الدرس الباكستاني كم يكون مفيدا لنا؟
بقلم: قاسم علوش
ماذا لو أن الهند، رابع قوة عسكرية في العالم، هي التي دمرت خمس طائرات مقاتلة باكستانية ومعها عدد كبير من الطائرات بدون طيار؟ وماذا لو أن الهند هي التي ((بهذلت)) القوات المسلحة الباكستانية، وهي المصنفة العاشرة عالميا، وأذاقتها تلك الهزيمة الجوية المذلة؟ هل كانت حينها ستتدخل الولايات المتحدة الأمريكية بهذه السرعة لوقف تلك الحرب وهي ترى حليفها وحليف ربيبتها ((إسرائيل)) القوي في المنطقة الآسيوية يلحق تلك الهزيمة النكراء،في سماء المعركة،في مواجهة غريمه الباكستانيحليف الصين عدوة الولايات المتحدة الأمريكية ومنافستها القوية في جميع المجالات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية…الخ، بل وتنافسها على الزعامة وفرض التعددية القطبية عوض التسليم بالانفراد الأمريكي لقيادة العالم؟ الجواب قطعا هو لا. لم تكن لتتدخل الولايات المتحدة لوقف تلك الحرب أبدا. إنها لم تتدخل بكل ثقلها لوقف استمرار الحرب الهندية الباكستانية إلا حينما أيقنت، وبقوة، أن حليفها الهندي يتكبد خسائر فادحة، وأنه قد خسر الحرب منذ البداية حين تلقت قواته الجوية المسلحة تلك الصدمة المدوية حين أُسقِطَت لها خمس طائرات مقاتلة متطورة، على رأسها طائرة (الرافال) الفرنسية الصنع، ومعها حزمة أو ((رزمة))، حوالي 70 من الطائرات بدون طيار ((إسرائيلية)) الصنع، بواسطة مقاتلات وصواريخ صينية الصنع أثبتتفعاليتها، ونديتها، بل وتفوقها، في مواجهة الترسانة العسكرية الهندية الجوية الضخمة بالمقارنة مع ترسانة دولة باكستان. ويدعم هذا التوجه في التحليل مجموعة من الاعتبارات يمكن طرحها على الشكل التالي:
- بالنظر إلى الفرق الشاسع بين الترسانة العسكرية لكل من الهند وباكستان، اللتان تعتبران ضمن النادي النووي العالمي (نادي الدول العشر النووية)، فقد كانت تعتقد الدولة الهندية ومعها حلفاؤها الغربيون، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها ((إسرائيل))، أنه بوصمها لدولة باكستان بصفة ((الدولة الراعية للإرهاب))، بناء على واقعة الهجوم الذي تعرضت له ((أراض هندية))، بتاريخ 22 أبريل 2025، مما أسفر عن مقتل 26 مدنيا وإصابة 17 بمنطقة (بهلغام) السياحية بإقليم((جامو وكاشمير))، بحسب ما نقلته وكالات الأنباء الدولية عن مسؤولين هنديين، وهو(الإقليم المتنازع عليه بين الهند وباكستان، حيث تعتبره هذه الأخيرة أراضي تابعة لها تحتلها الهندمنذ سنة 1947م، تاريخ انفصال الهند وباكستان عن بعضهما بعض، بعد خروج المملكة المتحدة البريطانية من هناك بعدما كانت قوة استعمارية تسيطر على منطقة جنوب آسيا لما يزيد عن قرنين من الزمن)، من قبل عناصر مسلحة، تزعم الهند أنها تنتمي لمجموعة مسلحة مدعومة من باكستان، اعتقدت الهند حينها (وقد رفضت العرض الباكستاني بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في الواقعة برعاية الأمم المتحدة) أن ذلك بمثابة ذريعة كافيا، أي وصف باكستان بالدولة الراعية للإرهاب، كي تعطي لنفسها الغطاء السياسي والدولي، مادامت تهمتي ((الإرهاب)) و((دعم الإرهاب)) كافيتين في نظر القوى الغربية الداعمة لها، كي تقوم بتنفيذ هجومها الصاروخي في عمق دولة باكستان، ولم لاالغزو البري للجزء الباكستاني من إقليم كشمير وضمه إليها بالقوة.
