاحتكام للعقل. وتجاوزوا حدود ما يقولون عنه بمناصرة القضية الفلسطينية إلى التطاول على اليهود المغاربة كرعايا يعيشون تحت كنف هذا الوطن. فمنهم من أراد التحقيق معهم في نواياهم ومواقفهم ومنهم من أراد أن يسقط عنهم الجنسية المغربية ومنهم من ينازع حقهم في وظائف الدولة كمثل ذلك اليهودي المغربي لذي يتولى إدارة الشأن التقني والمالي للأوقاف بداخل الوزارة الوصية. فالاستحقاق في القوانين المغربية لا يبنى على معايير دينية أو طائفية أو على عنصرية ماحقة وإنما على الكفاءة وعلى الوطنية الصادقة. من يجادل في هذا الاستحقاق وجب علينا أن نذكره بأن السيدة زهور رحيحل مغربية مسلمة تشغل حاليا منصب محافظة متحف التراث اليهودي بمدينة ادار البيضاء. فلماذا لا يجادل أبناء الطائفةاليهودية في تولي هذه المسلمة هذا المنصب على رأس مؤسسة يهودية؟ سؤال أطرحه على من يريد الإساءة لشركائه في الوطن، وما علاقة ذلك بمناهضة التطبيع ؟ ولكي تتوفر لكم الإجابة عن هذه الأسئلة يجب التحلي بالوطنية وأن تأخذوا العبرة من أشقانا في مصر ليس في الاتجاه الذي دعا إليه السيد عبدالإله بنكيران بل في الاتجاه الذي تربينا عليه نحن المغاربة جميعا.

اترك رد