- كان التأهب الباكستاني الفوري والرد القوي من طرفها على هجوم القوات المسلحة الجوية الهندية، على مناطق في إقليم كاشمير الباكستاني، وأجزاء من إقليم (البانجاب)، عبر إسقاط خمس (05) طائرات هندية داخل المجال الجوي الهندي، من بينها 3 من طراز “رافال” وواحدة من طراز “سوخوي-30” وأخرى “ميغ-29“، بواسطة طائرات مقاتلةJ-10C،مجهزة بصواريخ جو-جو من طراز (PL-15)، صينية الصنع، وأسر بعض الجنود الهنود، حسبما ما صرح وزير الدفاع الباكستاني، الصدمة/الفكرة التي أيقظت الهند من “حالة السكرة” التي كانت تعيشها جراء شعورها المتعجرف بتفوقها الجيوسياسي على دولة باكستان المسلمة. تلك الأسلحة الصينية أثارت فعلا الرعب في الأوساط العسكرية الغربية، والتي رأت كيف استطاعت الأسلحة الصينية، التي تمتلكها باكستان، الفتك بالدفاعات الجوية الهندية، علما بأن باكستانتُسلّح بشكل أساسي من قِبل الصين، بينما تحصل الهند على أكثر من نصف أسلحتها من الولايات المتحدة وحلفائها، وبالتالي، فإن أي صراع بين الجارتين قد يكون فعليًا مواجهة بين التقنيات العسكرية الصينية والغربية، حسبما أفاد به موقع CNN بالعربية الأمريكي.
- كانت الدفعة القوية التي تلقتها أسهم شركات صناعة السلاح الصينية، وفي مقدمتها شركة صناعة الطائرات الحربية، في سوق البورصة العالمية (بزيادة وصلت إلى 20%)، بمثابة زلزال عنيف أصاب شركات صناعة السلاح في الدول الغربية، وعلى ٍرأسها شركة “داسو للطيران” الفرنسية، التي منيت بخسائر غير مسبوقة من أسهمها (قدرت بحوالي 4%). كما كان ذلك كافيا كي يدق ناقوس الخطر عند حاكم البيت الأبيض، “دونالد ترامب”، وهو في عز حربه التجارية والاقتصادية مع التنين الصيني، وهو يرى كيف أن موازين القوى، بين أميركا وبين الصين وليس فقط بين الهند وباكستان، خلال هذه الحربإن هي استمرت،ستؤول في الأخير لصالح باكستان وحليفها الصيني بسبب ما قد يترتب عنها من تحول مستقبليكبير لكثير من جيوش الدول، في أن تصبح زبونا عند التنين الصيني، التي قد ترى في السلاح الصيني بديلا قويا ومناسبا عن السلاح الغربي، وذلك بسبب فعالية أدائه في الحرب الدائرة بين كل من الهند وباكستان، إضافة إلى تكلفته المناسبة بالمقارنة مع تكلفة السلاح الغربي.
- سرعة استجابة الهند لجهود الوساطة الدبلوماسية التي تزعمتها أميركا ومعها دول عربية وإسلامية، مثل العربية السعودية وتركيا، هو تعبير واضح عن عدم قدرة قواتها العسكرية، برغم ضخامتها وتنوعها، من الصمود في وجه التحدي والردع الذي أبدته القوات المسلحة الباكستانية. كما أن تلك الاستجابة تدل دلالة واضحة على قوة الدرس الباكستاني الذي تلقَّنته الهند، كانت مضامينه أن العبرة ليس بالعدد، ولكن العبرة بالنوع والمدد ﴿كَم مِّن فِئَةࣲ قَلِیلَةٍغَلَبَتۡ فِئَةࣰ كَثِیرَةَۢبِإِذۡنِٱللَّهِۗوَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ﴾ [البقرة: 249].
وعليه، فإنه بالنسبة لنا في المنطقة العربية يمكن استخلاص مجموعة من الدروس الفرعية التي تضمنها الدرس المركزي العسكري الباكستاني خلال هذه الحرب الهندية الباكستانية الجديدة، ويمكن إجمالها على الشكل التالي:
- ضرورة أن تستوعب الدول العربية مضمون ما وقع في الحرب الهندية الباكستانية وهو أن تخرج من ((القوقعة السياسية)) التي فرضتها عليها القوى الاستعمارية الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وأن تنفتح على الخيارات المطروحة أمامها التي يقدمها التنين الصيني، عبر قدراته التقنية واللوجستية المتنوعة في شتى المجالات الذي أضحىينافس بقوة، إن لم نقل يتجاوز أحيانا، قدرات الدول الغربية بأجمعها،مع ضمان تعزيز استقلال قرارها السيادي السياسي والعسكري وتحصينه من أي اختراق أجنبي؛
- إن العالم اليوم، كما الأمس، لا يعترف بالضعفاء. إن القوة هي المفتاح السحري لكل الأبواب المغلقة، وهي وحدها القادرة على جعل عدوك يسمعك، بل ويخضع لك. لذلك، لا بد من حشد كل الإمكانات والقدرات التي تمتلكها دولنا، وتزخر بها جغرافيتنا الغنية والمتنوعة، وتعبئتها وتوجيهها نحو خدمة مصالح الأمة ومصالح الدولة القطرية في آن واحد، وفق نظرة جيوسياسية تكاملية ومندمجة في واقع جيوسياسي متغير يعتمد على التكتلات والتحالفات الإقليمية والدولية.
- أن عداوة الصهيونية العالمية، وكيانها الوظيفي ((إسرائيل)) للأمة العربية والإسلامية هي عداوة أصيلة. وهذه حقيقة قرآنية،كما هي حقيقة واقعية في آن واحد. حقيقة قرآنية أثبتها الله تعالى في محكم كتابه حين أخبرنا بأن ﴿أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَا وَةࣰلِّلَّذِینَءَامَنُوا۟ٱلۡیَهُودَوَٱلَّذِینَأَشۡرَكُوا۟﴾ من عبدة الأوثان الذين اتخذوا الأوثان آلهة يعبدونها من دون الله، وهم بذلك، أي الصهانية، مستعدون للتحالف مع كل أعداء الأمة الإسلامية في أي بقعة جغرافية كانوا وهو ما يفسر لنا تحالفهم مع الهند “الهندوسية”، ومدها بالسلاح والعتاد والتقنيات المتطورة، ضد دولة باكستان الإسلامية. كما أن عدواتهم للأمة حقيقةواقعية يعكسها استمرار عدوان جيش عصابات الصهاينةعلى الفلسطينيين، في فلسطين المحتلة، وعلى كل من لبنان واليمن وسوريا. إضافة إلى كونهم لا يخفون نيتهم التوسعية على حساب أراضي الأنظمة العربية بما فهيا تلك المطبعة معهم، ونقصد هنا مصر والأردن، ناهيك عن إشاراتهم المتكررة إلى ((حقوقهم التاريخية)) في أرض الحجاز.
- إن الواقع العربي الرسمي الحالي،المترهل والمستسلم، الذي اخترقته، ولا تزال، دولة الكيان الصهيوني تحت مسميات عدة، هو واقع لا ينبغي أن يستمر نظرا للمخاطر المتوقع حدوثها جراء استمرار الهيمنة والعربدة الصهيونية في المنطقة، والتي قد يكون من أسوئها التهديد الوجودي لبعض الأنظمة العربية المجاورة للكيان الصهيوني. وذلك ما يستلزم وقفة حازمة تقوم على أساس مراجعة سياسات التطبيع، وكسر الطوق الحديدي الذي تحاول أن تضعه ما يسمى ب “اتفاقيات أبراهام” في عنق الأنظمة العربية، وحساب الربح والخسارة من ذلك كله من منطلق أن العلاقات الدولية السليمة بين الدول تقاس نجاحاتها وقيمتها بمدى تحقيقها للمصالح الحقيقة للأنظمة السياسية ولمجتمعاتها، كما أنها مبنية على الندية وتوازن القوى لا على التبعية والخضوع.
- إن التطبيع مع الكيان الصهيوني ليس قدرا بقدر ما هو اختيار. وهذا الاختيار، الذي تقاد إليه بعض الأنظمة العربية بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى، لا ينبغي أن يكون على حساب المصالح الجيوسياسية للدول العربية ولا على حساب التهديد الوجودي لبعضها. كما أن الدرس الباكستاني القوي، إثر تداعيات الحرب الجديدة بينها وبين الهند، الذي أظهر لنا كيف أن باكستان استطاعت أن تفرض معادلة توازن القوى على الدولة الهندية بالرغم من الفارق الكبير بينهما من حيث القوة والقدرة في جميع المجالات، وذلك عبر اختيارها عدم الرضوخ لإملاءات الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، واختيارها طريق آخر لبناء قوتها وتحصين وتعزيز مكانتها الإقليمية والدولة، يمكن أن يكون درسا مفيدا لنا نحن في المنطقة العربية يقاس ويبنى عليه في المستقبل القريب، وذلك في أفق إعادة بناء نظام عربي قوي ومتضامن مع بعضه بعضا، وقادر على فرض كلمته كما فرضت باكستان كلمتها.